السبت: 21/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

فلسطين ولبنان.. القصة تعود لقرون خلت وليست لحظات مضت

نشر بتاريخ: 03/10/2024 ( آخر تحديث: 03/10/2024 الساعة: 21:27 )

الكاتب: عواد الجعفري

عندما تسمع تصريحات المسؤولين الأميركيين عن الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان تصل إلى خلاصة: هؤلاء منفصلون عن الواقع.

خذوا عينة من هذه التصريحات؟

نعمل على وقف إطلاق نار مؤقت. الحرب الشاملة ليست الحل. نعمل جاهدين لمنع التصعيد. أفضل طريق لعودة المحتجزين الإسرائيليين في غزة هو التفاوض. لم نشارك في هجمات إسرائيل ولم نعلم بها.

إذن لماذا استمرت إسرائيل في عدوانها على غزة ومن ثم على لبنان؟

التصريحات الأمريكية في واد وسياساتها على أرض الواقع في واد آخر. إنها تطبق ببساطة مبدأ المعلن والمخفي في السياسة. يخرج المتحدثون الدبلوماسيون الأميركيون في مؤتمرات صحفية ويؤكدون أهمية الحل السياسي. المسؤولون عنها لا يصنعون شيئا.

على أرض الواقع، خذ هذا الرقم: أميركا أرسلت 230 طائرة و20 سفينة أسلحة لإسرائيل خلال شهرين فقط في الحرب على غزة. المصدر: صحيفة يديعوت آحرونوت.

كيف تعمل الولايات المتحدة على التوسط مع قطر ومصر بين حماس وإسرائيل وفي الوقت نفسه تذكي نار الحرب التي تقتل النساء والأطفال في غزة ولبنان بالقنابل؟

إن هذا السؤال يدفع بالتبعية إلى سؤال آخر عن العلاقة بين أميركا وإسرائيل؟ هناك وجهات نظر عديدة تساهم في تفسير السؤال الأخير وتوضيح الرؤية بشأن قضية فلسطين والحرب على لبنان وغزة، وسط غبار الدعاية والترهات التي تحجب الجوهر عن العيون.

كتب المفكر الفلسطيني الراحل، سلامة كيلة، في كتابه "الأبعاد المستقبلية: المشروع الصهيوني والمسألة الفلسطينية" إن الولايات المتحدة تريد الكيان الصهيوني أداة ضد النهوض العربي وضد الوحدة القومية، وبالتالي فإن الحديث عن خيار السلام حديثا حالما.

"نحن بحاجة لربط تاريخي" يقول كيلة، ويتساءل: لماذا تأسس الكيان الصهيوني؟ الإجابة كانت: إنه لم يكن حلا لمشكلة إنسانية تتعلق بآلاف اليهود الذين كانوا يعانون الاضطهاد في أوروبا ولا قضية إعادة أمة مشردة إلى أرضها. لقد وظّف الغرب الأمرين لتبرير قيام الكيان، مع التأكيد أن المسألة اليهودية تخص الغرب. الرجل الأبيض هو الذي اضطهد اليهود وخلق تلك الأزمة. اليهود كانوا يعيشون بسلام في الدول العربية.

البعض يظن أن إرهاصات المشروع الصهيوني كانت في وعد بلفور عام 1917. في الحقيقة الفكرة تسبق ذلك بكثير. إن فكرة إنشاء كيان غريب في قلب الوطن العربي عمرها قرون. طرحها قادة الدول الاستعمارية الغربية من نابليون إلى بمسارك إلى بالمرتسون. دعا نابليون اليهود لمساعدته في حملته الاستعمارية في فلسطين مقابل منحهم وطنا فيها، وهنا أقتبس رسالته إلى اليهود في القرن الثامن عشر، التي نشرها مركز الأبحاث الفلسطيني: "يا ورثة فلسطين الشرعيين... إن الأمة الفرنسية لا تتاجر بالرجال والأوطان كما فعل غيرها، تدعوكم إلى إرثكم بضمانها وتأييدها ضد كل الدخلاء". إن تلك الحملة كانت بمنزلة اهتمام غربي متجدد بفلسطين والمنطقة العربية، ودعوة اليهود ليست سوى وسيلة لتحقيق هذا الهدف.

طبعا، حلمة نابليون فشلت على أسوار عكا. يقول وزير خارجية إسرائيل الأسبق، شلومو بن عامي إن نابليون كان على وشك إعلان دولة يهودية في فلسطين. الغاية من إقامة الدولة حينها ليست حل مشكلة اليهود بقدر تحقيق مصالح نابليون الاستعمارية.

لن نخوض في التاريخ أكثر، لكن الفكرة واضحة: إسرائيل مشروع الغرب في الشرق. قالها ذات يوم وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، أبا إيبان: "نحن نعيش في الشرق الأوسط لكنا لسنا جزءاً منه".

يقول كتاب "فلسطين والسياسة الأميركية" الذي اشترك في تأليفه عدد من الباحثين أن سياسة الولايات المتحدة تجاه الشعب الفلسطيني منذ عقود تسير على مبادئ منها: لا حق لهم في تقرير المصير، ولا دولة مستقلة، ولا حق عودة، ولا يجب أن تهزم إسرائيل تحت أي ظرف. من أجل إسرائيل التي لم تولد بعد، كسر الرئيس الأميركي وودرو ولسون مبدأه في حق تقرير المصير للشعوب في فلسطين.

البعض يرد سياسة أميركا التي تتبنى إسرائيل إلى اللوبي المؤيدة للأخيرة في واشنطن، لكن هذا يحمل جانبا من التفسير، غير أنه ليس كاملا.

الكتاب يقول إن السياسة الأميركية كانت في معظمها معادية للعرب والمسلمين ومعادية لدول العالم الثالث وحركات التحرر، وإذا كانت إسرائيل على الطرف النقيض من هؤلاء فأكيد أن أميركا ستكون معها.

إن إسرائيل أداة أميركية في هيمنتها على الشرق الأوسط، وهذا صحيح إلى حد كبير، في وجهة نظري. لقد كانت إسرائيل وسيلة مهمة في وقف التغلغل السوفيتي في مرحلة من المراحل وكانت أداة مهمة للتصدي للقومية العربية في مرحلة أخرى، لكن كل ذلك انتهى، كما انتهى تهديد الدول الكبيرة في المنطقة، وعرض الفلسطينيون ومن خلفهم العرب التنازل تلو الآخر، فلماذا لم يحل السلام؟

إن الأمر يتصل بطبيعة جوهر دولة الاحتلال، فهي نشأت بقرار خارجي عكس إرادة السكان الأصليين، وهو أي الإسرائيليين ينظرون إلى العرب باعتبار أن الصراع أساس العلاقة مهم.

لا يقول نتنياهو أشياء ذات قيمة في تصريحاته، لكنه قال شيئا لافتا قبل أيام إن "إسرائيل محاطة بدول تريد تدميرها". المقصود هو غير الظاهر، على الأغلب، وهو "أننا كيان غريب عن هذه المنطقة وسنظل في حالة حرب معها".