الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
في متلازمة المفاوضات حول غزة والأسرى ووقف النار . تقف الأمور كل مرة عند عقبة واحدة وهي الحالة السيكولوجية لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتانياهو . فلم يبق احد في إسرائيل الا وقال له انه فشل في تحقيق الأهداف التي رفعها بداية الحرب على غزة . شركاء الحكومة والوزراء والجنرالات والبيت الأبيض والقلب الأسود ، وكل من يحلل او يتابع او يكتب حول الامن والعسكرية والسياسة قال له انه فشل في تحقيق الأهداف "الغريبة " التي توهمها في رأسه .
ويبدو ان نتانياهو اقتنع بالأمر ، ولكنه يخشى ان تخرج حماس بعد الحرب وتقول انها انتصرت وهذا لوحده يكفيه ليعطل الحياة ويوقف عجلة التاريخ ويتسمر في مواقفه ولو كلفه ذلك تحطيم كل شيء .
نتانياهو بطبعه المعروف براغماتي وهو ابعد ما يكون عن الايديولوجيين . فقد تربى في الولايات المتحدة وتعلّم هناك الانتهازية السياسية على أصولها . وكان نتانياهو - حتى قبل سنة واحدة - مستعد لان يحمل حقائب الدولارات من قطر ويرسلها بنفسه الى حماس في غزة . فما الذي حدث حتى بات متشنجا لدرجة الشلل ؟
استطلاعات الرأي تحط من مكانة نتانياهو وتعطي نفتالي بينيت ( خصمه اللدود ) الأفضلية لو عاد الى الحياة السياسية . وقد عصفت الحرب بمكانة الليكود لدرجة لن يتخيلوها الان . فالجمهور الذي يصفق لقادة الحروب لا ينتخبونهم بعد انتهاء الحرب ، تماما مثلما حصل مع تشرشل في إنجلترا بعد الحرب العالمية الثانية .
لا شك عندي ان الإسرائيليين يعشقون نتانياهو الان ولا يفكرون باستبداله . ولكنهم يستغربون سلوكه . وبعد انتهاء الحرب سوف ينقلب مزاج الناس وتختلف اجنداتهم .
ومن الطبيعي أن اي جمهور بشري لا يرغب ان تلحق به اية هزيمة . ولكن إرادة الحياة دائما اقوى من أي غريزة أخرى . فلدى الجماعات البشرية مهمات وظيفية لا تتغير : تربية الأولاد بسلام ، والعمل ، والامن والشعور بالأمان ، والاستقرار ، وعدم النزوح ، وعدم الهروب كل يوم الى الملاجئ .
وقد وصل أهالي غزة الى قناعة ان نتانياهو يحاربهم هم ، ويكرهم ويكره أطفالهم . وهذا بحد ذاته لا يمكن ان يكون خطة سياسية لاي سياسي على وجه الأرض وفي أي نظام سياسي كان .
امام المنطقة كلها خيارين فقط :
مواصلة الوضع كما هو عليه . وغزة لم يعد لديها ما تخسره ابدا . ولكن إسرائيل لديها أشياء كثيرة تخسرها وأول هذه الأشياء هي الفكر الصهيوني الذي يثبت فشله كل يوم ويتحول الى نظام ابارتهايد عنصري منبوذ من كل العالم ومن يهود العالم أيضا . وهيبة أمريكا التي فقدتها بهذا الشكل لأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي .
والسيناريو الثاني هو وقف الحرب ومنح شعوب المنطقة فرصة أخرى كي تعيد قراءة نفسها وتقويم سلوكها من دون " نجاسة" السياسيين الدمويين واجنداتهم .