الكاتب: وصال فيصل ابو محميد
غرفة ٌ مظلمة ترى من بابها طيفاً لضوء، خيالات أشخاص تتحرك بسرعة وخوف، أصوات ٌ غيرُ واضحة كأنها أنين نساء، ورجل يقول بصوت متوتر: "أعطيني المشرط"، أثارت هذه الجملة فضولي فاقتربت بهدوء من الغرفة وقبل أن أصلَ الباب، صُراخ ٌ يملأ أرجاء المكان، تجمدت في مكاني من الخوف، لحظات ٌ قليلة وإذ بدماءٍ يتسلل لخارج الغرفة، خرج الرجل من الغرفة وإذ بهِ الطبيب، يقول وبصوت يعتريه الحزن والأسف: لم أنجح واضطررت لاستئصال الرحم.
نعم عزيزي القارئ هذا ليس مشهد من مخيلتي أو مشهد لفيلم رعب هذه معاناة الأم الغزاوية بسبب الحرب، معاناة تتسم بالعنف الجسدي والنفسي دون أي اعتبارات أخلاقية إنسانية، مشاهد دموية ترتكب بسبب قلة الإمكانيات الطبية، حيث يتم إجراء عمليات الولادة القيصرية دون مخدر بل قطعة قماش في الفم لتخفيف الألم، ويتم قص الحبل السري والخياطة بعد الولادة دون تعقيم، ويستمر صُراخ وألم وبكاء الأم، النزيف لا يتوقف ونقص في أكياس الدم، وفي النهاية النزيف قضى على حياة الأم وأصبح ابنها يتيماً.
ولتجنب ذلك تم استئصال جزء من الرحم أو الرحم كامل للعديد من الأمهات في غزة بعد تعرضهن لنزيف متكرر وحاد، نعم الأم لن تنجب بعدها، وستدخل في دوامة من الحزن والتفكير، وقد يكون هذا أول طفل لها وبسبب العدوان وقلة توافر الاحتياجات الأساسية ستفقد هذا الطفل، وقد تكون أم لعدة اطفال ولكن استشهدوا جميعاً فأصبح هذا الطفل الأمل الوحيد، حالتها النفسية ليست بأفضل حال، وحياتها الزوجية تحتاج للوقت ودعم الزوج لتتحسن، نحن نعتذر ولكن وفي ظل هذه الظروف اعتبرنا استئصال الرحم نوع من الحماية للام.
تَخرج الممرضة من الغرفة وتنادي على الطبيب بصوت مرتفع قائلة: أيها الطبيب أسرع هناك ولادة اخرى، يدخل الطبيب مسرعاً الى الغرفة وتتلطخ قدماه بالدماء، نعم إنهُ دماء الولادة السابقة، ففي غزة وبسبب الأوضاع وقلة الإمكانيات يتم وضع مجموعة من النساء في نفس الغرفة للولادة سواء طبيعي أو عملية قيصرية، وقد لا يُتاح الوقت لتنظيف الغرفة، وهذا يزيد من انتشار الأمراض ويزيد المعاناة على المرأة.
وبعد مرور فترة زمنية، صوتُ رَجُلٍ يَعُمُ المكان قائلاً: بسرعة أين الطبيب، وبجانبهِ زَوجَتُه الحامل في شهرها السابع تنزف وتصرخ "طفلي...طفلي"، ولم يكون في الغرفة مكانٌ لزوجته، فجلست خارجاً عند باب الغرفة، جاء الطبيب وبعد رؤية حالتها قرر القيام بعملية ولادة قيصرية مُبَكرة، ولكنَّ الوقت لم يُسعِفهم، ولِشدة النزيف يتكرر المشهد المُؤلم مرةً اخرى، ويقضي النزيف على حياة الأم وطفلها ايضاً.
وهذا المشهد يصور معاناة اخرى للأم في غزة، حيث أن الخوف والقلق والرعب الذي يَخلِقهُ العدوان والقصف والممارسات الوحشية من قبل الاحتلال، يؤدي للنزيف والقيام بعملية ولادة قيصرية مُبكرة للأم (أي قبل موعد الولادة المحدد)، ونسبة النزيف بعد العملية عالية جداً مما يؤدي لاستئصال الرحم لحماية حياة الام، ونرى أيضاً أنهُ بسبب نقص وقلة الأدوات والغرف اللازمة للولادة تُجبر الأم على الولادة في مَمر المستشفى.
هل هناك جزء آخر لهذا المشهد؟ وهل معاناة المرأة الفلسطينية تنتهي هنا؟ والكثير من الأسئلة التي تُراود أذهاننا.