الكاتب: الصحافي حسن عبد الجواد
ويبني دولة يهودا والسامرة ويصادر صلاحيات الجيش والأجهزة الامنية
لعل أكثر ما يميز حرب الإبادة الطويلة، التي أعلنتها حكومة الاحتلال على الشعب الفلسطيني، قدرة نتنياهو "الدكتاتور" على اتخاذ القرارات وتمريرها، في كل ما يتعلق بتطورات وتكتيكات الحرب، وفرضها على حكومته، وحتى على المعارضة الإسرائيلية والشارع الإسرائيلي، خدمة لمصالحه واجنداته، رغم ما نراه من احتجاجات ومعارضات لسياسته هنا وهناك.
فقد نجح نتنياهو الذي يخوض "حربا عالمية ثالثة" على قطاع غزة على حد زعمه، ببيع الوهم وشراء الوقت، ونحن على ابواب مرور عام على حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، في فرض ما يريد، وفي القفز وتجاوز كل الصعوبات والعراقيل الداخلية، والإقليمية والدولية، وحتى مع الولايات المتحدة اشد الحلفاء الاستراتيجيين لوجود إسرائيل على مدى عقود، مستخدما كل أساليب الخداع والتضليل والتضخيم والكذب والارهاب والابتزاز مع الجميع، لحماية نفسه من مصير المقصلة السياسية والقضائية التي تنتظره في نهاية المطاف، كما يحلم معارضوه في اسرائيل وخارجها.
وبهذا المعني، فان نتنياهو الخائف على مصيره، يخوض حربين، حرب الإبادة الجماعية التي أعلنها بعد 7 أكتوبر الماضي ضد شعبنا في قطاع غزة، وحرب مع كل معارضيه، كرئيس للوزراء لا يملك سوى استراتيجية خيار الحرب، وصولا لحسم معركته القضائية والسياسية والحزبية التي تتعلق بمصيره، وهو الذي أعلن عن نفسه ملكا لليهود بالمفهوم الديني والتاريخي.
ان سيكولوجية التفكير لدى نتنياهو لا تستند الى الثقة بحلفاءه من احزاب الصهيونية الدينية والحريديم وغيرهم من الائتلاف الحكومي، كما لا تعتمد على تقديرات الأجهزة الأمنية بدءا من وزير الدفاع غالانت ومرورا برئيس الأركان هاليفي، وصولا لرئيسي الموساد والشاباك، وكذلك إدارة بايدن التي يبتزها، وهي على أبواب الانتخابات للحصول على مزيد من الاسلحة والأموال والدعم السياسي، وتبرير استمرار العدوان وحرب الإبادة على الشعب الفلسطيني.
فلقد انتهى الزمن لدى نتنياهو، الذي كان يعتمد فيه على معايير وتقييمات وتوصيات وتقديرات الجيش والأجهزة الأمنية، كما تفعل معظم الحكومات في الدول المتطورة في العالم، فقد قرر دون رجعة مصادرة صلاحياتها، وهي التي تعتبر نفسها الأكثر تطورا وعصرية في المنطقة، وربما في العالم، واستطاع ان يوظف هذه الصلاحيات لحساب مواقفه وعلاقاته ومصالحه مع ائتلافه الحكومي، وخاصة مع بن غفير وسموتريش، وذلك من خلال الاستجابة لمطالبهم ومواقفهم واجنداتهم، بإعطائهم مساحات واسعة لإنجاز مشروعهم الاستيطاني، وتحقيق أهدافهم في الضفة والقدس.
وما المفارقات في المواقف التي تشهدها الساحة الحزبية في الكيان، والمجلس الوزاري الامني المصغر على وجه التحديد، سوى انعكاس حقيقي لصراع الارادات والمصالح بين نتنياهو وائتلافه الحكومي من جهة، والأجهزة الأمنية الإسرائيلية من جهة أخرى، التي بدأت التمهيد منذ ثلاثة شهور واجتياح رفح، بان بنك أهداف قوات الاحتلال شارف على الانتهاء، الا ان فيتو نتنياهو "السياسي والامني" باعتباره رئيسا للوزراء، كان على الدوام يفرض على الأجهزة الأمنية العودة لمهمات المربع الأول للحرب، وتجاوز كل الاعتبارات التي يطرحها الوسطاء الاقليميون والدوليون، والمتعلقة بوقف الحرب وصفقة التبادل، والانسحاب من محوري فيلادلفيا ونتساريم ورفح.
ان مواقف وسياسة نتنياهو وائتلافه الحاكم تفتح افاقا واسعة وتشق طريقا واضحا لحلفائه "بن غفير وسموتريش"، نحو الإعلان عن دولة المستوطنين "يهودا والسامرة" في الضفة الغربية، بهدف القضاء على الوجود السياسي الفلسطيني، ووضع نهاية للمشروع الوطني السيادي الفلسطيني "الدولة الفلسطينية المستقلة"، وهو ما يعني تجديد لصراع وجودي بين الشعب الفلسطيني، يعيد الأمور الى بداياته، مع حكومة نتنياهو ودولة المستوطنين من جهة أخرى.
وفي هذه الحالة سيعمل قادة المستوطنين على فرض مشروعهم الديني الاستراتيجي كبديل للنظام "الديمقراطي" على الخارطة الحزبية الإسرائيلية بيمينها ومعارضيها، ومحاولة قيادة المرحلة الجديدة، فيما سيقف العالم بتحولاته الجديدة، التي تعصف في كل مكان، امام أسئلة كبيرة واستحقاقات ومعادلة جديدة، للتعامل مع خارطة التناقضات والصراعات الجديدة في إسرائيل.