الكاتب:
أحمد عبدالوهاب
عندما يستهدف العدو الوطن، يجب أن تتوحد الصفوف، وتنتهي الخلافات والانقسامات، من أجل التصدي لمخطط العدو، حتى يتحقق الانتصار، ولكن الوضع في غزة جاء على عكس ما ذُكر، فحالة الانقسام بين حركة فتح، الممثل الشرعي للسُلطة الفلسطينية، وحركة حماس التي انقلبت على السُلطة في غضون عام 2004، دفعت العدو الإسرائيلي، لاستغلال الأزمة بين الطرفين وإشعالها، ليواصل جرائمه ومخططاته من أجل إنهاء القضية الفلسطينية، والاستيلاء على الأرض وتهجير أصحابها.
الوضع المأساوي الذي يشهده قطاع غزة، عقب عملية «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر 2024، يتطلب تضافر الجهود بين أبناء الوطن الواحد، وتحقيق الترابط وتجنب الخلافات، والتفكير في إعلاء مصلحة فلسطين، وهو ما تسعى إليه حركة فتح، وتبذل جهود مضنية، من أجل رأب الصدع، إلا أن حركة حماس لم تكن مرنة أمام محاولات إنهاء الخلافات، وتتمسك دائمًا بشروطها، وهو ما أدى إلى فشل كافة المحاولات التي قامت بها أطراف عدة لتوحيد الصفوف.
إصرار «حماس» على الانفراد بحكم غزة، ورفض محاولات عودتها للسُلطة الفلسطينية، دفع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، لوضع مخطط لحكم غزة، بعد القضاء على «حماس» - على حد زعمه - وهو منعطف خطير يهدد مسار حل القضية الفلسطينية، خاصة أن نتنياهو وضع سيناريو لإدارة غزة، بعد انتهاء الحرب، لا يتضمن أي دور لحماس، وبالتالي ستخسر الحركة كل شيئ، بعد تعرضها لخسائر كبيرة في قوامها، واغتيال أبرز اثنين من قادتها.
لابد أن تدك «حماس» أن حكومة نتنياهو الفاشية، لا تريد الوصول إلى وقف إطلاق النار، بل يواصل جيش الاحتلال العدوان ضد المدنيين العزل ببشاعة، أمام عجز المجتمع الدولي عن ردع الاحتلال. فشل المحاولات السابقة بين الطرفين، بسبب تمسك حماس بشروطها، انعكس بالسلب على المشهد في قطاع غزة، ويؤدي إلى إطالة الأمد في بقاء الاحتلال داخل القطاع، ويحقق ما تخطط له حكومة نتنياهو.
ليس من المطلوب أن تستسلم «حماس»، إنما تفكر جيدًا وتحتكم لصوت العقل، وهي تشاهد الخسائر المدمرة التي حلت على غزة، وآلاف الشهداء الذين دفعوا حياتهم ثمنًا لحرب لم يكونوا طرفًا فيها، لذلك يجب أن تدرك حماس، أن الوقت ليس في صالحها، وأن عدم انخراطها مع السلطة الفلسطينية، سيقود القضية إلى منعطف خطير، في ظل توحش الاحتلال، ورفض كافة محاولات ومساعي وقف إطلاق النار.
نتنياهو هو الأكثر احتياجًا لخروج آمن من غزة، خاصة في ظل استمرار وجود رهائن لدى حماس، واتجاه الأمور للتصعيد مع إيران وأذرعها في المنطقة، بعد اغتيال إسماعيل هنية في قلب طهران، وقيادات بارزة في حزب الله، ولذلك بات الخروج الآمن من غزة ضرورة مُلحة.
من المستحيل أن تتولى الحكم في غزة مؤسسة غير فلسطينية، وتأتي فكرة إعادة تنشيط السلطة الفلسطينية، التي تأسست عام 1994 بموجب اتفاق أوسلو، لذلك فإن السلطة الفلسطينية هي الأقرب لما يمكن أن يكون من حل واقعي لحكم غزة بعد الحرب.
كل السيناريوهات والمقترحات التي تم طرحها ومناقشتها في اجتماعات، وخرجت بها بيانات رسمية من الأطراف التي تشارك في محاولة إيجاد حل لوقف الحرب، غير مقبولة واقعيًا بدون وجود فعلي للسلطة الفلسطينية، صاحبة الحق الأصيل في إدارة قطاع غزة، وكل شبر على أرض فلسطين.
الأمر يتطلب قيام كافة الأطراف، بدعم السلطة الفلسطينية بشكل كامل وفوري، لاستعادة مكانتها وحقها في حكم غزة المسلوب، وهو الأمر الذي يُضعف قدرات حماس، ويعزز دور السُلطة الفلسطينية، لذلك من الضروري، عقد قمة عربية طارئة، للاتفاق ووضع خطة لمستقبل قطاع غزة، عقب وقف إطلاق النار.
لقد كانت السلطة الفلسطينية عقلانية في رفضها الانجرار إلى حفظ أمن غزة، دون الحصول على ضمانات بإطلاق مسار دبلوماسي يفضي إلى إقامة الدولة الفلسطينية، وساهمت الدول الأوروبية في الاعتراف بدولة فلسطينية تتمتع بكامل الحقوق والواجبات، التي تتمتع بها الدول المستقلة في، إعادة تقييم الأوضاع وإدراك الولايات المتحدة على صعوبة تنفيذ المخطط الإسرائيلي، بإنهاء القضية الفلسطينية وتهجير أهالي غزة.
لا أحد يستطيع إغفال الصفعة القوية التي وجهتها حماس لإسرائيل في 7 أكتوبر، ولكن أيضًا يجب أن تدرك الحركة، الثمن الباهظ الذي دفعه شعب غزة والقطاع بالكامل نتيجة لـ «طوفان الأقصى»، فقد حان الوقت أن تفكر حماس في مصلحة شعب غزة، وأن تقدم تنازلات خلال المشاورات الجارية مع حركة «فتح» التي تمثل السلطة الفلسطينية، لقطع الطريق أمام حكومة الاحتلال، التي تخطط لوضع سلطة عسكرية لإدارة قطاع غزة.
لذلك يجب على حركة حماس، استغلال المشاورات التي تستضيفها مصر، والتي تهدف في المقام الأول إلى إعلاء مصلحة قطاع غزة، ليس لإعلاء طرف على حساب الآخر، فالأمر أصبح لا يحتمل التشكيك في النوايا، أو إملاء شروط تعرقل وضع اتفاق نهائي بين الطرفين. ويجب على حماس أن تدرك جيدًا مساعي الاحتلال لإنهاء القضية والاستيلاء على الأرض، وهو ما يتطلب حدوث توافق في أسرع وقت، من أجل مصلحة غزة.