الكاتب: عواد الجعفري
تبنت وزيرة خارجية ألمانيا موقفا غاية في الخطورة، بدت فيه إسرائيلية أكثر من الإسرائيليين أنفسهم، ومجردة حتى من إنسانيتها وليس فقط من الدبلوماسية التي يفترض أن تمثلها.
قالت الوزيرة التي لا أحفظ اسمها ولا أريد "إن المناطق المدنية تفقد حمايتها (بموجب القانون الدولي)، في حال استغلها الإرهابيون، وهذا ما تدافع عنه ألمانيا، وهذا ما نعنيه عندما نشير إلى أمن إسرائيل".
إن الوزيرة أوردت الذريعة التي لم تتعب إسرائيل من تكرارها، رغم أنه ثبت للمرة الألف، وبتحقيقات من الأمم المتحدة ومنظمات الدولية مستقلة أن هذه الذريعة مجرد أكذوبة لتبرير الجرائم.
يعني هذا الأمر ببساطة أن الوزيرة تريد أن تقول "يجوز لكم أيها الإسرائيليون ارتكاب ما يحلو لكم من جرائم، وما عليكم سوى إيراد تبرير". هي بالطبع لا تستطيع قول ذلك بهذه الصراحة، ومع ذلك، فإن الذي قالته يقدم التبرير لجرائم الحرب الإسرائيلية، بصورة لم يسبقها أحد.
الغريب في الأمر أن تصريحا كهذا يبيح قتل النساء والأطفال والشيوخ، الذين يلجؤون إلى المدارس التي تحولت إلى مراكز إيواء، مر مرور الكرام، ولم يحدث ضجة ولا حتى اهتماما إعلاميا.
والغريب أيضا أن الوزيرة تبرر قتل المدنيين، عوضا عن السعي لوقف الحرب بحكم أنها دبلوماسية.
وجاءت تصريحاتها خلال جلسة للبرلمان الألماني بمناسبة هجوم السابع من أكتوبر. هؤلاء قوم اختزلوا التاريخ في هذا اليوم فقط، فلا شيء سبقه ولا شيء لحقه، ولا كأن القضية الفلسطينية بدأت قبل 76 عاما.
ويظهر خاطب الوزيرة أمام البرلمان والمنشور على موقع الخارجية الألمانية على الإنترنت كماً هائلاً من العنصرية والأكاذيب، مثل قصص الاغتصاب في هجوم 7 أكتوبر، والتي دحضتها مصادر إسرائيلية، لكن الوزيرة مصرة على ذكرها.
لم تذكر الوزيرة معاناة الشعب الفلسطيني إلا على استحياء. كان يهمها الحديث عن القتلى الإسرائيليين في هجوم العام الماضي، وتجاهلت الإبادة المستمرة في غزة، حيث قتل جيش الاحتلال أكثر من 42 ألف إنسان بينهم 17 ألف طفل في العام الأول من العدوان على غزة.
تخيلوا أن بايدن، أكبر حليف لإسرائيل، قال إن آلاف الأبرياء من النساء والأطفال قتلوا في غزة، في حين لم تجرؤ هذه الوزيرة حتى على ذكر هذه الحقيقة الدامغة.
لقد قتلت إسرائيل في غزة من الأطفال في عام أكثر ما قتل 22 صراعاً وحرباً لمدة 4 سنوات في شتى أنحاء العالم، بحسب الأمم المتحدة. إن هذه مجرد وجه واحد من وجوه الحرب الإسرائيلية البشعة في غزة.
وبالطبع، الوزيرة وحكومتها ليسا بريئين، فهما يمدان حكومة نتنياهو بالسلاح خلال الحرب المستمرة على غزة ولبنان.
موقف الوزيرة ربما يكون في أحد أسبابه مدفوعا بالرغبة في تحقيق مكاسب شخصية، لعل اللوبي الإسرائيلي يدفعها إلى منصب المستشارية، وثمة أسباب أخرى مثل نظرة الغرب كله لإسرائيل باعتبارها قاعدة تخدم مصالحه في الشرق، وربما يكون الأمر تعبيرا عن سياسة ألمانيا، التي تعد أكبر حلفاء دولة الاحتلال في أوروبا.
إلى جانب ذلك، هناك جانب مهم تحدثت عنه العديد من الدراسات والتقارير وهو أن موقف السياسيين الألمان تجاه إسرائيل "أخلاقي"، بمعنى أنهم يرون أن "الدفاع عن إسرائيل هو الأمر الأخلاقي الصواب، بسبب ما فعلته النازية باليهود".
حسناً، ما فعله هتلر بحق اليهود كان إبادة، لكن ما ذنب الشعب الفلسطيني أن يدفع ثمن شعوركم أنتم الألمان تجاه اليهود؟ وإذا كانت الوزيرة ومن معها ضد إبادة هتلر فلماذا هي تشارك في دعم الاحتلال الإسرائيلي بالسلاح أثناء شنه حرب إبادة في غزة؟ أليس هذا تورطا في الجريمة؟