الكاتب: هيثم زعيتر
سيبقى اغتيال جيش الاحتلال الإسرائيلي، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» يحيى إبراهيم السنوار، علامة فارقة ومُميزة، كما خلال هندسته وتنفيذه عملية «طوفان الأقصى»، في غلاف قطاع غزة، يوم السبت في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وتُطرح جملةٌ من التساؤلات حول ظروف اغتيال السنوار، وحقيقة ما جرى:
- فقد استُشهد، يوم الأربعاء في 16 تشرين الأول/أكتوبر 2024، إثر اشتباكٍ وقع في شقة داخل مبنى، كان يتواجد فيه مع اثنين من حركة «حماس»، في شارع ابن سينا في حي تل السلطان - غرب مدينة رفح - جنوبي قطاع غزة، تعود ملكيتها إلى عائلة أبو طه، التي كان قد أخلته، جراء حرب الإبادة الإسرائيلية المُتواصلة على غزة.
لكن، لم يتم الكشف عن هويته إلّا في اليوم التالي (الخميس).
- جاء استشهاد السنوار، على بُعد 13 يوماً من إتمامه العام الـ62 (مواليد: مُخيم الجلزون، 29 تشرين الأول/أكتوبر 1962)، وبعد 73 يوماً من اختياره لرئاسة المكتب السياسي لحركة «حماس» (يوم الثلاثاء في 6 آب/أغسطس 2024)، بعد اغتيال «المُوساد» رئيس المكتب السياسي السابق لحركة «حماس» إسماعيل هنية، في العاصمة الإيرانية، طهران، فجر الأربعاء في 31 تموز/يوليو 2024.
لقد استحوذ السنوار على الاهتمام السياسي والعسكري والأمني والإعلامي على مدى سنوات طويلة من عمره، مُنذ ما قبل اعتقاله في العام 1987، وخلال حياته في السجن، وصولاً إلى الإفراج عنه في صفقة «الوفاء للأحرار»، بتبادل الجُندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، مقابل الإفراج عن 1027 أسير وأسيرة فلسطينيين على دفعتين، بتاريخ 18 تشرين الأول/أكتوبر و18 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، ومن ثم رئاسته حركة «حماس» في قطاع غزة مُنذ 13 شباط/فبراير 2017، وصولاً إلى اختياره رئيساً للمكتب السياسي للحركة، على اعتبار شغور منصب النائب الأول لرئيس المكتب السياسي صالح العاروري، بعد اغتياله من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي في منطقة المشرفية بضاحية بيروت الجنوبية، يوم الثلاثاء في 2 كانون الثاني/يناير 2024.
لقد نسف مكان اغتيال السنوار، كُل الفرضيات و«السيناريوهات»، التي عمد الاحتلال إشاعتها عنه، مُنذ عملية «طوفان الأقصى»، ليطرح جُملة من التساؤلات:
- لماذا تواجد في مكان ضمن منطقة انتشار قوات الجيش الإسرائيلي في رفح، التي كانت تقوم بعملية التمشيط؟
- لماذا غادر الأنفاق، التي كان يتواجد فيها، وأظهرت صور وفيديو، تواجده داخل إحداها مع عائلته، بعد عملية «طوفان الأقصى»؟
- لماذا لم يكن معه رهائن إسرائيليين، كما أُشيع؟
- هل كان معه الرهائن الإسرائيليين الستة، الذين عُثر على جثامينهم داخل أحد الأنفاق في منطقة رفح، بتاريخ 1 أيلول/سبتمبر 2024؟
- لماذا سرّب جنود القوة الإسرائيلية الصور، وهو ما سيُؤدي إلى مُحاكمتهم، لأنهم أفسدوا مُخططاً للاحتلال، لتزييف الحقيقة، و«فبركة» أن السنوار كان داخل نفقٍ وبحوزته كمية كبيرة من الأموال؟
وقد تبيّن:
- أن السنوار كان في أرض المعركة، مُقبلاً وغير مُدبر، داخل مبنىً في رفح، واستشهد خلال اشتباك مع قوة من الاحتلال، وهو يحمل سلاحه الحربي، مُرتدياً بزّته العسكرية، وجعبة محشوة بالقنابل.
- أنه بعد إطلاق دبابة إسرائيلية، من ضمن الكتيبة 450، قذيفة ورصاصات من رشاشاتها، عند الساعة العاشرة من صباح يوم الأربعاء في 16 تشرين الأول/أكتوبر 2024، أصيب السنوار، ووقع اشتباك، ولدى إرسال طائرة «درون»، للتأكد من وضع المُسلحين المُتواجدين في الشقة، ظهر وهو يُحاول ضربها بلوحٍ خشبي، كان بجانبه، قبل أن تُطلق الدبابة قذائف أخرى، ما أدّى إلى استشهاده مع اثنين، كانا معه.
- أن قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي كانت في مُهمة روتينية، خلافاً لزعم المسؤولين الإسرائيليين، أن ذلك جرى وفق معلومات استخباراتية!
- تمكّن من التخفّي، لعدم استخدامه وسائل الاتصالات الهاتفية الخليوية، اللاسلكية أو السلكية، بل كان يستخدم الرسائل الورقية، وهو ما ثبت من أنه كان يُرسل رسالة بخط يده إلى ابنه، الذي تلقى منه رسالة مُماثلة.
أسئلة عديدة تدور حول كل ما جرى، وصولاً إلى التعرّف على جثة السنوار.
حملنا هذه التساؤلات، للاستعانة بالذكاء الاصطناعي، الذي يستخدمه الاحتلال لتنفيذ الكثير من المهام الأمنية، لكنه فشل في تحديد مكان السنوار، الذي كان مُلثماً بـ«كوفية» الثوار، فكانت هذه الإجابات (بتصرف):
الاغتيال لم يكن مُخطّط له مُسبقاً!
{ كيف اغتال القوات الإسرائيلية يحيى السنوار؟
- تم استهداف واغتيال يحيى السنوار خلال اشتباكات مع القوات الإسرائيلية في منطقة تل السلطان برفح - جنوب قطاع غزة، في تشرين الأول/أكتوبر 2024.
العملية العسكرية كانت جزءاً من حملة إسرائيلية جارية في غزة، ويبدو أن الاغتيال حدث بشكل غير مُخطط مُسبقاً، حيث لم يكن لدى القوات الإسرائيلية معلومات استخباراتية مُحددة عن تواجد السنوار في المبنى المُستهدف.
وقُتل أثناء تواجده في مبنى برفقة مُقاتلين آخرين، وكان يرتدي جعبة عسكرية خلال الاشتباكات مع القوات الإسرائيلية.
بعد الاشتباك، أكدت الفحوصات الجينية (DNA) وفحوصات الأسنان، أن إحدى الجثث تعود إلى السنوار.
المعلومات لم تُمكّن من اغتياله
{ هل كانت هناك معلومات مُسبقة لدى القوات الإسرائيلية عن شخصية السنوار قبل اغتياله؟
- قبل اغتيال يحيى السنوار، كانت «إسرائيل» تمتلك معلومات مُسبقة عن شخصيته ودوره البارز في حركة «حماس».
فقد كان شخصية قيادية بارزة، ومُؤسساً لجناحها العسكري «كتائب عز الدين القسام»، وتمت معرفة العديد من التفاصيل حوله، نتيجة اعتقاله لسنوات طويلة لدى «إسرائيل».
خلال فترة اعتقاله، خضعت حالته الصحية والفحوصات الطبية، بما في ذلك الحمض النووي، لرقابة إسرائيلية، ما ساعد في تأكيد هويته بعد مقتله.
مع ذلك، لم تكن هناك معلومات استخباراتية مُحددة، في اللحظة التي استهدفت فيها القوات الإسرائيلية المبنى الذي كان يتواجد فيه.
وجاءت العملية، التي أدت إلى مقتله، نتيجة اشتباكات، ولم تكن مبنية على تخطيط مُسبق لاستهدافه مُباشرةً في ذلك الموقع.
الخروج من الأنفاق
{ لماذا خرج السنوار من الأنفاق؟
- يحيى السنوار كان معروفاً باستخدام الأنفاق كوسيلة للاختباء والتنقل، خاصة خلال الحروب والعمليات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة.
مع ذلك، أفادت بعض المصادر أن السنوار خرج من الأنفاق، بسبب مُتطلبات القيادة الميدانية، وتوجيه العمليات العسكرية لحركة «حماس» بشكل مُباشر.
وكونه رئيساً للمكتب السياسي للحركة، كان عليه أن يكون على اتصال مُستمر مع القيادات الميدانية، وأن يكون جزءاً من المعركة على الأرض.
هناك أيضاً تقارير تُشير إلى أن السنوار كان يرى أهمية في البقاء قريباً من مُقاتليه، ومُواجهة الاحتلال الإسرائيلي بشكل مُباشر، وهو ما قد يُفسر خروجه من النفق خلال الاشتباكات التي أدّت في النهاية إلى مقتله.
قد يكون السبب الآخر، هو طبيعة المعركة التي كانت مُستمرة في تلك اللحظة، حيث كانت الاشتباكات مع القوات الإسرائيلية في مناطق مثل تل السلطان تتطلب وجوده خارج الأنفاق.
الأسرى في أماكن سرية
{ لماذا لم يكن مع السنوار الرهائن والأسرى الإسرائيليين؟
- عندما تم اغتيال يحيى السنوار في اشتباك مع القوات الإسرائيلية في منطقة تل السلطان، لم يكن معه أسرى إسرائيليون.
بحسب القوات الإسرائيلية، لم يكن هناك أي مُؤشرات على وجود أسرى إسرائيليين، في المبنى الذي تم استهدافه خلال الاشتباك.
من المُحتمل أيضاً أن الأسرى، قد يكونوا مُحتجزين في مواقع أخرى، تحت حراسة مُشددة، وفي أماكن سرية، بعيداً عن الأماكن التي يُمكن أن يتواجد فيها القادة السياسيون.
عادةً ما تتبع «حماس» إجراءات صارمة في إخفاء الأسرى، لتجنب تعرضهم لعمليات إنقاذ أو ضربات مفاجئة.
التعرّف على جثة السنوار
{ كيف تعرّف جيش الاحتلال الإسرائيلي على جثة السنوار؟
- القوات الإسرائيلية تعرّفت على جثة يحيى السنوار من خلال وسائل علمية عدة، حيث تم الاعتماد على تحليل الحمض النووي (DNA) وفحوصات الأسنان.
بعد الاشتباك في منطقة تل السلطان - جنوب قطاع غزة، تم العثور على جثث أشخاص عدة، واشتبهت القوات الإسرائيلية في أن إحدى الجثث تعود للسنوار.
للتأكّد من هويته، تم أخذ عينات من الجثة، ومُقارنتها بالبيانات المُتاحة لديهم من فترة اعتقاله السابقة في السجون الإسرائيلية، حيث كان لديهم ملف طبي يحتوي على فحوصات الأسنان والحمض النووي.
هذا التحليل الحاسم، جاء بعد ساعات من الاشتباه الأولي، وتم إعلان النتيجة النهائية، بناءً على تطابق الحمض النووي مع العينات المُخزنة.
من كان مع السنوار؟
{ من كان مع السنوار من مسؤولي حركة «حماس» حين اغتياله؟
- خلال عملية الاغتيال التي استهدفت يحيى السنوار، كان معه قيادي آخر من حركة «حماس».
تُشير التقارير، إلى أنه كان يرتدي جعبة عسكرية أثناء الاشتباك مع القوات الإسرائيلية في منطقة تل السلطان برفح - جنوب قطاع غزة.
لم يتم تحديد هوية المسؤول الآخر بشكل واضح، في المصادر المُتاحة، لكن وجوده يُشير إلى أنه كان برفقته بعض القادة الميدانيين خلال الاشتباكات.
من المعروف أن القيادات العسكرية والسياسية في «حماس»، تعمل عادة في مجموعات صغيرة خلال الأزمات، لتجنّب استهدافهم بسهولة.
فشل اغتيال السنوار سابقاً
{ هل كان بإمكان القوات الإسرائيلية اغتيال السنوار قبل الآن؟
- «إسرائيل» كانت تملك معلومات طويلة الأمد عن يحيى السنوار، بحكم اعتقاله سابقاً في سجونها لفترة طويلة، ولعبه دوراً بارزاً في قيادة حركة «حماس».
مع ذلك، استهدافه أو اغتياله لم يكن مُمكناً بشكل دائم بسبب عوامله عدة:
1- التواجد تحت الأرض: السنوار كان معروفاً باستخدام الأنفاق، والاختباء في مواقع سرية لتجنب الاستهداف.
هذه الأنفاق كانت جزءاً من استراتيجية «حماس»، للحفاظ على قياداتها، بعيداً عن مُتناول القوات الإسرائيلية.
2- حملات الاغتيال السابقة: «إسرائيل» حاولت سابقاً استهداف قيادات «حماس» في غزة، لكن لم تنجح في الوصول إلى السنوار مُباشرة، على الرغم من استهداف العديد من القادة العسكريين والسياسيين في عمليات أخرى.
السبب الرئيسي، هو الطبيعة الحذرة لتحركات السنوار، ووجوده المُستمر في مواقع مُحصنة ومخفية.
3- التغيّرات السياسية: هناك فترات كانت «إسرائيل» تتجنب فيها تصعيد الأوضاع باغتيال قادة كبار مثل السنوار، خصوصاً في ظل مُحاولات التهدئة أو المُفاوضات غير المُباشرة بشأن الأسرى والتهدئة مع غزة.
باختصار، على الرغم من معرفة «إسرائيل» بشخصية السنوار وتحركاته، كانت هناك تحديات تقنية وسياسية، تمنع استهدافه بشكل مُباشر في فترات سابقة.
تولّي المسؤوليات في غزة
{ من سيتولى مسؤوليات السنوار في قطاع غزة؟
- بعد اغتيال يحيى السنوار، من المُتوقع أن يتم تولي مسؤولياته من قبل أحد القيادات البارزة داخل حركة «حماس» في قطاع غزة.
القيادة في «حماس» تتمتع بهيكل هرمي، ويتواجد العديد من الشخصيات القيادية، الذين قد يشغلون منصب السنوار كرئيس للمكتب السياسي للحركة في غزة.
من أبرز الأسماء المُحتملة: خليل الحية: الذي يُعتبر من الشخصيات البارزة في المكتب السياسي لحركة «حماس»، وله تاريخ طويل في القيادة، وغالباً ما يُطرح اسمه كأحد الخيارات لتولي مناصب عليا.
بعد اغتيال السنوار، الانتقال إلى قيادة جديدة يعتمد على مدى حاجة الحركة لتعويض السنوار بسرعة، بالإضافة إلى توجيهات وتوصيات القيادة المركزية في الخارج.
دور محمد السنوار
{ كيف ستكون قيادة «كتائب القسام» في غزة، وما هو دور شقيق يحيى السنوار، محمد السنوار في ذلك؟
- بعد مقتل يحيى السنوار، يُتوقع أن يتولى محمد السنوار، شقيقه الأصغر، دوراً مُهماً في قيادة حركة «حماس» في غزة.
وهو يُعتبر قائداً عسكرياً بارزاً، وقد لعب دوراً مُهماً في العمليات، مثل اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وتطوير شبكة الأنفاق في غزة، التي تُعتبر واحدة من أعقد المشروعات العسكرية لحركة «حماس».
كما أنه شغل سابقاً منصب قائد «لواء خان يونس» في «كتائب عز الدين القسام».
ومحمد السنوار كان لفترة طويلة «رجل الظل» و«الميت الحي»، حيث أُعلن عن وفاته في السابق، لكنه ظل نشطاً خلف الكواليس.
بعد مقتل شقيقه، يُرجح أن يكون هو الشخص الذي قد يحلّ مكانه في قيادة الحركة العسكرية في غزة.
هذه إجابات الذكاء الاصطناعي بشأن ما يتعلق بالشهيد يحيى السنوار، الذي اختار طريق النضال من أجل تحرير فلسطين، وأمضى 24 عاماً في سجون الاحتلال الإسرائيلي، القسم الأكبر منها في «سجن عسقلان»، المُشاد على أرض مدينة عسقلان، الذي تعود أصول عائلته إليها، والتي احتلت في العام 1948، وذاق بعدها طعم الحرية على مدى 13 عاماً، وأضحى مُطارداً، وعاد الاحتلال اليوم ليأسر جثمانه، ويعمد إلى استغلاله في عملية التفاوض لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين!