الأربعاء: 25/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

نتنياهو وانتاج النسخة الثانية من إسرائيل

نشر بتاريخ: 25/08/2024 ( آخر تحديث: 25/08/2024 الساعة: 22:51 )

الكاتب:

بقلم اللواء المتقاعد: أحمد عيسى

لم يعد خافياً على المراقبين لتطورات حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين منذ أكثر من عشرة

شهور، أن ليس بوارد نتنياهو وحكومته التوصل لاتفاق يوقف الحرب على غزة ويحرر الأسرى من قبضة المقاومة، لأن الإتفاق يستلزم وجود طرف ثاني مقابل، اي طرف فلسطيني، سواء كانت حماس أو منظمة التحرير الفلسطينية، الأمر الذي يعني تسليم إسرائيل بالفشل في تحقيق أهداف الحرب المعلنة والتي يقف على رأسها إنهاء وجود حركة حماس حكومة ومقاومة، واستبدال السلطة الفلسطينية بأخرى متجددة.

أجادل في هذه المقالة أن الغاية النهائية لنتنياهو من حرب الإبادة هذه هو انتاج النسخة الثانية لإسرائيل، ليس

لأنه رئيس الوزراء وزعيم الإئتلاف الحاكم في إسرائيل وحسب، بل لأنه يؤمن أنه الوريث الشرعي

لجابوتنسكي، والمؤتمن على امتلاك التفسير الأمين والمخلص للحركة الصهيونية وأهدافها في فلسطين.

في الواقع لم يبدأ نتنياهو في التأسيس لإنتاج النسخة الثانية لإسرائيل المختلفة عن النسخة الأولى بعد السابع من أكتوبر الماضي، بل شرع التأسيس لذلك منذ توقيع اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة دولة إسرائيل العام 1993.

ويظهر خطاب نتنياهو أن التيار الصهيوني الكلاسيكي (العمالي) الذي أسس وقاد الدولة ومؤسساتها العام 1948، ارتكب خطأين استراتيجيين في الصراع مع الفلسطينيين اصحاب البلاد الأصلانيين، الأول كان في عدم اكماله التحول الديموغرافي وسمح لأقلية من الفلسطينيين على أرضهم في المناطق التي قامت عليها دولة إسرائيل، إذ تشكل هذه الأقلية الآن 21% من سكان الدولة ولا زالت تعلن أن هويتها فلسطينية.

والخطأ الثاني تمثل في احتلال مناطق العام 1967 دون تهجير سكانها، إذ علاوة على أن عددهم إذا ما أضيف لعدد الفلسطينيين داخل مناطق العام 1948 يفوق عدد المستوطنيين اليهود.

أما الخطأ الثالث الذي ارتكبه هذا التيار من الصهيونية فقد تجلى في توقيع اتفاقية أوسلو التي أظهرت استعداد هذا التيار الى التنازل عن جزء من أرض (إسرائيل) في سياق تسوية تعالج الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

ويضيف نتنياهو أن الخطأ الرابع تمثل في انسحاب شارون من غزة من جانب واحد العام 2005، متأثرا برؤية كونه جنرال برؤية الجيش الذي يحمل رؤى وقناعات الصهيونية العمالية.

وفي السياق ذاته يرى نتنياهو دون إعتراف منه أنه شخصيا ارتكب الخطأ الخامس بموافقته على صفقة شاليط التي جرى بموجبها تحرير عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين العام 2011.

يؤمن نتنياهو أن هذه الأخطاء الخمسة مجتمعة أنتجت زلزال السابع من اكتوبر، الأمر الذي جعل من تصحيح هذه الأخطاء ضرورة للحفاظ على وجود الدولة، لا سيما إذا ما اقترن ذلك بما أل اليه الحال اقليميا خاصة في ما يتعلق بتمكن فصائل محور المقاومة من تطوير قدراتها العسكرية ووصلها الى درجة ردع إسرائيل عسكريا.

يعتقد نتنياهو ان المشهد الدولي والإقليمي في هذه اللحظة من الزمن يوفر لإسرائيل فرصة لحسم الصراع مع الفلسطينيين، كل الفلسطينيين على أرض فلسطين الإنتدابية وفق رؤيته، بما في ذلك إعادة انتاج الأسس التي قامت عليها أوسلو وما اعقبها من اتفاقات تتعلق بمعبر رفح وممر صلاح الدين (فيلادلفي).

في الواقع نتنياهو ليس الوحيد في أطماعه هذه إذ تحيط به مجموعة ليست صغيرة من الحاخامات والسياسيين وخبراء الأمن القومي أفرادا ومؤسسات تفكير كمعهد القدس للأمن القومي والإستراتيجية الذي يقف على راسه افرايم عمبر، ويعقوب عمدرور، ومعهد مسجاف للأمن القومي والإستراتيجية الصهيونية الذي يقف على رأسه مئير بن شابات مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق، ونشر هذا الأخير تقريرا في بداية العام الجاري حمل عنوان (إسرائيل 2) للباحثين الجنرال المتقاعد (جابي سيبوني، البروفيسور (كوبي ميخائيل) أكدا فيه أن إسرائيل بعد السابع من اكتوبر ليست كما كانت قبل هذا التاريخ وقدم عدد من التوصيات التي يتوجب عدم التنازل عنها كأهداف لحرب الإبادة غير المنتهية حتى تاريخه:

1- عدم التراجع عن إبادة حماس وتهجير الفلسطينيين خاصة من غزة.

2- تحويل غزة الى كومة من الخراب.

3- نقل مسؤولية الأمن في غزة لإسرائيل لفترة طويلة.

4- هدم النظام الإقليمي القائم والتأسيس لنظام جديد، بحيث يكون التطبيع مع إسرائيل هو سمته الأساسية.

5- إتمام التطبيع مع السعودية لبناء محور مضاد لمحور المقاومة.

6- عدم انجاز أية صفقة تبادل للأسرى مع حماس.

7- تغيير السلطة الفلسطينية القائمة بشكل جذري وانتاج سلطة متجددة.

8- اعتبار نهاية الحرب على غزة بتحقيق انجاز لا لبس فيه لا يتم فيه ردع محور المقاومة (ايران) أو ردعه وحسب، بل اعتباره مقدمة لتفكيك حزب الله.

أجزم في هذا المقال أن الفشل هو نصيب نتنياهو في انتاج النسخة الثانية لإسرائيل، لا سيما وأن كل شروط إنتصار إسرائيل غير متوفرة، بل على العكس من ذلك كل شروط هزيمتها في بيئتها الإستراتيجية متوفرة، الأمر الذي يجعل من المشروع التساؤل، إذا كانت هذه غاية إسرائيل ومقاصدها في هذه اللحظة من الزمن فما هي غاية الفلسطينيين؟