الإثنين: 25/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

أبواق صهيونية باللغة العربية

نشر بتاريخ: 28/10/2024 ( آخر تحديث: 28/10/2024 الساعة: 09:09 )

الكاتب:

رامي مهداوي

لم يكن غريبًا أن تنحرف بعض وسائل الإعلام العربية إلى تبنّي خطاب صهيوني مُعادٍ للمقاومة الفلسطينية، في صورة تُذهل حتى الإعلام الصهيوني نفسه. وفي حين أن بعض القنوات الغربية تُعيد النظر في مواقفها من القضية الفلسطينية وتقترب من كشف حقيقة الكيان الصهيوني ككيان عنصري يتبنى سياسات مناهضة للسلام والإنسانية، نجد أن قنوات عربية كـ"إم بي سي" و"العربية" لم تكتفِ بتبني الخطاب الصهيوني وحسب، بل تجاوزته في كثير من الأحيان إلى نشر دعايات تعمل بوضوح على شرعنة الاحتلال.

هذا النوع من الخطاب الموالي للاحتلال يتبدّى في استخدام مصطلحات تُعدّ خيانة للدم الفلسطيني وتضحياته؛ فالشهداء يصبحون "قتلى"، والعدوان يُعرف بـ"الحرب"، والمقاومة تختزل إلى "الإرهاب". ولا يخفى أن هذا الاستخدام للمصطلحات ليس انحرافًا لغويًا بريئًا، بل هو انعكاس لموقف سياسي منحاز، يطمس الحقيقة ويفرض رواية مستلبة من العدل والموضوعية.

إنَّ فهم الحرب كامتداد للسياسة بأدوات أخرى يوضح ارتباط الإعلام بدور مزدوج؛ فمن جهة يدّعي الموضوعية، ومن جهة أخرى يُصبح أداة سياسية فعّالة تستخدمها القوى المهيمنة لتحقيق مصالحها، وهذه الأداة تعيد رسم "الحقائق" بطرق تخدم استراتيجيات بعيدة المدى. وبهذا يتحول الإعلام الذي ينبغي أن ينقل الحقيقة إلى أداة دعاية مسيسة، تقوم بتخويف الشعوب وتضليلها، وتختار مفرداتها بعناية لتُلبّي هدفًا محددًا: بثّ الشك وزعزعة الإيمان بالمقاومة.

وإذ نرى كيف تعمد بعض القنوات العربية إلى استخدام توصيفات لا تتناسب إلا مع توجهات الاحتلال، فلابد لنا من الإشارة إلى "التواطؤ الإعلامي" الذي بات يُعرف عالميًا بـ"الصهيونية غير اليهودية". إنّ هذه الصهيونية تتجسّد في كل كيان أو إعلامي أو طرف سياسي يتبنّى خطاب الاحتلال ويدافع عن حقه المزعوم في السيطرة على فلسطين، مساندًا إياه علنًا أو بشكل مبطّن. وهذا النوع من التبنّي يخلق تحالفات عابرة للعرق والدين، تتكاتف فيها وسائل الإعلام مع المشروع الصهيوني لتجميل وجه الاحتلال وتبرير جرائمه.

إن ما يفعله الإعلام الموالي للصهيونية ليس مجرد تغطية إخبارية باردة؛ بل هو بناء مُحكم لرواية مغايرة تهدف إلى تشويه الحقيقة وتحويل الضحية إلى مجرم، والمقاوم إلى إرهابي، بل والدعوة إلى دعم الحرب الشاملة ضدّه. وهنا يتحول الإعلام من ناقل للوقائع إلى منصة دعائية متعمدة، تتلاعب بالصور والكلمات والمفاهيم في إطار يسعى لإعادة تشكيل الوعي الجمعي وفق رغبة الممولين.

في خضم هذه المعركة الإعلامية، يظهر لنا بوضوح كيف أن حرب المصطلحات أشدّ فتكًا من الحروب العسكرية؛ إذ تحاول وسائل الإعلام هذه ليس فقط تبرير مواقفها بل أيضاً تقويض إيمان الشعوب العربية بالقضية الفلسطينية وحقها المشروع في المقاومة. إن أسلوب الدعاية هذا يعتمد على تشويه صورة المقاومة وتصويرها كعبثية وفاشلة، مستغلين الفجوة العاطفية والتشتت الإعلامي لبثّ رسائل تهدف إلى زرع الشك والفتنة داخل صفوف الشعب الفلسطيني وأمّته العربية.

وبالرغم من زعم هذه القنوات الحيادية، إلا أنها بذلك تتورط في تلميع صورة الاحتلال، مروجة لروايته التي تسعى لإظهار المقاومة كتهديدٍ محض يجرّ الويلات. ولعل ردود الفعل الشعبية العربية تجاه تقرير "إم بي سي" الأخير هو خير دليل على وعي الشعوب العربية بمدى انحراف هذه القنوات عن رسالتها الإعلامية. في النهاية، تنكشف بوضوح ألاعيب الخطاب الإعلامي المتواطئ مع الاحتلال، حيث ينهار قناع الحيادية أمام صرخات الضمير العربي، الذي لا يزال يؤمن بالحق الفلسطيني في تحرير أرضه.

ما تُمارسه بعض القنوات ليس إلا امتدادًا للدعاية الصهيونية بأدوات عربية، تستهدف تزييف الوعي وزرع الرهبة من المقاومة لدى الجمهور العربي، وتصويرها كمغامرة عابثة بلا جدوى. إن الإعلام الصهيوني يعتمد على أذرع محلية تعمل بكل قوة لتشتيت الانتباه عن القضايا الأساسية، وتحويل الأنظار إلى أهداف تضعف التضامن مع القضية الفلسطينية وتشتت الجهود الشعبية في مواجهتها.