الكاتب: اسامة خليفة
شهدت القاهرة تواجداً فلسطينياً متعدداً متزامناً، على مستوى قيادات عليا من فتح وحماس والسلطة الفلسطينية، في جولة حوار من أجل تشكيل لجنة لإدارة شؤون قطاع غزة، وحضور فعاليات المنتدى الحضري العالمي، في هذا التوقيت الذي يحمل دلالات توحي بتحليلات وتساؤلات من واقع الحال، هل تعمل اللجنة بوجود الاحتلال لحين الانسحاب الشامل؟. أم هل اقتربت الحرب من نهايتها؟. هل اللجنة المقترحة هي بديل حكومة الوفاق الوطني التي جرى الاتفاق على تشكيلها في لقاء الفصائل السابق في بكين أواخر تموز الماضي؟. هل هو اقتراح للالتفاف على قرارات اجتماع بكين؟. هل هي صيغة لامركزية في إدارة شؤون غزة بصلاحيات بعيداً عن السلطة في رام الله؟. هل يمكن اعتبارها صيغة لعدم فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة ؟. في التزامن، بين لقاء فتح - حماس في القاهرة وزيارة الرئيس الفلسطيني للقاهرة، والوفد المشارك في فعاليات المنتدى، هل من علاقة؟. أم هذا التزامن نتاج حراك ناشط تستدعيه تطورات الأحداث ؟.
اجتمع يوم السبت 2/11/2024 مسؤولون من حركة فتح وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في إطار السعي لتحقيق الوحدة الفلسطينية، يأتي لقاء فتح - حماس استكمالاً لجولة حوارات انطلقت في التاسع من شهر تشرين الثاني الماضي، برعاية مصريّة، لتوحيد جهود الصفّ الوطنيّ، من خلال توحيد الرؤى حول قطاع غزة بعد الحرب وما سيكون عليه الوضع في القطاع، بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي، وكان قادة من حماس ومن فتح اجتمعوا في القاهرة الشهر الماضي لبحث تشكيل لجنة لإدارة الحكم في قطاع غزة، إلّا أنّ الخلافات كانت تتركّز حول مرجعيّة هذه الإدارة وآليّة تشكيلها، تأجلت المحادثات لمناقشتها في وقت لاحق. وحول هذا الموضوع، ذكر أن حماس طلبت في اللقاء السابق مع فتح أن يكون مصدر صلاحيات هذه اللجنة من مختلف الفصائل الفلسطينية، إلا أن حركة فتح أصرت على أن تكون هذه اللجنة جزءاً من حكومة السلطة الفلسطينية، وبأمر يصدر من رئاسة السلطة الفلسطينية، تكون حكومة السلطة الفلسطينية مصدر صلاحيات هذه اللجنة.
وقد نقلت المصادر عن حماس، أنها متمسّكة بـ«إعلان بكّين»، وبحكومة توافق وطنيّ، تدير كلّ من الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة. ويجب أن يكون هناك إجماع وطنيّ على المرجعيّة إذ اعتبر وفد حماس أنّ هذه الحكومة تعدّ الخيار الأنسب لضمان الوحدة الفلسطينيّة، وعدم فصل القرار الوطنيّ بين الضفّة والقطاع.
حسب ما كان متوقعاً تم الإعلان عن صيغة توافقية حول هذه اللجنة حيث تمت الإشارة إلى تمكن مصر من إحداث تحول في موقف حماس تجاه الاقتراح المصري، بحيث تتشكل اللجنة من شخصيات فلسطينية تكنوقراط مستقلة، تصدر بمرسوم رئاسي من الرئيس الفلسطيني محمود عباس وذلك لمعالجة مسألة من سيدير قطاع غزة بعد انتهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من عام، من ضمن مهامها في إدارة قطاع غزّة، إعادة تشغيل معبر رفح الحدوديّ مع مصر، والشروع في إعادة إعمار ما دمّرته الحرب الإسرائيليّة.
يتحدث المقترح المصريّ عن تشكيل هيئة إداريّة لقطاع غزّة يطلق عليها اسم «اللجنة المجتمعيّة لمساندة أهالي قطاع غزّة»، تتولّى مهمّة إدارة الشؤون المدنيّة وتوفير المساعدات الإنسانيّة في قطاع غزة، وإنشاء لجنة لإعادة الإعمار، وتنفي مصر أن يكون لها رؤية خاصة بها لمسألة إدارة القطاع إذ تقول: أن «الاجتماعات شأن فلسطيني خالص والجهود المصرية هدفها توحيد الصف الفلسطيني وعدم فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة والتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني». وتنظيم إدخال مزيد من المساعدات الإنسانية للقطاع، وربما ستكون مسؤولة عن إدارة الجانب الفلسطيني من معبر رفح.
من المعروف أن إسرائيل ترفض أن يكون لحماس أي دور في غزة بعد انتهاء الحرب، وتقول إنها لا تثق أيضاً في السلطة الفلسطينية بقيادة عباس لإدارة القطاع. فماذا يعني تشكيل هذه الهيئة في هذا الوقت؟. هل تستبق زيارة وزير الخارجية الأميركي بلينكن للمنطقة؟. أم هل تتوقع القاهرة أن اليوم التالي من منظور إسرائيلي في إدارة القطاع من قبل حاكم عسكري إسرائيلي قد ذهب أدراج الرياح بناء على نتائج الميدان؟. كما فشلت الرؤية الأميركية في إدارته من قبل لجنة عربية أوروبية.
يوم الأحد 3/11 وصل الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى العاصمة المصرية، في زيارة رسمية استمرت يومين للمشاركة في الجلسة الافتتاحية لأعمال المنتدى الحضري العالمي، التقى خلالها نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، للبحث في التطوّرات السياسيّة والميدانيّة، وقضايا وقف العدوان على قطاع غزّة ، وسُبل إنجاح جهود مصر، والشركاء الآخرين، لوقف حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وحمايته، وإغاثته، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب المستمرة على الشعب الفلسطيني، وحشد الجهود كافة لإنهاء الاحتلال الاسرائيلي لأرض فلسطين، وإقامة دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة المتصلة جغرافيا والقابلة للحياة، وعاصمتها القدس.
أكد الرئيس المصري في اللقاء الثنائي موقف مصر الثابت الداعم للسلطة الفلسطينية، وضرورة توحيد الجهود للحفاظ على مقدرات الشعب الفلسطيني، وحقوقه المشروعة في إقامة دولته وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، ورفض مصر أي مساع أو محاولات لتصفية القضية الفلسطينية، وأعرب الرئيس الفلسطيني عن تقديره لجهود مصر المستمرة والدؤوبة لمساندة حقوق الشعب الفلسطيني، والتحركات التي تبذلها مصر على مختلف المستويات لدعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
وكان المتحدث الرسمي قد أوضح أن الرئيسين بحثا جهود وقف الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني بقطاع غزة والانتهاكات في الضفة الغربية، وأهمية أن يتخذ المجتمع الدولي موقفاً واضحاً وحاسماً تجاه تلك الممارسات، على نحو ينهي الكارثة الإنسانية التي تعصف بالمواطنين الفلسطينيين بالقطاع.
يأتي اللقاء بعد أيام من طرح مصر مبادرة لوقف إطلاق النار في غزة، لمدة يومين لتبادل أربع رهائن مع بعض الأسرى الفلسطينيين، ثم التفاوض خلال عشرة أيام لتحويل الهدنة لدائمة.
وكان الرئيسان قد التقيا قبل أسبوعين في بكين خلال انعقاد اجتماع منظمة بريكس، وهذا اللقاء الثاني بين الرئيسين في أقل من شهر يدل على أهمية تبادل الرأي وتعزيز التعاون المشترك والتشاور حول كافة التطورات الجارية في فلسطين والإقليم والعالم.
خلال اللقاء تم مناقشة الاقتراح المصري لإدارة القطاع، كما سيتم بحثه خلال انعقاد القمة العربية الإسلامية التي دعت لها المملكة السعودية، لعقد «قمة متابعة عربية إسلامية مشتركة» بتاريخ 11 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، لبحث استمرار العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية ولبنان، والتطورات الراهنة في المنطقة. القمة المرتقبة ستطالب المجتمع الدولي بأن يتحمل مسؤولياته «لوقف العدوان الإسرائيلي وتفعيل حل الدولتين، بما في ذلك دعوة الدول التي لم تعترف بالدولة الفلسطينية إلى الإسراع في ذلك». «كذلك دعم الجهود التي تقودها الرياض لدعم القضية الفلسطينية، بما في ذلك التحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين الذي يعقد اجتماعه الأول حالياً في الرياض، إلى جانب المسائل المتعلقة بالمساعدات الإنسانية في ظل الدمار والمعاناة الكبيرة الناجمين عن الحرب».
في ذات الوقت، تواجد وفد وزاري، وفني فلسطيني لحضور فعاليات المنتدى في دورته الثانية عشرة، الاثنين 4/11 والذي ينظمه برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الموئل) بالتعاون مع الحكومة المصرية، لما لحضور دولة فلسطين في هذا المنتدى العالمي من أهمية. إذ يناقش مشاكل الفقر المدقع، وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، والأحياء الفقيرة، والاستبعاد الاجتماعي والتهميش، والتمييز على أساس النوع الاجتماعي، والأزمات الإنسانية، والصراع، وتلوث الهواء، وتغير المناخ، وارتفاع معدلات البطالة، وكلها مشكلات يعاني منها المجتمع الفلسطيني ولا سيما في قطاع غزة. والآمال تتعلق باستجابة منظمة للاحتياجات الملحة لسكان القطاع. وقد جاء في خطاب الرئيس الفلسطيني: أن إرساء قواعد الأمن والسلام سيفتح المجال واسعاً أمام تنفيذ برامج التنمية الحضرية المستدامة في فلسطين. وأضاف إن الاحتلال الإسرائيلي يفرض تحديات كبيرة تعيق جهود التنمية الحضرية المستدامة في أكثر من 60% من أرض الضفة الغربية وكامل مدينة القدس الشرقية.
أن الاحتلال يمارس جرائم إبادة وتطهير عرقي، ودمر أكثر من 80% من مساكن قطاع غزة ومرافقها ومستشفياتها ومدارسها، ويرتكب جرائم سرقة الأرض والموارد الطبيعية في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.
في بكين رحّبت حركة فتح بخيار «حكومة توافق وطنيّ»، وتراه أولويّة، لكن السلطة الفلسطينية تصر على تأجيل تشكيل حكومة وفاق وطني، وترى أن لا مجال سوى الذهاب نحو تشكيل إدارة لقطاع غزّة، ما يعني تجاوز مخرجات اتّفاق بكّين، الّتي أجمعت عليها الفصائل بما فيها فتح.