الكاتب:
مريم أبو بكر -جامعة النجاح الوطنية
يتجاوز عباس مجاهد في روايته الموسومة بـــ العنود "الحب في زمن الكورونا" أبعاد مكونات الرواية إلى رسم المشهد الإنساني وفق مضمونها, ويتخذ من مدينة القدس معادلا موضوعيا للقضية الفلسطينية بمجملها, فكل الوطن المسلوب حريته يعاني, ولا يكتفي الروائي بإبراز العلاقات الوجدانية بين شخصيات العمل الروائي والمدينة, بل يلجأ إلى إبراز معالم العمارة فيها, ويضع مدينة القدس تحت عدسة المجهر ليبرز معالم حاراتها وشوارعها وأسواقها ومبانيها ومساجدها ومستشفياتها ومراكزها المتنوعة, ويصفها وصفا دقيقا.
يستهل المؤلف أحداث روايته بقرع الجرس في رحاب "مدرسة القدس الثانوية" معلنا الصحوة على حجم المخاطر التي تهدد المجتمع الفلسطيني بكله ومدينة القدس بشكل خاص بفضل وجود الاحتلال الظالم على أرضه, وانتشار وباء كورونا الذي هدد حياة البشرية جمعاء.
ويصور عباس مجاهد تناقضات مشاعر "العنود", وحيدة والديها, إثر حصولها على أعلى الدرجات في الشهادة المدرسية الذي تزامن واستشهاد والدها, بينما أحبها باسم طالب الطب في السنة الثالثة في جامعة القدس وعند ذهابها في رحلة مدرسية للتعرف عليه تفاجأت بدخوله في غيبوبة إثر حادث سير مؤسف, أما تفوقها في الثانوية العامة وقد تزامن مع وفاة أمها الذي ترك بصمة حزن عميقة في وجدانها, فاختارت السفر إلى إيطاليا لدراسة الطب في جامعة ميلانو بمنحة من سيادة الرئيس محمود عباس نزولا عند طلبها.
وتتنامى الأحداث وفق مضمون الرواية بحسب المنظومة المجتمعية التي أفرزت أفراده في ظل احتلال لا يعترف بوجود الفلسطيني على أرضه, ولا يترك مجالا للمقيمين على أرض القدس الشرقية من الفلسطينيين بمعرفة أعداد المصابين منهم بفيروس كورونا لأسباب تبدو سياسية, وتعود العنود إلى أرض الوطن متبعة إجراءات السلامة عبر المطارات والمعابر الدولية متطوعة لخدمة المصابين بفيروس كورونا في وطنها.
ويسهب عباس مجاهد في رواية تفاصيل عن كثرة الخُطاب والمعجبين بالعنود, مع أنها وهبت قلبها ووجهت بوصلة إحساسها لباسم طالب الطب الذي احتفظ بمنديلها وشهادتها المدرسية كأمانة معه سلمها إياها وبعضا من خطابه البهي في رسالة, وخاطرة.
عكست رواية العنود "الحب في زمن الكورونا" الزخم الثقافي للمؤلف؛ إذ عمد إلى رصد أحداث تاريخية قامت على أرض مدينة القدس, ورسم خارطة جغرافية لحاراتها وشوارعها وأسواقها ومحالها التجارية ومساجدها تحيل المتلقي التجوال في المكان كأنه من قاطنيها, وختم الرواية برائحة زيت الزيتون والزعتر والمناقيش الفلسطينية والخبز المتبل فطورا للعروسين, مباركا لهما زواجهما في زمن الكورونا.