الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

التوازنات الفلسطينية الجديدة بين المصالحة، النفوذ الإقليمي، ودور الولايات المتحدة

نشر بتاريخ: 24/08/2024 ( آخر تحديث: 24/08/2024 الساعة: 11:40 )

الكاتب: مروان أميل طوباسي

في ظل تصاعد التحديات الإقليمية والدولية، تشهد الساحة الفلسطينية تحركات دبلوماسية محورية لإعادة ترتيب البيت الداخلي. من أبرز هذه التحركات إعلان الرئيس محمود عباس نيته التوجه الى غزة وفق ما جاء من اهداف بالمرسوم الرئاسي الصادر بالخصوص ، في خطوة قد تعكس تحولاً استراتيجيا في السياسة الفلسطينية الحالية ، وهو امر مطلوب برأيي وضروري . بالتوازي مع ذلك ، تستمر الولايات المتحدة في لعب دور حاسم في إفشال المفاوضات الرامية إلى التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار دائم والانسحاب من غزة وتنفيذ صفقة الأسرى من جهة ، ومحاولات نتنياهو الحثيثة لاستمرار احتلال قطاع غزة والأيحاء بان الخلاف حول محور فيلادلفي هو ما يعيق المفاوضات وليس إنهاء الحرب والانسحاب الكامل وتبادل الأسرى في محاولة للاستفادة من واقع مرحلة الانتخابات الأمريكية من جهة اخرى ، مما يثير تساؤلات حول مستقبل المنطقة ومن ضمنها اعلان الرئيس عباس في ظل رغبة نتنياهو باستمرار تنفيذ مخططاته واعاقة اي جهود .

** إعلان الرئيس ابو مازن بتوجهه المحتمل لغزة ، التحديات والتداعيات.
إعلان الرئيس محمود عباس التوجه إلى غزة يشير إلى محاولة لتوحيد الصف الفلسطيني في وجه الجرائم والتصعيد الإسرائيلي المستمر وانغلاق الافق السياسي . هذا التوجه المحتمل يأتي في وقت حساس للغاية، حيث تواجه القيادة الفلسطينية ضغوطا كبيرة من الداخل والخارج حول الوحدة وشكل الحكومة والأداء . إن نجاح هذه الزيارة في تحقيق المصالحة قد يكون له تأثير كبير على مستقبل الوحدة الوطنية الفلسطينية التي يطالب بها شعبنا وينتظرها ، إلا أنه لا يخلو من تحديات.
التحدي الأكبر يكمن في كيفية تقبل حركة حماس لهذه المبادرة ، في ظل استمرار سيطرتها النسبية على غزة رغم حرب الإبادة والاقتلاع ، حيث سيكون من الضروري تحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على مصالح حركتي فتح وحماس وبين تحقيق الوحدة الوطنية وتهيئة الاجواء. ومن ناحية أخرى ، ستراقب إسرائيل وحلفاؤها الإقليميون والدوليون هذه الخطوة عن كثب، وقد تعتبرها تهديدا لمصالحها إذا أدت إلى تعزيز الوحدة الوطنية وبالتالي تغيرات تجري على موقف حماس السياسي بالانخراط في العملية السياسية بشكل عام ، رغم عدم مشاركتها حتى الان في مجريات المفاوضات بالدوحة والقاهرة .

**دور الولايات المتحدة في إفشال المفاوضات.
على الجانب الآخر ، تلعب الولايات المتحدة دورا معقدا في إفشال المفاوضات المتعلقة بوقف إطلاق النار. على الرغم من اعلانات بايدن المتكررة والكاذبة بشأن إمكانية التوصل إلى صفقة قريبة . فإن الواقع يشير إلى أن مكونات النظام الامريكي قد تكون غير راغبة في السماح بتوقف الحرب التي تخدم رؤيتها ومصالحها الاستراتيجية في المنطقة من خلال دعم واشنطن المستمر لإسرائيل والشراكة معها والتماهي بينهما بالعديد من محددات العلاقة وأهمها العقائدية والمضمون الإستعماري الوظيفي ، حتى في ظل استمرار الفظائع في غزة.

فشل المفاوضات قد يكون نتيجة مباشرة لهذا الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل . فبعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لإسرائيل، ظهر بوضوح أن هناك توافقا أمريكيا إسرائيليا على مواصلة عمليات الأحتلال العسكرية من حرب الاقتلاع والأبادة ، مما يضعف من فرص التوصل إلى هدنة او تبادل للأسرى ، وقد يعكس ذلك رغبة أمريكية في الحفاظ على الضغط على حماس وإضعافها قدر الإمكان من جانب واضعاف السلطة الوطنية من جانب اخر من خلال الضغط واجراءات الأحتلال المختلفة من جانب اخر ، مع السعي لتحقيق أهداف سياسية أبعد من مجرد وقف إطلاق النار في غزة ومحاولات فرض الاستسلام على شعبنا .

**التحديات أمام إعادة ترتيب البيت الفلسطيني.
التحركات نحو المصالحات تأتي في وقت تزداد فيه الضغوط على القيادة الفلسطينية تحت مبررات شكل الحكومة والأداء والتجديد من جانب الغرب والعرب ، كما ورغبة شعبنا في رؤية التغير لكن خارج الدعوات الأمريكية الخبيثة وبعيدا عنها . الحديث الذي صرح به الصحافي الإسرائيلي إيهود ايعاري حول مصالحات داخلية قبل ايام والذي ما زالت المعلومات عنه غير واضحة لدي ، في وقت لم يتم إيضاح الأمر حوله من اصحاب الشأن قد يكون بالاتجاه ايضا ، ورغم تعدد وجهات النظر حوله ، الا انه يعكس رغبة في خلق جبهة موحدة قائمة على التصفية المطلوبة وطنيا للخلافات داخل "فتح" وإنهاء ظاهرة الإقصاء وألأبعاد والتفرد لتكون قادرة على التعامل مع هذه التحديات بعيدا عن المصالح الضيقة . ولكن هذا الامر يواجه عقبات كبيرة، لا سيما في ظل معارضة إسرائيل وحلفائها لأي خطوة قد تؤدي إلى تقوية الموقف الفلسطيني الموحد ورغبة البعض القليل من داخل البيت الفلسطيني في عدم تنفيذ ذلك ، خاصة المتعلق فيها بموضوع القائد مروان البرغوثي الذي يمثل اليوم قاعدة واسعة من التقاطعات والتوافقات الوطنية وفق الاستطلاعات المختلفة ، هو امر مرتهن ايضا من جهة اخرى باطلاق سراحه من خلال الصفقة او بغير ذلك ليكون هو ورفاقه احرارا .

من ناحية أخرى، قد تواجه حماس تحديات في الحفاظ على سيطرتها في غزة إذا تم تنفيذ توجه الرئيس عباس الى غزة وتحقيق المصالحات الفتحاوية والمصالحة الوطنية الشاملة . فيمكن أن تؤدي الترتيبات الجديدة ان نجحت إلى تقليص نفوذ حماس المتفرد منذ الانقلاب وتحديدا الجناح المرتبط بحركة الأخوان ، ما قد يدفع الحركة إلى البحث عن دعم إضافي من حلفائها الإقليميين لتعزيز موقفها وموقعها مثل إيران وتركيا في ظل رغبة الطرفين في تعزيز مكانتهما ومصالحهم بالمنطقة وحتى على المستوى الدولي ، او قد يثير خلافات حمساوية داخلية حول ذلك وتغليب الجانب الوطني فيها بعد كل الدمار المؤلم الذي أحدثه الأحتلال في غزة .

**مستقبل حماس في ظل المصالحة المحتملة.
على الرغم من هذه التحديات، يبقى دور حماس محوريا في أي عملية سياسية مستقبلية رغم وضوح التباين بين قيادتها . فنفوذها العسكري والشعبي ليس فقط في غزة يجعل من الصعب تجاهلها في أي ترتيبات سياسية حتى الان . إذا تمت المصالحة بطريقة تشمل حماس وتحافظ على مصالحها، قد تستفيد الحركة من هذه الخطوة لتعزيز موقفها. ومع ذلك، إذا شعرت حماس بأنها مهددة بفقدان نفوذها، قد تلجأ إلى تصعيد الصراع أو تعميق تعاونها مع حلفائها لتعزيز موقعها ان لم تدرك اهمية دورها وتعيد تقييم المرحلة وتجربتها او التحولات الجارية وأهمية الوحدة الوطنية .

**الدور الإقليمي لكل من إيران، حزب الله، وروسيا.
التطورات الفلسطينية تأتي في وقت تزداد فيه التوترات الإقليمية، خاصة مع استمرار المجازر الإسرائيلية ومسارعتهم في تنفيذ المشروع الصهيوني التوراتي بالحسم المبكر خاصة مع تصعيد سياساتها بالضفة الغربية والقدس وتحديدا في شمالها بطولكرم وحنين ونابلس . إيران وحزب الله يراقبان عن كثب ما يجري، وقد يعتبران أي تصعيد في غزة فرصة لزيادة دعمهما لفصائل المقاومة الفلسطينية وتصعيد عمليات الاستنزاف العسكري في شمال فلسطين على الحدود اللبنانية وتوسيع نطاق النار .

بينما تتخذ روسيا والصين موقفا حذرا، مع مراقبة التطورات بقلق . فقد تجد موسكو نفسها مضطرة للرد إذا استمر التصعيد والاعتداء على حلفائها من دول المنطقة رغم عدم رغبتها في توسعة الحرب لانشعالها فيما يجري بحق سيادة أراضيها من حرب الوكالة ضدها في أوكرانيا ، بينما قد تحاول الصين التدخل دبلوماسيا لتهدئة الوضع حفاظا على مصالحها الإقتصادية تحديدا وعدم توتير الاجواء في بحر الصين وفق الاستفزاز الامريكي الجاري .

** بين التطورات والمتطلبات الوطنية .
لذلك فان التطورات الراهنة تشير إلى تغيرات بالواقع الإقليمي وأن الساحة الفلسطينية مقبلة على مرحلة جديدة قد تحمل في طياتها فرصا كبيرة للمصالحة ان أدرك الجميع المصالح الوطنية العليا ، وبذلك تمتين دور ومكانة منظمة التحرير من خلال الأنعقاد السريع المجلس الوطني الفلسطيني وفق التوافق على عضويته ، ولكنها اي المرحلة لا تخلو من التحديات ايضا بين إعلان الرئيس عباس التوجه إلى غزة ، وفشل المفاوضات بسبب الدور الأمريكي ، والتوترات الإقليمية المتصاعدة . ستلعب هذه العوامل مجتمعة دورا حاسما في تحديد مستقبل القضية الفلسطينية ، وما إذا كانت ستؤدي إلى تسوية سياسية أو تصعيد مستمر وتوسعة نطاق الحرب بالمنطقة الذي نلاحظ بوادره .

واضح انه لا يوجد أمامنا اليوم سوى توحيد الجهد الوطني المخلص في اطار منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد ولكافة الاعتبارات المتعلقة بالمكانة الدولية لها ، وضرورة المراجعات النقدية الداخلية ورفع كفائة ادائها وتوسيع مشاركة كل فئات شعبنا فيها والتوافق على رؤية وبرنامج وأدوات سندا لبنود اعلان بكين تنسجم مع متطلبات المرحلة التي يستهدف الأحتلال فيها الكل الفلسطيني دون تردد او حتى معيقات دولية جادة سوى فقط من صمود وارادة شعبنا وكفاحها الوطني ومقاومته المتعددة الاشكال ، تحول دون ذلك وفق ما هو واضح ايضا من توجهات المرشحة الرئاسية الديمقراطية كاميلا هاريس التي لم تعطي الكلمة الواضحة للتجمعات العربية والاقليات الاثنية الاخرى امام تزايد صوت "تجمع غير الملتزمين " امام مؤتمر حزبهم ، بل أكدت على انحيازها الكامل لاسرائيل وحقها بالدفاع عن نفسها ... الخ ، وبالطبع للمرشح ترامب بمواقفه المعروفة بالخصوص والأكثر انحيازا .