الكاتب: د.محمود الفروخ
جرى الحديث مؤخرا عن محاولات جديدة وجدية لعقد مصالحة بين رئيس حركة فتح محمود عباس "أبو مازن" ورئيس التيار الاصلاحي الديمقراطي القيادي المفصول من حركة فتح الأم محمد دحلان "أبو فادي" ، لاسيما بعد التسريبات التي نشرها الصحفي الاسرائيلي المختص بالشأن الفلسطيني ايهود ايعاري حول ذلك عبر وسائل اعلام اسرائيلية مختلفة ، وبالتالي فان هذه الجهود وأن جاءت متأخرة وفي ظرف وطني فلسطيني مفصلي حساس ومصيري في ظل ما تتعرض له غزة والضفة الغربية والقدس من مجازر وابادة جماعية وعدوان احتلالي غاشم ، فان مجيئها اذا كان من أجل تقاسم كعكة غزة في اليوم التالي للحرب فهي محاولات حسب ما نشر ايعاري من معلومات خبيثة ، وان كانت من أجل توحيد صفوف حركة فتح وتمتين جبهتها الداخلية فهي حميدة ومباركة بكل تأكيد .
ان قوة فتح وصلابتها وتماسكها هي قوة للشعب والقضية الفلسطينية وان وحدتها الداخلية قوة لجميع فصائل العمل الوطني والاسلامي على الساحة الفلسطينية ، لانها تشكل العمود الفقري للشعب والقضية الفلسطينية ، وبالتالي اذا استقام هذا العمود استقام الجسم الفلسطيني بكامله ، فهذا مصلحة لحماس والجبهة الشعبية والديمقراطية والجهاد الاسلامي ...الخ كما هو مصلحة فتحاوية وفلسطينية عليا ، ولا أعتقد أن أحدا يرى عكس ذلك فقوة حماس يجب أن تكون أيضا قوة لفتح والعكس صحيح مع باقي الفصائل الاخرى ، وربما تساهم وحدة فتح الداخلية في أن تكون مقدمة لوحدة جميع الفصائل خصوصا عقد مصالحة وطنية جادة وفاعلة بين غرماء السياسة الفلسطينية فتح وحماس مستقبلا رغم كل المحاولات الفاشلة للصلح بينهما سابقا .
كلنا يعلم جيدا أن الخلاف بين "أبو مازن" و"أبو فادي" كان شخصيا بالبداية سرعان ما تحول الى خلاف تنظيمي تداخلت فيه المصالح والجغرافيا وصراع النفوذ وكان لبعض العسس المحيطين بكلا الرجلين دورا كبيرا في تحميض القلوب و النفوس وعدم رأب الصدع بينهما طوال كل هذه السنوات ، مع ان فتح بوجود دحلان أقوى من فتح بدونه وهذا ينطبق على القيادي ناصر القدوة والقائد مروان البرغوثي وغيرهم من أعضاء الثوري والتشريعي الذين تم فصلهم أو استبعادهم أو تهميشهم من الحركة .
ورغم أن دحلان قال في تصريحات سابقة بداية العدوان الاسرائيلي على غزة ان من سيحكم غزة "لا عباس ولا حماس" فان الواقع الميداني والاقليمي والدولي ربما يشي بغير ذلك حيث ما زالت حماس صامدة وموجودة على الارض في غزة ولم تهزم حتى اللحظة هذا أولا ، ولازال المجتمع الدولي وأمريكا واسرائيل وبعض الدول العربية ترى في عباس شريكا مقبولا في ادارة غزة او معابرها هذا ثانيا ، رغم قوة ونفوذ تيار دحلان في غزة وعلاقته الطيبة مع بعض أركان حماس بالقطاع ، وبالتالي باعتقادي أن الارادة الدولية سيكون لها دور كبير ومؤثر في الصلح بين عباس ودحلان على قاعدة (شركاء في تقسيم الحكم بقطاع غزة) أو تقسيم الكعكة بين المعسكرين هذا من جهة ، وشكل اليوم التالي للحرب ربما سيقرر و سيدفع أيضا الى تقارب مصالحي بين الرجلين لمواجهة حماس وحكمها في غزة وأيضا ارضاء مكونات التحالف العربي وخاصة دولة الامارات التي تريد أن يكون لها امتداد ونفوذ اقليمي في غزة من خلال ربيبها محمد دحلان من الجهة الاخرى ، ولكن لن يكون ذلك مكتملا دون التوافق مع حماس لأن تجاوزها يعني فشلا لأي مشروع حكم قادم في غزة سواء أكان قوامه محليا أو عربيا أو اقليميا أودوليا لأنها وان لم تستطع ربما حكم غزة من فوق الارض بعد توقف هذا العدوان فانها ستحكم غزة من تحت الارض والانفاق وهذا يتطلب بمعنى اّخر موافقة ومباركة ورضى سيد غزة الجديد يحيى السنوار " أبو ابراهيم" .
لذا من الممكن أن تشكل المفاوضات والاتصالات التي كشف عنها الصحفي الاسرائيلي ايهود ايعاري بين الذراع الايمن لعباس حسين الشيخ والعقل المدبر لدحلان سمير المشهراوي أرضية مشتركة للجانبين لتناسي الاحقاد والخلافات الماضية والتعالي عنها وفرصة للم الشمل الفتحاوي بكافة أطيافة وأشخاصه ومسمياته ، وأن تكون مقدمة للقاء يجمع الرئيس عباس بدحلان ربما في موسكو او مصر أو الامارات او السعودية ...الخ ، في الايام القادمة من أجل طي صفحة أربعة عشر عاما من الفرقة والخصام والخلاف بين الرجلين والذي انعكس سلبا على وضع حركة فتح سواء على الصعيد الداخلي او الخارجي ، وعلى الصعيد الوطني ايضا تستحق دماء أكثر من أربعين الف شهيد واكثر من مئة وخمسين الف جريح في غزة المنكوبة والمكلومة أن نتصالح مع بعضنا كفتحاويين وكفلسطينيين وكحمساويين وجبهاويين ...الخ سواء من أجل اغاثتها أو من أجل ادارتها أو من أجل نصرتها وتضميد جراحها .
لقد وهنت فتح وضعفت لأسباب وعوامل عدة لا نريد الخوض في تفاصيلها يعرفها القاصي والداني ، ولكن الامل بعودتها واستعادة مكانتها التاريخية كحاضنة ورافعة للنضال والمقاومة والعنفوان الفلسطيني ممكنة اذا توافرت الارادة مع حسن اختيار القياده ، لذلك المطلوب أن تكون هناك مصالحات داخلية شاملة في فتح دون استثناء على قاعدة أن الفكرة أهم من الشخص وأن الحركة أكبر من المصلحة ، وعودة كافة المفصولين الى حضن الحركة والشرعية الفتحاوية ، وأن يتم عقد مؤتمر ثامن شفاف ونزيه يشمل كافة كوادر وقيادات ومناضلي الحركة دون استثناء بعيدا عن شللية المركزية وأعضاءها وأسماء الساعة الاخيرة في المؤتمر ، وأن تكون المصالحات بنية اعادة احياء الحركة وتقويتها وتفعيلها احتراما لتاريخها ووضع رؤية وتصويب لواقعها ومستقبلها واعادة هيبتها وتنظيفها من الطارئين و المتسللين اليها خلسة ومحاسبتهم ومحاسبة كل من استفاد من مقدرات الحركة واستغل منصبه ونفوذه فيها ، وألامر الاهم ارساء وتفعيل قانون الثواب والعقاب في هياكل وأنظمة ودساتير الحركة الداخلية دون تمييز ومحاباة لأحد مهما على شأنه ونفوذه وعظم منصبه من أجل أن لا تتكرر كافة الاخطاء الجسيمة السابقة التي اقترفها العديد من قياداتها وكوادرها وأعضاءها ما أدى الى تشويه صورة الحركة ونفور أبناءها المناضلين والشرفاء منها.