الأربعاء: 16/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

النيكروبوليتيكس والأهداف الجيوسياسية- أداة الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية في الشرق الأوسط الآن

نشر بتاريخ: 13/10/2024 ( آخر تحديث: 13/10/2024 الساعة: 09:16 )

الكاتب: مروان أميل طوباسي




تعد النيكروبوليتيكس ، أو "سياسة الموت"، أداة أساسية في تنفيذ الأجندات الجيوسياسية للولايات المتحدة وإسرائيل في الشرق الأوسط. هذا المفهوم الذي صاغه الفيلسوف أشيل مبيمبي من الكاميرون ، هو مصطلح يجمع بين كلمتي "نيكروس"(الموت)و "بوليتيكس"
(السياسة) ويعني "سياسة الموت" ، وهي كلمات مشتقة اساسا من اللغة اليونانية ، ويشار بها إلى الطريقة التي تمارس فيها السلطات السياسية السلطة عبر السيطرة على حياة الأفراد والمجتمعات وتقرير من يعيش ومن يموت لتحقيق السيطرة ، بما يهدف لمصالح استراتيجية أوسع .

في حالتنا بمنطقة المشرق العربي الذي اطلق عليه الأمريكان مصطلح الشرق الأوسط ، يبدو أن النيكروبوليتيكس تلعب دورا حاسما في تعزيز الهيمنة الصهيونية الإسرائيلية والأمريكية والحفاظ على قدرة تفوق ردعهم التي قد تصبح مهددة بفعل عوامل ومتغيرات جديدة . وذلك من خلال زعزعة استقرار المجتمعات الفلسطينية والعربية وتدمير قدرتها على مقاومة مشاريعها والتي ابتدأت بالفوضى المنظمة من خلال ما سمي الربيع العربي ومن ثم التواجد العسكري .

-- ارتباطها برؤية نتنياهو والصهيونية .
ان العقيدة التي يروج لها نتنياهو والتي تتفق مع العقيدة المسيحية الصهيونية حول حرب هارماجدون بين ما يسميه الخير والشر بالعالم ، تربط بين المفاهيم الدينية والسياسية، وتستغل منهج النيكروبوليتيكس لإدارة الصراع في الشرق الأوسط . فمن خلال هذه الرؤية، يُعتبر الصراع الدائر جزءًا من تحقيق نبوءة دينية ، ويتم استخدام القتل والعنف كأدوات لتحقيق هذا الهدف، مما يربط بين العقيدة المسيانية التوراتية والنيكروبوليتيكس بشكل واضح.

-- غزة ، مختبر لسياسة الموت.
تُعد غزة مثالاً حيا على تطبيق النيكروبوليتيكس من قبل الأحتلال الاسرائيلي ، بدعم أمريكي ضمني بل ومباشر . من خلال الحصار المستمر منذ أكثر من عشرين عاما، والعمليات العسكرية المتكررة التي تتسبب في تدمير البنية التحتية وحياة المدنيين من خلال المجازر الجماعية البشعة ، تسعى إسرائيل إلى تحقيق أهدافها الجيوسياسية عبر استخدام الموت كسلاح استراتيجي . السيطرة على حياة الفلسطينيين في غزة من خلال قصفهم وتجويعهم وحرمانهم من الرعاية الصحية والموارد الأساسية يجعل البقاء على قيد الحياة معركة يومية ، في مكان لم يعد صالحا للحياة بفعل جرائم الأحتلال من الإبادة والاقتلاع العرقي .

الهدف النهائي وفق ذلك هو تحطيم الروح المعنوية للشعب الفلسطيني ، ودفعه نحو الهجرة أو الاستسلام . إسرائيل، بتواطؤ واضح من الولايات المتحدة كشريك استراتيجي ، تتعامل مع غزة كأداة لفرض سيطرتها الجيوسياسية في المنطقة، وذلك عبر القضاء على أي تهديد مستقبلي لقدرتها على الهيمنة من خلال اعادة احتلالها لغزة بأشكال جديدة .

-- الضفة الغربية ، الموت البطيء وتفريغ الأرض.
في الضفة الغربية بما فيها القدس بالطبع ، تتبنى إسرائيل الإستعمارية والأحلالية سياسة النيكروبوليتيكس ايضا بشكل أكثر تدرجا ، من خلال الأستيطان والاعتقالات الجماعية والاغتيالات كما حصل في نابلس وطولكرم مؤخرا والهدم والترحيل والسيطرة على الموارد . هنا تُستخدم سياسة الموت بطرق غير مباشرة، حيث يتم تقليص حقوق شعبنا الفلسطيني وحريتهم في الحركة من خلال استنباط اشكال الكانتونات المحاصرة ومنع التنمية بل وحتى في محاصرة السلطة الوطنية وجعلها دون سلطة . تهدف هذه السياسات إلى إرهاق شعبنا الفلسطيني وخلق ظروف تجعل الحياة غير محتملة وفق ما يجري ، مما يؤدي إلى تهجير تدريجي دون الحاجة إلى صدام مباشر .

-- الرئيس الشهيد أبو عمار يفضح خارطة اسرائيل الكبرى .
من خلال هذه الاستراتيجية ، تهدف إسرائيل إلى السيطرة الكاملة على الأرض الفلسطينية التاريخية ، ومحاولة تحقيق ما يُعرف بمشروع "إسرائيل الكبرى"، حيث تصبح المناطق الفلسطينية المحتلة مهجورة أو ضعيفة بما يكفي لفرض السيطرة التامة عليها ، بل وفي اراضٍ ابعد من فلسطين كما يعلن غلاة الصهاينة اليوم لتصل لأجزاء من لبنان والأردن والعراق وسوريا والسعودية ، وهي الرؤية الصهيونية التي تحدث عنها الرئيس الشهيد ياسر عرفات امام القمة العربية في بغداد ١٩٩٠ والمشار لها بالخارطة الموسومة على احدى القطع النقدية الاسرائيلية . الدعم الأمريكي لهذه السياسات يتجلى في الدعم المطلق، من التمويل العسكري والغطاء السياسي الذي يمنح إسرائيل مساحة كبيرة للتحرك دون رادع دولي وفق محددات العلاقة الإستراتيجية بينهم وأهمها العقائدية، والتي للأسف ما زال هنالك من يعتقد بامكان تبدلها فيسعون خلف سراب أمريكي لن يحقق شيئا من الحقوق .

-- لبنان ، التحكم في المقاومة عبر التهديد بالموت.
أما في لبنان، فتستخدم إسرائيل النيكروبوليتيكس كوسيلة لتحجيم المقاومة وحزب الله وقاعدته وحاضنته الشعبية والاجتماعية ، عبر الاغتيالات الجارية اليوم والضربات العسكرية والتوترات الحدودية . تحاول إسرائيل وضع حزب الله في موقف دفاعي دائم ، مما يجعل المدنيين اللبنانيين عرضة للخطر المستمر كما يحدث من مجازر كان اخرها امس في وسط بيروت . هنا أيضا، يكون الهدف الجيوسياسي لإسرائيل هو إضعاف أي مقاومة محتملة قد تعيق مشاريعها التوسعية في المنطقة بل ومحاولات القضاء عليها بما يستوجبه مشروع الشرق الاوسط الجديد او الأسم الآخر له مملكة اسرائيل . مشروع ستفشل هي في تحقيقه نظرا للمتغيرات الجارية واستهدافها من جهات وجبهات متعددة تستنزف قوة ردعها وتسارع من أزمات مجتمعها .

-- الدور الأمريكي .
يتجسد في الدعم العسكري والاستخباراتي لإسرائيل وتفويضها في هذه العمليات، وكذلك في الضغط على السلطة الوطنية الفلسطينية وعلى الحكومة اللبنانية والأطراف السياسية فيها ، بل وعلى الأطراف العربية بشكل عام سياسيا واقتصاديا للتراجع عن دعم أي حركات مقاومة حتى ثقافة المقاومة واستقلالية القرار الوطني التي قد تعرقل النفوذ الإسرائيلي في المنطقة ، وممارسة كافة اشكال الضغط المختلفة عليهم لاعتبار إيران العدو الأول لهم بدلا من دولة الأحتلال من اجل تسويق مشروعهم بالشرق الأوسط الجديد مقابل وعود سرابية جديدة لن تختلف عن سابقاتها المعهودة والتي لن تحمي أحداً او تجعله خارج دائرة استهدافهم لاحقا.

-- الهدف الجيوسياسي ، الهيمنة على المنطقة.
تستهدف سياسة النيكروبوليتيكس في النهاية إعادة تشكيل المشهد السياسي والديموغرافي في الشرق الأوسط لصالح هيمنة الولايات المتحدة وتفوق إسرائيل كدولة مارقة . وذلك من خلال القضاء على أي تهديدات محتملة واستخدام سياسات الموت كأداة ضغط، حيث تسعى إسرائيل إلى تفريغ الأرض من سكانها الأصليين أو تهميشهم واستمرار قهرهم ، بينما تعمل الولايات المتحدة على تأمين مصالحها الإستراتيجية في المنطقة اضافة الى حماية اسرائيل ، بضمان الوصول إلى الموارد الحيوية مثل النفط والغاز وطرق التجارة والملاحة في محاولة لمنع تمدد النفوذ الصيني الإقتصادي والسياسي الروسي وإلى حد ما العسكري ، وضمان استمرار الهيمنة العسكرية والسياسية الأمريكية .

لقد إستخدم النازيون والفاشيون النيكروبوليتيكس خلال الحرب العالمية الثانية ، حيث كانت سياساتهم تجاه الأقليات العرقية في أوروبا بل وبحق كل شعوبها تعتمد بشكل كبير على التحكم في الحياة والموت . معسكرات الاعتقال والإبادة كانت مثالاً صارخا على استخدام النيكروبوليتيكس، حيث تم استخدام الموت كأداة سياسية لإبادة مجموعات بأكملها وتحقيق أهداف إيديولوجية عنصرية وفوقية .

أما بالنسبة لنا نحن الفلسطينين ، فيمكن القول إننا ضحايا لسياسات النيكروبوليتيكس من جانب الفاشيين الجدد . فإسرائيل والولايات المتحدة تستخدمان هذه الأداة لتحقيق مشروع طويل الأمد يهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة وفق مصالحهما الاستراتيجية مهما كانت التكاليف الإنسانية التي لم تكترث لمثيلها الولايات المتحدة عبر تاريخ جرائمها باستخدام هذه الوسيلة القذرة حول العالم لبسط نفوذها ، ولن تكترث لها اليوم ايضا في ظل هذا النظام الدولي أحادي القطب . الأمر الذي يستوجب تحركا جادا اليوم من الصين وروسيا والقوى الأخرى الصاعدة والشعوب الحرة لحماية اصحاب الأرض الأصلانيين في منطقتنا والأسراع من اجل انفاذ نظام دولي جديد متعدد الأقطاب يحقق العدالة والمساواة وتقرير المصير للشعوب ويمنع مثل هذه السياسات الإجرامية من جهة ، ومراجعة سياساتنا الفلسطينية والتوافق على رؤية واضحة شاملة بمواجهات التحديات المذكورة لاستكمال مسيرة التحرر الوطني سندا لفهم مخاطر هذه الرؤى والمتغيرات الجارية من جهة اخرى.