الأحد: 15/09/2024 بتوقيت القدس الشريف

ولكنها السهل الممتنع - الضفة بلا انفاق ولا انهار ولا بحر ولا جبال شاهقة ولا غابات

نشر بتاريخ: 28/08/2024 ( آخر تحديث: 28/08/2024 الساعة: 10:19 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

في بداية السبعينيات من القرن الماضي كان الشيوعيون يرفضون فكرة الزعيم المؤسس ياسر عرفات اعلان الكفاح المسلح في الضفة الغربية . واذكر نقاشاتنا معهم وقناعاتهم حينها : الضفة بلا غابات مثل فيتنام ولا انهار مثل أوروبا ولا بحر مثل لبنان ولا صحراء مثل الأردن ولا جبال شاهقة مثل الجزائر . وبالتالي فان القيام بعمليات مسلحة سوف يدفع تلقائيا بالمقاتلين للاحتماء وسط المدن وهي ذريعة للاحتلال لقمع المدن وهدم المنازل وتدمير حياة الناس .

كنا نستغرب جرأتهم في النقاش واصرارهم على الامر . وفي العام 1973 طرح الشيوعيون اليهود فكرة التعايش وإقامة دولتين فغضبت الفصائل والتنظيمات منهم غضبا شديدا . ولكن كالعادة بعد عشرين عاما قامت "م ت ف" وتبنت أفكار الشيوعيين ووقعت أوسلو . بل ان اتفاقيات أوسلو هي بالضبط أفكار الحزب الشيوعي الإسرائيلي ( راكاح ) والتي طرحها في بداية السبعينيات .

حاولت جاهدا ان أقرأ تاريخ الضفة بشكل أوسع وأعمق . فوجدت انها كانت دائما من اهم الساحات وأخطرها , وهي الان من وجهة نظري أخطر ساحة من الساحات ، أخطر جيوسياسي وديموغرافي من طهران ومن بيروت ومن دمشق ومن غزة ومن الأردن ومن مصر ، ولكن لا احد يقدر قيمتها بشكل دقيق .

فإسرائيل تعتبرها لقمة سائغة ، وايران تعتبرها تحت سيطرة الأجهزة الأمنية للسلطة ، والسلطة تعتبرها " في الجيبة الصغيرة " لها ، وحماس تعتبرها " ضفة العياش " وفتح تعتبرها " قلعة أبو جهاد " والمستوطنين يعتبرونها جائزة ترضية . المسلمون يعتبرونها المسجد الأقصى والمسيحيون يعتبرونها كنيسة القيامة وكنيسة المهد ، والسامريين يعتبرونها نابلس وترامب يعتبرها ديانة افراهام ، والخليج العربي يعتبرها " لزوم ما لا يلزم " وجامعة الدول العربية تعتبرها " ملف " ... وهكذا .

في تاريخ الحكم التركي كانت الضفة هي الصولجان الديني . وفي زمن الانتداب البريطاني انطلقت الثورة من الخليل وجنين فكان قادة الثورات ينطلقون من الضفة في عملياتهم وعلى راسهم الشيخ السوري عز الدين القسام وابطال سجن عكا والقائد عبد القادر الحسيني وأبو جلدة وعبد الرحيم محمود وفوزي القاوقجي ..

فترة الحكم الأردني بين 1948 – 1967 اعتمدت الأردن مبدأ ذكيا حين أعطت سكان الضفة الغربية حق المواطنة الكاملة مثل سكان الضفة الشرقية للنهر وجعلت من رموز الضفة أعضاء برلمان اردني وأعضاء مجلس اعيان وساوتهم في الحقوق مع الأردنيين .

مع دخول الاحتلال الإسرائيلي للضفة واستنادا الى كتاب " العصا والجزرة " للكاتب الاستخباري شلومو غازيت ومذكراته حول أفكار موشيه ديان عن الضفة وانه اقترح على غولدا مئير ان تعيدها فورا للاردن . ولذلك فان إسرائيل اعتمدت لمدة عشرين عاما عدم استفزاز سكان الضفة وتبريد الأوضاع بين 1967 – 1987 أي لحين اندلاع الانتفاضة الأولى التي يعجز المؤرخون حتى اليوم عن معرفة سبب اندلاعها فجأة .

وحين أقيمت السلطة الوطنية في العام 1995 اعتمد أبو عمار سياسة " اهل البلد " فحافظ على هذا التوزان الخطير وابقى على نفوذ العائلات والعشائر والرموز الوطنية .وقام بتفريغ نشطاء ومسلحي العائلات في الأجهزة الأمنية ( استوعبهم وحقق هدوءا كاملا تقريبا ).

اما اليوم . فالجميع يتعامل مع الضفة بشكل ارتجالي وعشوائي . الأعداء والأصدقاء ذاهبون في قراءة الضفة الغربية بشكل خاطئ وكل طرف يعتقد انها جائزة مضمونة يمكن ان يضعها في جيبه بكل سهولة وهذا خطأ استراتيجي كبير .

الضفة الغربية ليست مجرد ستة الاف كم مربع ، ولا مساحة من التلال والمساجد والكنائس والبحر الميت . بل ان الضفة الغربية هي اكبر تجمع ديموغرافي فلسطيني على وجه الأرض . هي الانسان الفلسطيني .

قال لي ذات يوم قائد تنظيم الجهاد الإسلامي الدكتور رمضان شلح : الضفة الغربية هي باروميتر النجاح او الفشل لكل تنظيم ولكل طرف سياسي .

انا قلت وأقول ، كتبت وأكتب بلا تردد . ان النجاح ليس في قمع سكان الضفة وافقارهم من خلال قيادات فاسدة ، ولا في تسليح الضفة ولا في اغراق المخيمات بالسلاح والرصاص . وانما نجاح أي نظام سياسي " أي نظام سياسي منتخب " في تعزيز المواطنة لأهل الضفة .

فما قيمة الضفة اذا هاجر اهل الضفة !!

وما قيمة القدس اذا جرى ابادة المقدسيين !!

وما عظمة غزة من دون اهل غزة !!