الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

لعبة كسينجر بالمفاوضات لم تتغير ومنهج جرائمهم بتصاعد .

نشر بتاريخ: 27/08/2024 ( آخر تحديث: 27/08/2024 الساعة: 18:04 )

الكاتب: مروان أميل طوباسي


هناك خطأ شائع يقع فيه ليس فقط هواة السياسة ، بل وبعض المحترفين عند تناول السياسات الاميركية في الشرق الأوسط وعلاقاتها مع إسرائيل .
الولايات المتحدة سياسياً ، ثقافيا ، تاريخياً ، وحتى دينياً تشبه إسرائيل إلى حد بعيد ، سواء من حيث النشأة، التطور التاريخي أو بتفسيرات الدين وفق اساطيرهم .
هذا ينسحب أيضاً على المناهج السياسية الحاكمة بالولايات المتحدة ، في امريكا يوجد نسخ من تيارات مختلفة كما هو الحال في دولة الأحتلال .
وإن كان معظم هؤلاء جميعاً ينتمون لنفس الفكر الصهيوني، إلا أن لديهم رؤى مختلفة للطريقة الأفضل للحفاظ على المشروع الصهيوني وتمكينه ، والذي بات يتحول في نظر العالم الى مشروع ابرتهايد عنصري الى جانب مضمونه الإستعماري .

منذ انطلاقة المفاوضات فعلاً قبل اسبوع بغياب حماس بدأت واشنطن والمتعاونين معها يسربون الأخبار ، عن ان المفاوضات جادّة وبنّاءة وتجري في أجواء إيجابية ، قبل الإعلان عن أن "الفرق الفنية ستواصل المحادثات خلال الأيام المقبلة والعمل على تفاصيل التنفيذ، بما في ذلك الترتيبات لتنفيذ الجزئيات الإنسانية الشاملة للاتفاق، بالإضافة إلى الجزئيات المتعلقة بالرهائن والمحتجزين ...إلخ ".

من المؤكد أنهم سيمددونها الأسبوع القادم إلى أسبوع آخر ، وهكذا دواليك، من أجل تحقيق اكثر من هدف واحد في آن ، منع الإيرانيين وحلفائهم من الرد على ما تعرضوا له من استباحة لسيادة اراضيهم ، أو على الأقل تأجيل ذلك حتى تحقيق حشد أكبر عدد ممكن من الأساطيل والقوات الأطلسية في المنطقة ، ومحاولات تنفيس قوة الرد وفق معلومات استخباراتية كما حدث بالأيام الماضية قبل اطلاق صواريخ الكاتيوشا وبعض المسيرات رغم إصابتها بعض الاهداف العسكرية كما أعلنه حزب الله واعترفت به اسرائيل ، مما ايضا حقق الى حد ما احباط قوة الردع الاسرائيلية وتعميق الازمة الاسرائيلية القائمة والمتدحرجة .

وبالتالي فان الولايات المتحدة ومن خلال وجود رئيس آركان الجيوش الأمريكية في المنطقة ، تسعى الى عدم توسع الحرب عشية الانتخابات الأميركية ، ومنح نتنياهو أطول وقت ممكن لإكمال مذبحته وإنجاز ما لم يتمكن جيشه من إنجازه حتى الآن بتقديم كل مساعدة ممكنة له او حتى بشراكتة .
هي اللعبة الأميركية نفسها التي اتقنها ثعلب الدبلوماسية الأمريكية هنري كسينجر ، لم تتبدل أو تتغير قاعدة واحدة من قواعدها منذ سبعين عاماً حين دخلت واشنطن إلى عالم الصراع العربي – الإسرائيلي ، فيتم الأكتشاف في الحال من اي مهتم بالشأن السياسي ، إن لم يكن أعمى أو جاهلاً ، أنهم يكررون لعبة تمرير الوقت نفسها دون أي تغيير أو تعديل في أي من قواعدها، بينما يكون الإسرائيليون أنجزوا ما يريدون إنجازه وتحويل الإنجازات إلى أمر واقع على الأرض لا مجال لتغييره أو التراجع عنه الا في حال تحقيق مصالحهم ، حتى يصبح ما لنا لهم لوحدهم أو لنا ولهم في أحسن الأحوال .

وهنا لم يكن بإمكان الإيرانيين وحزب الله، من حيث المبدأ، وبغض النظر عن الخلاف او الإتفاق مع مواقفهم ، سوى التجاوب مع مبدأ المفاوضات وفي نفس الوقت استمرار عمليات الاستنزاف والمقاومة في جنوبي لبنان وايقاع الخسائر بالأحتلال في شتى القطاعات ، كي لا يتم اتهامهم في إحباط ونسف المفاوضات قبل انطلاقها، وبالتالي من اجل عدم اتهامهم بتفويت فرصة لوقف المذبحة التي يتعرض لها شعبنا .

التقدير بأن كل الجهات الأمريكية في كل الأوقات متفقون على نفس التكتيكات لإدارة الصراع ومن الموقف من حماية اسرائيل بجوهرها ودورها ، هو خطأ شائع ، كما هو ايضا خطأ شائع الاعتقاد بان هنالك تفاوتا كبيرا قائما بين الحزبين في الولايات المتحدة بشان حقوق شعبنا الوطنية .
قد يكون هنالك تفاوت بتكتيك الإدارة ، الا ان الهدف الاستراتيجي لهم هو واحد بغض النظر عن تبدل الرؤساء الذين لا يرسمون سياسات جوهرية لبلدهم او الحكومات الإسرائيلية التي قد يختلفون مع بعضها في هوامش السياسات لا في جوهرها بشان المنطقة .
الفارق الوحيد هو أن الجيل الشاب في أميركا ينزع للخلاص من هذه العقيدة، فيما يزداد الأرتباط المتطرف بها لدى الجيل الجديد في إسرائيل الذي يجنح نحو التطرف وممارسة الإرهاب بحق شعبنا وانكار وجوده .

لا يتعلق الأمر هنا فقط بالمواقف من قضية شعبنا الفلسطيني على مدار القرن الماضي من التاريخ ، لكن من معظم قضايا الشعوب التي تعاملت معها الإدارات الامريكية المتعاقبة وتنفيذ الجرائم بحقها منذ نهايات الحرب العالمية الثانية تحديدا .

لذا هنالك جهود أمريكية اسرائيلية من اجل ابقاء الوضع كما هو عليه من وضع قائم بوقائعه الجديدة الناشئة . فغزة لم يعد لديها ما تخسره بعد جعلها مكانا غير قابل للحياة بل قابل للأحتلال ، ولكن إسرائيل لديها أشياء كثيرة تخسرها وأول هذه الأشياء هي ازمة الفكر الصهيوني الذي يثبت فشله كل يوم ويتحول الى نظام ابارتهايد عنصري منبوذ من كل العالم ومن بعض يهود العالم أيضا ، اضافة الى تفاقم ازماتها المختلفة ، الى جانب هيبة أمريكا التي فقدتها بهذا الشكل لأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وهيمنتها الاخذه بالأفول .

فمن الآن إلى موعد انتخابات الرئاسة الامريكية ، لا مكان لأي وقف للنار حقيقي ودائم في غزّة ، بل مزيدا من التصعيد الإجرامي هنالك وبشراكة أمريكية وبحق مخيمات الضفة الغربية وباقي مناطقها بما فيها القدس وهي المساحة المفترضة لمملكة يهودا المزعومة التي يسعون لاقامتها وتنفيذ رؤيتهم فيها من خلال ما أعلنه الاحتلال اليوم من نيته القيام بحملة أمنية واسعة ، يبدو انه ابتدأها بمجزرة طولكرم امس .

في هذا الخصوص وفي حال لم نسعى الى التقيم لما جرى وما يجري ، ولم نرتقي الى مستوى الاحداث والمسوؤلية الوطنية العليا بكافة متطلباتها التي تحدثت عنها بمقالات سابقة ، فإني أجد نفسي متفقاً مع ما كتبه الصديق نبيل عمرو "ان ذلك سوف يوصلنا أن نقول لقد اُكلنا يوم تمكن المحتل من الاستفراد ببلدنا قطعة قطعة ، فلماذا لا نعيد المطالبة بكل قرارات الشرعية الدولية وعلى رأسها قرار ١٨١ " ، مضيفا : "انها فكرة برسم النقاش لعلنا نَخلص إلى آليات تُخلصنا من سرطان الأحتلال ".