الكاتب:
وائل زبون
مشروع "الشرق الأوسط الجديد" هو خطة استراتيجية تهدف إلى إعادة تشكيل الخارطة الجيوسياسية للشرق الأوسط بما يخدم مصالح إسرائيل والدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة. هذا المشروع لا يقوم فقط على الصراعات العسكرية أو السياسية، بل يتغلغل في الاقتصاد، التحالفات الإقليمية، والأنظمة الاجتماعية للدول العربية. هذه الخطة التي تعزز النفوذ الإسرائيلي تشمل عدة أهداف استراتيجية سنوضحها هنا بالتفصيل.
الأهداف الاستراتيجية لمشروع "الشرق الأوسط الجديد"
1. تعزيز الهيمنة الإسرائيلية:
o التوضيح: أحد الأهداف الرئيسية للمشروع هو تثبيت إسرائيل كقوة إقليمية عظمى في المنطقة، عبر تطبيع العلاقات مع دول عربية وتحويل إسرائيل من دولة تواجه "عداءً" إلى دولة حليفة للدول العربية. هذا يعني أن إسرائيل لن تظل فقط "موجودة"، بل ستصبح لاعبًا أساسيًا في صنع القرار الإقليمي، يتمتع بمكانة رائدة في مجالات مثل التكنولوجيا، الأمن، والاستخبارات.
o كيف يتحقق: يتم تعزيز هذا الهدف عبر التحالفات الاستراتيجية مع دول الخليج وشرق المتوسط، وتطبيع العلاقات الاقتصادية والعسكرية. أيضًا، استخدام النفوذ السياسي والإعلامي العالمي لتشويه صورة المقاومة الفلسطينية وتوجيه الأنظار إلى قضايا "الإرهاب" والتهديدات الخارجية.
2. تقسيم الدول العربية:
o التوضيح: من أكثر الوسائل فعالية في تعزيز الهيمنة الإسرائيلية هو تفتيت الدول العربية الكبرى إلى كيانات أصغر ضعيفة وغير قادرة على مواجهة إسرائيل عسكريًا أو سياسيًا. الفكرة هنا تعتمد على أن ضعف الدول المحيطة بإسرائيل يعزز من أمنها وتفوقها. يتم تفكيك هذه الدول بناءً على الطائفية والعرقية، كما شهدنا في العراق وسوريا وليبيا.
o كيف يتحقق: استخدام الصراعات الداخلية كأداة لإضعاف الحكومات المركزية وتشجيع النزاعات الطائفية والعرقية. كما يتم التدخل عبر دعم فصائل معينة على حساب أخرى، مما يؤدي إلى تفكيك الوحدة الوطنية.
3. التطبيع الاقتصادي:
o التوضيح: يسعى المشروع إلى دمج إسرائيل في الاقتصادات العربية، ليس فقط عبر التجارة التقليدية، بل من خلال إقامة شراكات في التكنولوجيا، الطاقة، والبنية التحتية. الهدف هنا هو تحويل إسرائيل إلى مركز اقتصادي رئيسي في المنطقة بحيث يعتمد جيرانها العرب على اقتصادها.
o كيف يتحقق: تتم صفقات التطبيع الاقتصادي عبر شراكات تكنولوجية (مثل التعاون في مشاريع البنية التحتية والطاقة المتجددة) واتفاقيات التجارة الحرة، إضافة إلى تعزيز الاستثمار الإسرائيلي في الدول العربية.
4. السيطرة على الموارد الطبيعية:
o التوضيح: الشرق الأوسط غني بالموارد الطبيعية، خاصة النفط والغاز، ويمثل ذلك جزءًا كبيرًا من الاستراتيجية التي تسعى إلى ضمان سيطرة القوى الغربية وإسرائيل على هذه الموارد الحيوية. الهدف هو تأمين مصادر الطاقة بشكل يخدم الاقتصاد العالمي ويعزز نفوذ إسرائيل على حساب دول المنطقة.
o كيف يتحقق: عبر التحالفات الاقتصادية التي تضمن تدفق الموارد إلى الغرب وإسرائيل، واستغلال حالة الفوضى في الدول المنقسمة لتوقيع عقود استثمار طويلة الأمد في قطاع الطاقة.
كيفية مواجهة الفلسطينيين لمشروع "الشرق الأوسط الجديد"
كون الفلسطينيين في طليعة مقاومة هذا المشروع، فهم يمثلون العقبة الأساسية أمام تحقيق الأهداف الإسرائيلية الكاملة. لمواجهة هذه الخطة، يجب على الفلسطينيين التركيز على عدة محاور أساسية:
1. الوحدة الوطنية:
o التوضيح: الانقسام بين الفصائل الفلسطينية هو أحد أكبر نقاط الضعف التي تستغلها إسرائيل. يجب على الفلسطينيين تجاوز الخلافات الداخلية وتوحيد جهودهم تحت مظلة استراتيجية وطنية شاملة. الوحدة لا تعني فقط الاندماج السياسي بين الفصائل، بل تعني التعاون والتنسيق في كافة المجالات لتحقيق الأهداف الوطنية.
o كيف يتحقق: تحقيق مصالحة حقيقية بين حركتي فتح وحماس، والعمل على إنشاء حكومة وطنية موحدة تكون قادرة على تمثيل الفلسطينيين في المحافل الدولية. يجب أن تكون هناك آلية مشتركة لصياغة القرارات وتحقيق الأهداف الوطنية.
2. تطوير سردية إعلامية دولية:
o التوضيح: الإعلام هو أحد أسلحة إسرائيل الفعالة في ترويج نفسها كضحية وتهميش النضال الفلسطيني. الفلسطينيون بحاجة إلى بناء سردية إعلامية مضادة قادرة على كشف الحقائق أمام المجتمع الدولي، والتركيز على الحقوق الفلسطينية وفق القوانين الدولية.
o كيف يتحقق: يجب الاستثمار في وسائل الإعلام الجديدة والمنصات الرقمية للوصول إلى جمهور عالمي، مع التركيز على بناء رواية موحدة تعتمد على الحقائق التاريخية والقانونية. يجب أن يكون للفلسطينيين حضور قوي في الإعلام الغربي ويجب تنظيم حملات دولية لتعزيز القضية.
3. تعزيز المقاومة:
o التوضيح: المقاومة وبما فيها المقاومة الشعبية هي أداة فعالة لكسب تأييد العالم ضد الاحتلال الإسرائيلي. من خلال المظاهرات، والإضرابات، وحملات المقاطعة، يستطيع الفلسطينيون لفت انتباه المجتمع الدولي إلى جرائم الاحتلال.
o كيف يتحقق: تنظيم مظاهرات في المدن والقرى الفلسطينية، والعمل على بناء حركة مقاطعة دولية فعالة ضد إسرائيل، مثل حركة "BDS". كما يجب تنسيق الجهود مع حركات التضامن الدولية لتوسيع نطاق الدعم.
4. التعاون الدولي والاقتصادي:
o التوضيح: فلسطين بحاجة إلى تعزيز علاقاتها الدولية مع الدول التي ترفض مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، خاصة الدول الصاعدة مثل الصين وروسيا، إضافة إلى تقوية العلاقات مع دول أمريكا اللاتينية وأفريقيا التي تظهر دعمًا للقضية الفلسطينية.
o كيف يتحقق: يجب توسيع العلاقات الاقتصادية مع الدول التي تدعم الحق الفلسطيني، والبحث عن فرص استثمارية بعيدًا عن السيطرة الإسرائيلية. إضافة إلى ذلك، يتطلب بناء شبكة من الدعم السياسي والاقتصادي لتعزيز صمود الفلسطينيين في وجه الحصار والضغوط.
الخاتمة: التحديات والمواجهة المستمرة
مشروع "الشرق الأوسط الجديد" ليس مجرد خطة لتحقيق مصالح اقتصادية وسياسية، بل هو مشروع طويل الأمد يهدف إلى تحويل المنطقة وتثبيت إسرائيل كقوة مهيمنة. يعتمد هذا المشروع على تقسيم الدول العربية وإضعافها، والسيطرة على مواردها الطبيعية، وإعادة صياغة التحالفات السياسية بما يخدم أهداف الغرب وإسرائيل.
لكن الفلسطينيين، الذين يمثلون قلب هذه المعركة، يمتلكون القدرة على مواجهة هذا المشروع من خلال الوحدة الوطنية، وتطوير رواية إعلامية قوية، وتعزيز المقاومة، وتوطيد علاقاتهم الدولية. فهم لا يقفون فقط ضد الاحتلال الإسرائيلي، بل ضد مشروع يستهدف تصفية القضية الفلسطينية واستبدالها بنموذج جديد للشرق الأوسط يهمش حقوقهم التاريخية.
المعركة طويلة وتحتاج إلى استراتيجيات متجددة تعتمد على التنسيق والتكامل بين الجهود الداخلية والدولية. ومع تزايد الضغوط والتحديات، فإن قدرة الفلسطينيين على الصمود والتكيف مع المتغيرات ستكون العامل الحاسم في تحديد مسار هذه المعركة. الفلسطينيون، كما كانوا دائمًا، في طليعة المقاومة، ويظلون الرمح الذي يواجه هذا المشروع الإقليمي والدولي بكل تحدياته