الكاتب: جمال زقوت
حرب الابادة التي يقودها نتانياهو ضد شعبنا في قطاع غزة، والمستمرة منذ ما يقارب العام، دون أن ينجح حتى اللحظة في كسر المقاومة الفلسطينية، رغم ما ألحقه بالقطاع وأهله من دمار شامل في أكبر جريمة إبادة يسجلها العصر الحديث قياساً بمساحة القطاع وعدد سكانه. فنتانياهو، الذي يسابق الزمن لحسم الصراع بتصفية القضية الفلسطينية، أو على الأقل التمهيد لذلك في ولايته الراهنة، يوسع دائرة حربه لضم الضفة الغربية واستكمال تهويد القدس، مستهدفاً مخيمات الضفة، سعياً منه لتصفية قضية اللاجئين بتدمير مخيماتها واعادة تهجير سكانها، سيما بعد أن تمكن من ابادة مخيمات القطاع التي شكلت منذ النكبة خزان الثورة وعنوان الانتفاضات الشعبية التي لم تتوقف .
إسرائيل الصهيونية التي طالما اعتبرت مجرد بقاء الفلسطيني على أرضه تهديداً وجودياً لها، جربت منذ النكبة كل أنواع الحروب ضد الشعب الفلسطيني وثورته وانتفاضاته، إلا أنها فشلت دوماً في كسر ارادة الحرية والكرامة، واستعداد الشعب الفلسطيني للتضحية في مقاومة المشروع الصهيوني، ومع ذلك يتوهم نتانياهو أن بإمكانه اجتثاث وجوده عن أرض وطنه. ويبدو أن المؤسستين العسكرية والأمنية في إسرائيل اللتين خبرتا معدن الشعب الفلسطيني، ومدى تشبثه بأرضه، أدركتا مبكراً عبثية الاستراتيجية التي يسعى نتانياهو لتنفيذها، ولعل هنا يكمن جوهر التباين الذي يظهر على السطح أحيانا ويعود للظل،دون أن يتلاشى، أحياناً أخرى بين المؤسستين السياسة والعسكرية.
نتانياهو الهارب من فضائحه وفشله، وأخطرها فشل السابع من أكتوبر، الذي أطاح بأسطورة الجيش الذي لا يُقهر، ومسؤوليته الأولى عن هذا الفشل بأبعاده السياسية والاستراتيجية، لم يعد بإمكانه التراجع للخلف، سيما أنه كما يبدو ما زال يعيش في أوهامه المتهاوية بإمكانية استثمار طبيعة اللحظة العربية والاقليمية لدحر القضية الفلسطينية تمهيداً لتصفيتها . وفي هذا السياق نجده يلقى بكل أوراقه، مستخدماً ترسانة الأسلحه الأمريكية، التي لم تنقطع عنه لحظة منذ السابع من أكتوبر، الأمر الذي يؤكد تورط واشنطن وانجرارها خلف مغامرة نتانياهو، وهو ما يكشف أسباب إفشال كل جهود ما يُسمى بالوساطة لوقف "إطلاق النار"، والتي وصلت لطريق مسدود بفعل تمترس نتانياهو، واصراره على استكمال جرائم الابادة في غزة، وأوهام كسر مقاومتها. ذلك تمهيداً لتنفيذ مخططات الضم والتهجير في الضفة، دون أن تحرك واشنطن ساكناً.
فشل واشنطن الناجم عن انحيازها، بل وشراكتها في حرب الابادة القذرة، هو ما شجع ويشجع نتانياهو على المضي بخياراته العسكرية، مستميتاً لتنفيذ مخططاته السياسية. وفي هذا الاطار يأتي تصعيد الحرب الاسرائيلية ضد لبنان؛ في محاولة مكشوفة لتهميش فشله في الحرب ضد قطاع غزة والشعب الفلسطيني، ومحاولة منه لطي المكانة التي بدأت تتبوؤها عدالة القضية الفلسطينية على صعيد الرأي العام الدولي، وبما يشمل فضح الرواية الصهيونية، وطبيعتها العنصرية الفاشية، التي وقفت خلف نشأة إسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية، مواصلاً، أي نتانياهو، محاولات التوريط المباشر لواشنطن في حرب اقليمية لا تريدها، سيما في لحظة الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تضع مستقبل الديمقراطيين في البيت الأبيض أمام لحظة خطرة، وذلك في ظل انكشاف دور ادارة بايدن العاجزة، ومدى تورطها في حرب الابادة على شعبنا في قطاع غزة.
لقد أظهر الأمين العام لحزب الله حكمة سياسية، رغم فداحة الخسارة التي تلقاها الحزب في الأسبوع الماضي، عندما أكد أن عنوان الصراع الراهن يتمثل في وقف الحرب على غزة، معلناً استمرار اسناد قوى المقاومة لجبهة غزة والضفة المحتلتين، وأنه لا يريد الانجرار لحرب شاملة دون أن يعنى ذلك انكساره أمام أهداف نتانياهو، وفي مقدمتها الاستفراد بالشعب الفلسطيني لتصفية قضيته، الأمر الذي سيعني في حال نجاحه، اسقاط المنطقة برمتها، وفي مقدمتها المقاومة اللبنانية .
السؤال الأول، وأمام تغيير قواعد اللعبة وطبيعة الاشتباك على جبهة الشمال، هل فعلاً تسعى واشنطن إلى لجم نتانياهو من جرها لحرب اقليمية، أم أن ديناميكية استمرار الانجرار خلف نتانياهو ستكون سيدة الموقف؟ فالمقاومة اللبنانية، ومعها المقاومة اليمنية والعراقية، تؤكد أن وقف الحرب على غزة هو مفتاح منع الانجرار لمزيد من التصعيد، والغاء خطر التدحرج نحو حرب اقليمية . وعليه فإن السؤال الأهم لماذا لم تنجح واشنطن في التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة؟ يبدو أن الجناح الصهيوني في واشنطن يدرك أن فشل نتانياهو في الحرب على قطاع غزة، سيعني بالضرورة فشل أي خيار عسكرى لكسر الشعب الفلسطيني ومدى تمسكه بحقوقه الوطنية، وفي مقدمتها حق تقرير المصير الذي بات محل اجماع كوني، باستثناء التيار الصهيوني المهيمن على ادارة واشنطن الذي ما زال يقف خلف المشروع الصهيوني الذي تقوده حكومة نتانياهو في هذه المرحلة.
الأيام والأسابيع القادمة تحمل في طياتها بعض الاجابة على تطورات الصراع الدائر على المنطقة برمتها، سيما مستقبل القضية الفلسطينية التي تظل في عين العاصفة، وعلى مفترق طرق، بين ما يسعى إليه نتانياهو لتصفيتها، و بين أحرار العالم الذين بدأوا يرون العدالة في فلسطين مفتاحاً لانتصار العدالة الكونية . فهل تدرك "القيادة الفلسطينية" موقعها في هذا الصراع الكوني وتنحاز لشعبها وحاجته للوحدة واستنهاض كامل طاقاته لافشال نتانياهو، والعبور بنجاح نحو الحرية وتقرير المصير ؟!