الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

القضية المركزية تحتاج إلى استراتيجية حقيقية

نشر بتاريخ: 03/09/2024 ( آخر تحديث: 03/09/2024 الساعة: 15:14 )

الكاتب: ‏نادين روز علي


لم تضع الحرب في غزة أوزارها بعد، لكن، ما هو مؤكد أن ما بعد السابع من أكتوبر ليس كما قبله.
ورغم أن المعاناة التي عاشها القطاع وسكانه خلال الأشهر العشر فاقت التوقعات وتجاوزت حدود الإحتمال والطاقة البشرية، ورغم أن وسائل الإعلام تنقل ما يحدث مباشرة في غزة، إلا أن الذين يدعون بأن فلسطين قضيتهم المركزية عاشوا الأشهر الماضية في غيبوبة فعلية وصحوة كلامية.
إن المأساة الحقيقة هي أن الذين يصدرون الكلمات النارية إتجاه ما يحدث في القطاع هم أنفسهم أكثر الذين ألقوا في آذانهم الصمم وحركوا لغة الشفاه دون أن يحركوا الايادي والاقدام بحثا عن حلول لقضيتهم المركزية.
وإن الرؤية السياسية لغياب الفعل العربي الحقيقي على الأرض بعيدا عن الشعارات هو غياب الإرادة السياسية لدى العرب وسلبها من الاستعمار الجديد.
والإرادة السياسية في اتخاذ موقف حازم إتجاه ما يحدث في القطاع لا يعني الصوت والتلويح والتهديد وإنما في اتخاذ قرارات فعلية على الأرض تبدأ من تهديد الإحتلال بقطع العلاقات من قبل الدول العربية التي تقيم علاقات كامله معه، وليس انتهاء في العمل الدبلوماسي في كل المحافل الدولية لإيجاد ضغط دولي حقيقي على إسرائيل كي توقف المجازر وتحد من عدد القتلى الفلسطينيين الذي تجاوز الأربعين ألفا، عدا عن أعداد المفقودين تحت الإنقاذ.
فَما يغيب عن أذهان المتنطعين بإسم فلسطين والداعين إلى دعمها قولا وليس فعلا أن الصراع مع الإحتلال الإسرائيلي يحتاج الى المعركة الدولية والدبلوماسية بالإضافة الى المعركة على الأرض.
لا يكفي أن يخرج الرئيس الجزائري- رغم الدور الجزائري الداعم للقضية الفلسطينية- ليقول إفتحوا لنا الحدود لكي نمرر جيشنا الى قطاع غزة.
لكن ما تحتاجه غزة هو أن يخلق صراعا في كل المؤسسات الدولية قائما على استراتيجية واحدة عنوانها "عزل إسرائيل سياسيا ودبلوماسيا."
ولا يكفي أن يخرج الرئيس التركي- رغم أهمية تركيا سياسيا– بأنه قد يتحرك كما تحرك في ليبيا من أجل مواجهة إسرائيل.
بالإضافة الى ذلك، يجب أن تتضافر الجهود العربية والإسلامية للوصول إلى استراتجية للتعامل مع إسرائيل في كل المحافل والمؤسسات والمنظمات. حيث أن التزام العرب والمسلمين اتجاه القضية المركزية يبنى أولا على عقد اجتماعات طارئة لجامعة الدول العربية وأيضا لمنظمة التعاون الإسلامي وذلك من أجل وضع الخطط للوصول الى الاستراتيجية السابقة وهي عزل إسرائيل حال رفضت أن توقف الحرب وتنسحب من القطاع.
إن ما تملكه الدول العربية والإسلامية من علاقات مع الدول الأخرى وتحديدا الولايات المتحدة، تمكنها اليوم من أن تضغط عليها لكي تقف في وجه إسرائيل.
وهنا تاتي لغة المصالح. ولأن الدول عبيد لمصالحها ولأن المصالح هي اللغة التي يفهمها العالم في زمن تصارع القوى، ومن أجل أن تكون صاحب قرار أنت بحاجة في هذا العالم لأن تعيد تحديد المصالح وتكوين تحالفات جديدة قائمة على المقايضة في كل الأمور.
ومن هنا الإنطلاقه بأن هذه الدول العربية والإسلامية التي ترفع شعارات جوفاء عليها أن تفهم كيف تعمل الأمم وتتحرك بناءا على مصالحها، وكيف تتحول هذه الدول الى دول وازنة قادرة على أن تفرض ما تريد على الإرادة الدولية. إذ أن مواجهة إسرائيل بحرب شاملة مدمرة مقابل ما يحدث في قطاع غزة أمرا غير وارد، وغالبية الدول العربية والإسلامية لا يمكن أن تذهب إلى هذا الخيار. وحتى الدول التي تحمل شعار المقاومة والممانعة هي أيضا لا تبحث عن حرب إقليمية أو عالمية، وهي تعرف أن إسرائيل تملك العلاقات والمصالح مع الدول الوازنة ما يجعل هذه الدول تقف سدا منيعا أمام من يفكر بشن حرب على إسرائيل.
لكن بالمقابل هذه الدول إن وجدت مصالحها مع التحالف العربي الإسلامي وفهمت الأوزان التي يشكلها هذا التحالف ستتحول من السد المنيع الحامي لإسرائيل الى قوة ضاغطة على إسرائيل كي تنفذ وتطبق قرارات الشرعية الدولية، وكي توقف الهجوم على قطاع غزة وتعيد الحقوق للشعب الفلسطيني.
بدون هذه الاستراتيجية العربية فإن الحديث عن القضية الفلسطينية كقضية استراتيجية ومركزية للأمتين العربية والإسلامية ليس الا حديث في الهواء، والأصوات التي تنادي بتحرير فلسطين ليست سوا ظواهر صوتيه ليس لها أي وزن.