الثلاثاء: 22/10/2024 بتوقيت القدس الشريف

أزمة ضمير: التطهير العرقي المنهجي لشمال غزة – فشل قانوني وأخلاقي

نشر بتاريخ: 18/10/2024 ( آخر تحديث: 18/10/2024 الساعة: 18:32 )

الكاتب: وائل زبون

في الوقت الذي يقف فيه العالم شاهداً ومتفرجاً على النكبة الثانية للشعب الفلسطيني على ايدي الصهيونية، بمساندة غربية اوروبية وامريكية، تأتي التقارير الأخيرة عن خطة لتطهير شمال غزة عرقياً، مدعومة بعمليات عسكرية إسرائيلية، لتصعد الأزمة إلى مستوى خطير ومقلق للغاية. المجتمع الدولي، الذي أصيب بالعجز والتردد، يواجه الآن حسابًا أخلاقيًا حيث تتزايد الأدلة على أن أفعال إسرائيل تستهدف المدنيين بشكل ممنهج وتنتهك المبادئ الأساسية للقانون الدولي.

"خطة الجنرالات"، كما وصفتها تقارير الجنود الاحتياط الإسرائيليين، ليست سوى مخطط للتطهير العرقي والتهجير القسري. مئات الآلاف من المدنيين في شمال غزة يتلقون أوامر بإخلاء منازلهم أو مواجهة مصير مميت. الإنذار واضح: ارحل أو تُقتل. هذه التكتيكات لا تنتهك القانون الدولي فحسب، بل تعتبر إهانة للبشرية جمعاء، اذا بقي هنالك من يؤمن بشريعة البشر. وفي ظل هذه الأحداث الكارثية في شمال غزة، يأتي موقف الولايات المتحدة الأمريكية ليزيد من حدة الإحباط والغضب لدى الفلسطينيين والمجتمع الدولي. الولايات المتحدة، الحليف الأقوى لإسرائيل، منحت الأخيرة مهلة شهر لتطبيق خطتها في شمال غزة، مما يعد بمثابة تأييد ضمني لعملية التطهير العرقي التي تقوم بها إسرائيل. هذا الموقف يثير التساؤلات حول مدى اهتمام الولايات المتحدة بحياة الفلسطينيين، أم أن الأمر ببساطة يعكس تاريخًا طويلًا من التواطؤ مع القوى الاستعمارية الغربية التي لم تُعِر أي اعتبار للإنسان الفلسطيني على مر التاريخ.

وكيف يمكن لإسرائيل أن تجرؤ على ارتكاب هذه الفظائع بحق الفلسطينيين، بل وضرب مؤسسات الأمم المتحدة مثل مقرات "الأونروا"، والتعرض مؤخراً لقوات "اليونيفيل" في لبنان، دون أن تواجه عواقب دولية؟ إن هذه الهجمات ليست مجرد تجاوزات، بل هي جزء من استراتيجية واسعة لتحطيم أي هيكل دولي يمكنه حماية حقوق الفلسطينيين أو الحد من الاعتداءات الإسرائيلية.

في النهاية، يُطرح السؤال: إلى متى سيظل العالم صامتًا أمام هذا التجاوز الفاضح للقانون الدولي؟

ففي ظل تصاعد الأزمة الإنسانية في غزة، ومع تعميقها بهذه الخطة، يتكشف مرة تلو الاخرى انتهاك جسيم للقوانين الدولية المتعلقة بحماية المدنيين في أوقات الحرب. وعلى الرغم من أن اتفاقية جنيف الرابعة تمنع بشكل قاطع النقل القسري للسكان في الأراضي المحتلة، فإن ما يحدث على أرض الواقع في غزة يرسم صورة مغايرة تمامًا. أحياء بكاملها قد دُمرت، وسكانها يُجبرون على مواجهة الجوع والقصف العشوائي. إن هذا ليس مجرد "ضرر جانبي" لحرب، بل هو نموذج واضح للتطهير العرقي الذي يتعارض تمامًا مع القانون الدولي.

في هذا السياق، ستتناول هذه المقالة تحليلًا مفصلًا للانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل ضد المدنيين في غزة، بدءًا من خرق اتفاقية جنيف، ووصولاً إلى استهداف البنية التحتية المدنية بشكل ممنهج، إلى جانب الفشل الدولي في محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم. سيتناول التحليل أيضاً الصمت العالمي حيال هذا التصعيد الخطير، والعواقب التي تترتب على المجتمع الدولي إذا استمر في التغاضي عن هذه الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي والتي تتمثل بهذه النقاط:

اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحكم حماية المدنيين في أوقات الحرب، تحظر بشكل قاطع النقل القسري للسكان في الأراضي المحتلة. ومع ذلك، فإن الحقائق على الأرض في غزة تحكي قصة مختلفة. أحياء بأكملها تحولت إلى ركام تحت قصف مكثف ومستمر. منذ أوائل أكتوبر، لم يُسمح بدخول أي غذاء إلى المناطق الشمالية من القطاع، حسبما أفادت المنظمات الإنسانية الدولية، والقلة الباقية من المدنيين تُجبر على الجوع وتُقصف في منازلهم وملاجئهم. هذا ليس مجرد ضرر جانبي لحرب. هذا ليس نتيجة عرضية لعملية عسكرية مشروعة. هذا هو تطهير عرقي، وهو يتعارض بشكل مباشر مع القانون الدولي.

انتهاك متعمد للقانون الدولي، في قلب هذه الأزمة يكمن تجاهل صارخ لأبسط مبادئ القانون الإنساني الدولي، الذي صُمم لحماية المدنيين في حالات النزاع المسلح. مبدأ التمييز، الذي ينص عليه بالمادة 48 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، يُلزم الأطراف في النزاع بالتمييز بين المدنيين والمقاتلين، ويمنع استهداف المدنيين في العمليات العسكرية. من خلال اعتبار أي مدنيين يبقون في شمال غزة أعداءً يُقتلوا، فإن الإجراءات العسكرية الإسرائيلية تنتهك هذا المبدأ بوضوح.

المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة تحظر بشكل صريح "النقل الفردي أو الجماعي القسري" للأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة. ما يحدث في شمال غزة ليس إجلاءً طوعيًا لضمان سلامة المدنيين، بل هو تهجير قسري تحت تهديد الموت. في الواقع، هذا التهجير القسري، إلى جانب استهداف البنية التحتية المدنية بشكل ممنهج، يشكل انتهاكًا جسيمًا لاتفاقيات جنيف ويعادل جرائم الحرب.

إضافة إلى ذلك، يُعرّف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الترحيل أو النقل القسري للسكان، إلى جانب الإبادة والاضطهاد على أسس عرقية، كجرائم ضد الإنسانية. وفقًا للمادة 7 من نظام روما، فإن الأفعال التي تُرتكب في شمال غزة – من قتل ممنهج وتهجير قسري وتجويع المدنيين – تقع ضمن إطار الجرائم ضد الإنسانية.

هذه الأفعال تنتهك أيضًا المادة 53 من البروتوكول الإضافي الأول، التي تحمي الممتلكات الثقافية وأماكن العبادة والمواقع ذات الأهمية الخاصة، والتي تم تدميرها بالكامل في شمال غزة. استهداف هذه المواقع عمدًا، بالإضافة إلى المنازل والمستشفيات، يدل على محاولة منهجية لمحو وجود وهوية السكان في هذه المنطقة.

العقاب الجماعي، وهو ممارسة محظورة بشكل صريح بموجب المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة، هو انتهاك جسيم آخر يتكشف أمام أعيننا. يُعاقب المدنيون على مجرد وجودهم في منطقة جغرافية محددة. لا يوجد أي مبرر قانوني أو عسكري يمكن أن يشرعن هذه الأفعال، التي لا تخدم سوى إلحاق أكبر قدر من المعاناة على السكان المحاصرين.

فشل المساءلة العالمية

تتجاوز التداعيات الأخلاقية لأفعال إسرائيل نطاق القانون فحسب. بل إن فشل المجتمع الدولي في فرض الامتثال للقانون الدولي، او حتى مباركة بعض القوى الفاعلة في المجتمع الدولي لما يرتكبه الاحتلال من جرائم حرب لا يشجع فقط على ارتكاب مزيد من الفظائع، بل يهدد أيضًا بتقويض نسيج النظام القانوني الدولي. فالمحكمة الجنائية الدولية، والأمم المتحدة وغيرها من الهيئات المكلفة بتطبيق القانون الدولي لم تنجح او لا ترغب حتى الآن في محاسبة إسرائيل على أفعالها.

في حين قد يجادل البعض بأن تعقيد الصراع والمصالح الجيوسياسية الراسخة لبعض الدول قد عرقلت اتخاذ الإجراءات القانونية، فإن هذا التفسير غير مقنع. عندما غزت روسيا أوكرانيا، رد الغرب بسرعة بالعقوبات والدعم العسكري وإدانة دولية قوية. ومع ذلك، في غزة، حيث ارتفع عدد الضحايا في المدنيين إلى عشرات الآلاف، لم تقدم الدول الأكثر نفوذًا سوى دعوات فاترة لضبط النفس. هذا التناقض الصارخ يقوض مصداقية القانون الدولي ويبعث برسالة إلى الحكومات الأخرى بأن بإمكانها انتهاك هذه المبادئ دون عقاب.

إن مبدأ المسؤولية عن الحماية، الذي تبنته الأمم المتحدة في عام 2005، تم تصميمه لضمان تدخل المجتمع الدولي عندما تفشل الدول في حماية شعوبها من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية. وبالنسبة لغزة، فهي مثال صارخ على فشل الدولة في حماية سكانها المدنيين، ومع ذلك لم يتم اتخاذ أي إجراء. هذا التطبيق الانتقائي لمبدأ المسؤولية عن الحماية يُبرز أكثر الفجوة المتزايدة بين المعايير القانونية الدولية والإرادة السياسية.

صمت القوى العالمية المدوي

ربما يكون أكثر ما يثير الصدمة ليس فقط وحشية الخطة، ولكن الصمت المدوي من المجتمع الدولي. الولايات المتحدة، الحليف الأقوى لإسرائيل، لم تصدر سوى شعارات عامة عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. القوى الأوروبية، رغم دعواتها لضبط النفس، لم تفعل شيئًا لوقف ما هو بوضوح حملة إرهابية ضد السكان المدنيين العزل، بل على العكس تماما طالعنا وزير خارجية المانيا باعطاء الحق لاسرائيل بالدفاع عن نفسها. في أروقة الأمم المتحدة، تتجاهل الإدانة، حيث تهيمن الجيوسياسة على الموقف.

وقد حذرت المنظمات الإنسانية الكبرى من أن شمال غزة يتم "مسحه من الخريطة". ومع ذلك، فإن قادة العالم، الذين يقعون في شبكات التحالفات السياسية، لا يزالون مترددين في وصف ما يحدث بما هو عليه حقًا: تطهير عرقي وتهجير قسري وجرائم فظيعة. إن الرفض للتحرك ووقف هذه الحملة يهدد بجعل النظام الدولي عديم الفعالية عندما يكون الانسان في أمسّ الحاجة اليه.

كارثة إنسانية بلا حدود

الأرقام وحدها صادمة. منذ بدء الهجوم في أوائل أكتوبر 2023، فوفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية ارتقى أكثر من 42,000 فلسطيني، معظمهم من النساء والاطفال. وبلغ عدد الجرحى أكثر من 99,000. هذه ليست مجرد إحصاءات – إنها أرواح تحطمت نتيجة حملة إرهابية تهدف إلى محو وجود سكان شمال غزة بالكامل. المستشفيات تغصّ بالجرحى. الطعام والماء نادران. عائلات بأكملها قد أُبيدت في لحظة. هذا ليس نزاعًا بين طرفين متكافئين. إنه تدمير منهجي لشعب محتل على يد واحدة من أقوى الجيوش في العالم. سكان شمال غزة ليس لديهم جيش يدافع عنهم، ولا قوة جوية توقف القصف، ولا مكان يهربون إليه. إنهم عالقون في كابوس حي.

دعوة للتحرك: يجب أن يسود القانون الدولي

حان الوقت لكي يستيقظ العالم على الكارثة التي تتكشف في غزة. لا يمكن تقديم أي عذر لعدم التحرك. يجب على المجتمع الدولي أن يطالب بوقف فوري لحملة إسرائيل للتطهير العرقي وأن يحمّل المسؤولين عن هذه الجرائم المسؤولية. إذا كان القانون الدولي يعني شيئًا، فيجب تطبيقه بشكل عادل ودون تمييز، بغض النظر عن الأطراف المعنية.

يجب على قادة العالم استخدام كل الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية والقانونية المتاحة للضغط على إسرائيل لوقف هجومها على المدنيين في غزة. فالعقوبات وحظر الأسلحة والإجراءات القانونية من خلال محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية يجب أن تُلاحق بشكل فوري وبكل جدية. ويجب أن تُفعّل الولاية القضائية العالمية، التي تتيح محاكمة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في أي دولة، بغض النظر عن مكان ارتكابها، أينما كان ذلك ممكنًا.

أزمة ضمير: التطهير العرقي المنهجي لشمال غزة – فشل قانوني وأخلاقي

في الوقت الذي يقف فيه العالم شاهداً ومتفرجاً على النكبة الثانية للشعب الفلسطيني على ايدي الصهيونية، بمساندة غربية اوروبية وامريكية، تأتي التقارير الأخيرة عن خطة لتطهير شمال غزة عرقياً، مدعومة بعمليات عسكرية إسرائيلية، لتصعد الأزمة إلى مستوى خطير ومقلق للغاية. المجتمع الدولي، الذي أصيب بالعجز والتردد، يواجه الآن حسابًا أخلاقيًا حيث تتزايد الأدلة على أن أفعال إسرائيل تستهدف المدنيين بشكل ممنهج وتنتهك المبادئ الأساسية للقانون الدولي.

"خطة الجنرالات"، كما وصفتها تقارير الجنود الاحتياط الإسرائيليين، ليست سوى مخطط للتطهير العرقي والتهجير القسري. مئات الآلاف من المدنيين في شمال غزة يتلقون أوامر بإخلاء منازلهم أو مواجهة مصير مميت. الإنذار واضح: ارحل أو تُقتل. هذه التكتيكات لا تنتهك القانون الدولي فحسب، بل تعتبر إهانة للبشرية جمعاء، اذا بقي هنالك من يؤمن بشريعة البشر. وفي ظل هذه الأحداث الكارثية في شمال غزة، يأتي موقف الولايات المتحدة الأمريكية ليزيد من حدة الإحباط والغضب لدى الفلسطينيين والمجتمع الدولي. الولايات المتحدة، الحليف الأقوى لإسرائيل، منحت الأخيرة مهلة شهر لتطبيق خطتها في شمال غزة، مما يعد بمثابة تأييد ضمني لعملية التطهير العرقي التي تقوم بها إسرائيل. هذا الموقف يثير التساؤلات حول مدى اهتمام الولايات المتحدة بحياة الفلسطينيين، أم أن الأمر ببساطة يعكس تاريخًا طويلًا من التواطؤ مع القوى الاستعمارية الغربية التي لم تُعِر أي اعتبار للإنسان الفلسطيني على مر التاريخ.

وكيف يمكن لإسرائيل أن تجرؤ على ارتكاب هذه الفظائع بحق الفلسطينيين، بل وضرب مؤسسات الأمم المتحدة مثل مقرات "الأونروا"، والتعرض مؤخراً لقوات "اليونيفيل" في لبنان، دون أن تواجه عواقب دولية؟ إن هذه الهجمات ليست مجرد تجاوزات، بل هي جزء من استراتيجية واسعة لتحطيم أي هيكل دولي يمكنه حماية حقوق الفلسطينيين أو الحد من الاعتداءات الإسرائيلية.

في النهاية، يُطرح السؤال: إلى متى سيظل العالم صامتًا أمام هذا التجاوز الفاضح للقانون الدولي؟

ففي ظل تصاعد الأزمة الإنسانية في غزة، ومع تعميقها بهذه الخطة، يتكشف مرة تلو الاخرى انتهاك جسيم للقوانين الدولية المتعلقة بحماية المدنيين في أوقات الحرب. وعلى الرغم من أن اتفاقية جنيف الرابعة تمنع بشكل قاطع النقل القسري للسكان في الأراضي المحتلة، فإن ما يحدث على أرض الواقع في غزة يرسم صورة مغايرة تمامًا. أحياء بكاملها قد دُمرت، وسكانها يُجبرون على مواجهة الجوع والقصف العشوائي. إن هذا ليس مجرد "ضرر جانبي" لحرب، بل هو نموذج واضح للتطهير العرقي الذي يتعارض تمامًا مع القانون الدولي.

في هذا السياق، ستتناول هذه المقالة تحليلًا مفصلًا للانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل ضد المدنيين في غزة، بدءًا من خرق اتفاقية جنيف، ووصولاً إلى استهداف البنية التحتية المدنية بشكل ممنهج، إلى جانب الفشل الدولي في محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم. سيتناول التحليل أيضاً الصمت العالمي حيال هذا التصعيد الخطير، والعواقب التي تترتب على المجتمع الدولي إذا استمر في التغاضي عن هذه الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي والتي تتمثل بهذه النقاط:

اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحكم حماية المدنيين في أوقات الحرب، تحظر بشكل قاطع النقل القسري للسكان في الأراضي المحتلة. ومع ذلك، فإن الحقائق على الأرض في غزة تحكي قصة مختلفة. أحياء بأكملها تحولت إلى ركام تحت قصف مكثف ومستمر. منذ أوائل أكتوبر، لم يُسمح بدخول أي غذاء إلى المناطق الشمالية من القطاع، حسبما أفادت المنظمات الإنسانية الدولية، والقلة الباقية من المدنيين تُجبر على الجوع وتُقصف في منازلهم وملاجئهم. هذا ليس مجرد ضرر جانبي لحرب. هذا ليس نتيجة عرضية لعملية عسكرية مشروعة. هذا هو تطهير عرقي، وهو يتعارض بشكل مباشر مع القانون الدولي.

انتهاك متعمد للقانون الدولي، في قلب هذه الأزمة يكمن تجاهل صارخ لأبسط مبادئ القانون الإنساني الدولي، الذي صُمم لحماية المدنيين في حالات النزاع المسلح. مبدأ التمييز، الذي ينص عليه بالمادة 48 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، يُلزم الأطراف في النزاع بالتمييز بين المدنيين والمقاتلين، ويمنع استهداف المدنيين في العمليات العسكرية. من خلال اعتبار أي مدنيين يبقون في شمال غزة أعداءً يُقتلوا، فإن الإجراءات العسكرية الإسرائيلية تنتهك هذا المبدأ بوضوح.

المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة تحظر بشكل صريح "النقل الفردي أو الجماعي القسري" للأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة. ما يحدث في شمال غزة ليس إجلاءً طوعيًا لضمان سلامة المدنيين، بل هو تهجير قسري تحت تهديد الموت. في الواقع، هذا التهجير القسري، إلى جانب استهداف البنية التحتية المدنية بشكل ممنهج، يشكل انتهاكًا جسيمًا لاتفاقيات جنيف ويعادل جرائم الحرب.

إضافة إلى ذلك، يُعرّف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الترحيل أو النقل القسري للسكان، إلى جانب الإبادة والاضطهاد على أسس عرقية، كجرائم ضد الإنسانية. وفقًا للمادة 7 من نظام روما، فإن الأفعال التي تُرتكب في شمال غزة – من قتل ممنهج وتهجير قسري وتجويع المدنيين – تقع ضمن إطار الجرائم ضد الإنسانية.

هذه الأفعال تنتهك أيضًا المادة 53 من البروتوكول الإضافي الأول، التي تحمي الممتلكات الثقافية وأماكن العبادة والمواقع ذات الأهمية الخاصة، والتي تم تدميرها بالكامل في شمال غزة. استهداف هذه المواقع عمدًا، بالإضافة إلى المنازل والمستشفيات، يدل على محاولة منهجية لمحو وجود وهوية السكان في هذه المنطقة.

العقاب الجماعي، وهو ممارسة محظورة بشكل صريح بموجب المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة، هو انتهاك جسيم آخر يتكشف أمام أعيننا. يُعاقب المدنيون على مجرد وجودهم في منطقة جغرافية محددة. لا يوجد أي مبرر قانوني أو عسكري يمكن أن يشرعن هذه الأفعال، التي لا تخدم سوى إلحاق أكبر قدر من المعاناة على السكان المحاصرين.

فشل المساءلة العالمية

تتجاوز التداعيات الأخلاقية لأفعال إسرائيل نطاق القانون فحسب. بل إن فشل المجتمع الدولي في فرض الامتثال للقانون الدولي، او حتى مباركة بعض القوى الفاعلة في المجتمع الدولي لما يرتكبه الاحتلال من جرائم حرب لا يشجع فقط على ارتكاب مزيد من الفظائع، بل يهدد أيضًا بتقويض نسيج النظام القانوني الدولي. فالمحكمة الجنائية الدولية، والأمم المتحدة وغيرها من الهيئات المكلفة بتطبيق القانون الدولي لم تنجح او لا ترغب حتى الآن في محاسبة إسرائيل على أفعالها.

في حين قد يجادل البعض بأن تعقيد الصراع والمصالح الجيوسياسية الراسخة لبعض الدول قد عرقلت اتخاذ الإجراءات القانونية، فإن هذا التفسير غير مقنع. عندما غزت روسيا أوكرانيا، رد الغرب بسرعة بالعقوبات والدعم العسكري وإدانة دولية قوية. ومع ذلك، في غزة، حيث ارتفع عدد الضحايا في المدنيين إلى عشرات الآلاف، لم تقدم الدول الأكثر نفوذًا سوى دعوات فاترة لضبط النفس. هذا التناقض الصارخ يقوض مصداقية القانون الدولي ويبعث برسالة إلى الحكومات الأخرى بأن بإمكانها انتهاك هذه المبادئ دون عقاب.

إن مبدأ المسؤولية عن الحماية، الذي تبنته الأمم المتحدة في عام 2005، تم تصميمه لضمان تدخل المجتمع الدولي عندما تفشل الدول في حماية شعوبها من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية. وبالنسبة لغزة، فهي مثال صارخ على فشل الدولة في حماية سكانها المدنيين، ومع ذلك لم يتم اتخاذ أي إجراء. هذا التطبيق الانتقائي لمبدأ المسؤولية عن الحماية يُبرز أكثر الفجوة المتزايدة بين المعايير القانونية الدولية والإرادة السياسية.

صمت القوى العالمية المدوي

ربما يكون أكثر ما يثير الصدمة ليس فقط وحشية الخطة، ولكن الصمت المدوي من المجتمع الدولي. الولايات المتحدة، الحليف الأقوى لإسرائيل، لم تصدر سوى شعارات عامة عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. القوى الأوروبية، رغم دعواتها لضبط النفس، لم تفعل شيئًا لوقف ما هو بوضوح حملة إرهابية ضد السكان المدنيين العزل، بل على العكس تماما طالعنا وزير خارجية المانيا باعطاء الحق لاسرائيل بالدفاع عن نفسها. في أروقة الأمم المتحدة، تتجاهل الإدانة، حيث تهيمن الجيوسياسة على الموقف.

وقد حذرت المنظمات الإنسانية الكبرى من أن شمال غزة يتم "مسحه من الخريطة". ومع ذلك، فإن قادة العالم، الذين يقعون في شبكات التحالفات السياسية، لا يزالون مترددين في وصف ما يحدث بما هو عليه حقًا: تطهير عرقي وتهجير قسري وجرائم فظيعة. إن الرفض للتحرك ووقف هذه الحملة يهدد بجعل النظام الدولي عديم الفعالية عندما يكون الانسان في أمسّ الحاجة اليه.

كارثة إنسانية بلا حدود

الأرقام وحدها صادمة. منذ بدء الهجوم في أوائل أكتوبر 2023، فوفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية ارتقى أكثر من 42,000 فلسطيني، معظمهم من النساء والاطفال. وبلغ عدد الجرحى أكثر من 99,000. هذه ليست مجرد إحصاءات – إنها أرواح تحطمت نتيجة حملة إرهابية تهدف إلى محو وجود سكان شمال غزة بالكامل. المستشفيات تغصّ بالجرحى. الطعام والماء نادران. عائلات بأكملها قد أُبيدت في لحظة. هذا ليس نزاعًا بين طرفين متكافئين. إنه تدمير منهجي لشعب محتل على يد واحدة من أقوى الجيوش في العالم. سكان شمال غزة ليس لديهم جيش يدافع عنهم، ولا قوة جوية توقف القصف، ولا مكان يهربون إليه. إنهم عالقون في كابوس حي.

دعوة للتحرك: يجب أن يسود القانون الدولي

حان الوقت لكي يستيقظ العالم على الكارثة التي تتكشف في غزة. لا يمكن تقديم أي عذر لعدم التحرك. يجب على المجتمع الدولي أن يطالب بوقف فوري لحملة إسرائيل للتطهير العرقي وأن يحمّل المسؤولين عن هذه الجرائم المسؤولية. إذا كان القانون الدولي يعني شيئًا، فيجب تطبيقه بشكل عادل ودون تمييز، بغض النظر عن الأطراف المعنية.

يجب على قادة العالم استخدام كل الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية والقانونية المتاحة للضغط على إسرائيل لوقف هجومها على المدنيين في غزة. فالعقوبات وحظر الأسلحة والإجراءات القانونية من خلال محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية يجب أن تُلاحق بشكل فوري وبكل جدية. ويجب أن تُفعّل الولاية القضائية العالمية، التي تتيح محاكمة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في أي دولة، بغض النظر عن مكان ارتكابها، أينما كان ذلك ممكنًا.