الكاتب: جريس ثلجية
مرحبًا بكم في الديمقراطية الأولى في الشرق الأوسط: الكيان الصهيوني.
في صباحٍ هادئ، حيث الضباب يمتزج بالحقيقة، استيقظنا نحن الفلسطينيين على نبأ جديد: إغلاق مكتب قناة الجزيرة في فلسطين. وكأنَّ الاحتلال الصهيوني قرر أن يضيف "عطاءً" جديدًا إلى قائمة عطاياه التي لا تنتهي. لقد غرسنا الزيتون في أرضنا وصبرنا على حصاده، وها هو اليوم يحاول إسكات أصواتنا، ليغمر فضاءنا الإعلامي بصمتٍ مُطبق.
باسم "الديمقراطية الأولى في الشرق الأوسط"، حيث حرية التعبير لم تعد تعني إلا أن تقول ما يتماشى مع مصالح الاحتلال. أهلاً بكم في عالم تُغلق فيه مكاتب الإعلام وتُكمم فيه الأفواه، حيث يعيد الاحتلال تعريف حقوق الإنسان بقوله: "تحدث كما نشاء، أو لا تتحدث على الإطلاق."
ومع هذه الخطوة، تخطر في أذهاننا مشاهد لمسرحيةٍ عبثية، بطلها دائمًا هو الاحتلال الذي يتفاخر بحرية التعبير وحقوق الإنسان. لكن هذه "الديمقراطية العجيبة" تكشف لنا عن نفاقٍ إعلاميٍ سافر؛ يُسمح لك بالكلام، شريطة أن تكون كلماتك هامسة، لا تُزعج أولئك الجالسين على كراسي القرار. أما إن فكرت في انتقاد "الديمقراطية الوحيدة" للاحتلال، فمكانك الحتمي هو المنفى.
ربما نحن بحاجة لإعادة تعريف المصطلحات. "حرية التعبير" أصبحت مرادفًا لـ"حرية الإغلاق". الجزيرة، التي طالما التزمت بنقل الحقيقة، باتت محطةً أخرى على طريق التضييق الإعلامي الذي يسير عليه الاحتلال بخطىً ثابتة. إنها "ديمقراطية من نوع آخر"، حيث لا تُغلق الأبواب فقط، بل تُغلق العقول، وتُقصى الأصوات الحقيقية من الساحة الإعلامية، وكأنها لم توجد قط.
في هذا النظام، إما أن تكون مع الاحتلال، أو أنك ببساطة غير موجود.
وفي عالمٍ مليء بالسخرية، لا نستبعد أن نرى الاحتلال يومًا ما يتلقى جائزة "حرية الصحافة"، تكريمًا لجهوده في قمع الحريات. ربما يُعتبر إغلاق مكاتب الجزيرة خطوةً رائدة نحو تحقيق "السلام الإعلامي"، ذاك السلام الذي لا يحتاج إلى تقارير مزعجة تكشف الحقائق.
لكننا نحن الفلسطينيين، تعلمنا درسًا مختلفًا من هذه "الديمقراطية". كلما أغلقوا بابًا، فتحنا نافذة. وكلما أسكتوا صوتًا، ظهرت أصواتٌ أعلى وأكثر تأثيرًا. فالإعلام ليس مكتبًا، والصوت ليس ميكروفونًا، والحقيقة لا تُدفن تحت ركام الأوامر التعسفية.
مرحبًا بكم في "ديمقراطية الصمت".