الخميس: 14/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

رسالة من صديق: وين نروح؟

نشر بتاريخ: 26/08/2024 ( آخر تحديث: 26/08/2024 الساعة: 09:28 )

الكاتب: رامي مهداوي

في خضم الصراع المستمر في قطاع غزة، تحول النزوح المتكرر لمواطني منطقة دير البلح وغيرها من المناطق التي تشهد تقدم الآليات والدبابات الإسرائيلية إلى كابوس مرعب، حيث يواجهون واقعًا قاسيًا لا مفر منه. البحث عن ملاذ آمن أصبح معضلة مستحيلة في منطقة لم تعد تعرف معنى الأمان. العائلات تهرب من الموت وقذائف الدبابات التي حوّلت أجساد الكثيرين إلى أشلاء، وأحرقت خيامهم وأمتعتهم، تاركة وراءها مشاهد من الدمار الذي لا يرحم.

النزوح بالنسبة لهؤلاء المواطنين لم يعد مجرد رحلة بحث عن مأوى، بل بات شكلًا من أشكال الموت البشع. هذا النزوح المتكرر، والذي يشبه إلى حد كبير أهوال يوم القيامة، دمر البيوت والمسكن وخلق واقعًا جديدًا لا يترك مجالًا للعيش أو البقاء. الحرب المستمرة، التي لم تترك بيتًا صالحًا للسكن، حولت قطاع غزة إلى ساحة دمار شامل، حيث لم يبقَ أي مكان آمن يمكن للنازحين اللجوء إليه.

تتعمق المعاناة عندما تقوم قوات الاحتلال الإسرائيلي بتوغل مفاجئ في المناطق التي سبق أن دمرتها، تاركةً خلفها أثرًا من الخراب والدمار. بعض المواطنين، بالرغم من كل شيء، يعودون إلى هذه المناطق محاولين إعادة بناء حياتهم بنصب خيام في مواقع منازلهم المدمرة. لكن الاحتلال يعود مرة أخرى، مما يجبرهم على النزوح مجددًا، الأمر الذي يزيد من العبء المادي والجسدي والنفسي عليهم، حيث لم يعد بإمكانهم الاستقرار في مكان واحد.

البحث عن مأوى في المناطق التي تعتبرها إسرائيل "آمنة" هو تحدٍ يومي. في ظل الحرارة الشديدة ونقص مياه الشرب، ومع انتشار الأوبئة والأمراض بين النازحين، تصبح الحياة لا تطاق. الوضع الصحي كارثي مع نقص الأدوية والعلاجات، وتفاقم الأزمة الاقتصادية يجعل الحصول على المواد الأساسية حلمًا بعيد المنال. إغلاق معبر رفح، وهو الشريان الوحيد للمساعدات الإنسانية، زاد من معاناة النازحين، خاصة وأن العديد من العائلات تعتمد بشكل كامل على الكوبونات الغذائية والمساعدات التي تقدمها المؤسسات الخيرية.

الوجوه المتعبة والمنكسرة تعكس حالة من الضياع. المواطنين تائهون بدون مرشد أو موجه، ولسان حالهم يقول: "وين نروح؟" في ظل غياب الجهات الرسمية التي من المفترض أن توفر لهم أماكن للإيواء أو حتى خيامًا. الخصوصية والحرمات أصبحت مفاهيم غائبة وسط حالة التيه والضياع.

ما يزيد من فداحة الوضع هو إخلاء مراكز الإيواء التي كانت ملاذًا لآلاف النازحين. المدارس الحكومية وتلك التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، التي كانت تؤوي الآلاف، أُخلِيَت نتيجة تهديدات الاحتلال الإسرائيلي، مما زاد العبء على العائلات التي اضطرت إلى ترك ممتلكاتها والهروب بحثًا عن الأمان.

اليأس والإحباط باتا يسيطران على نفوس النازحين مع استمرار الحرب، التي تدخل الآن شهرها الحادي عشر دون أي إشارة إلى نهايتها. المجازر المستمرة التي يذهب ضحيتها النساء والأطفال تحطم آمال الناس في مستقبل أفضل، في ظل صمت وتخاذل عربي وإسلامي ودولي، مما يجعل النازحين يشعرون بأن العالم قد تخلى عنهم.

المعاناة التي يعيشها سكان قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر، قضت على أحلام وآمال ومستقبل الشباب. الحياة في جنوب قطاع غزة، حيث نزح السكان من الشمال، تحولت إلى جحيم لا يطاق. مع ذلك، يبقى السؤال المؤلم عالقًا في أذهان الجميع: وين نروح؟.