الكاتب: د. محمد عودة
ورد في مقال سابق عدد من اسماء الوثائق والشخوص وقد وعدتكم حينها بتناول الوثائق والشخوص بالتفصيل ومن بين الوثائق الواردة في المقال سالف الذكر الكتاب الأبيض.
يعد الكتاب الابيض وثيقة سياسية أصدرتها الحكومة البريطانية بقيادة نيفيل تشامبرلين، ردًا على ثورة فلسطين 1936، وبعد الموافقة الرسمية عليها في مجلس العموم في 23 مايو 1939، استخدمت كسياسة لحكم فلسطين الانتدابية حتى رحيل بريطانيا عام 1948 وعلى إثر ذلك أُحيل الانتداب إلى الأمم المتحدة.
تمت صياغة الكتاب الأبيض للمرة الأولى في مارس 1939 من جانب الحكومة البريطانية وذلك نتيجة فشل مؤتمر لندن في نفس العام، دعا الكتاب الابيض إلى إقامة وطن قومي لليهود في دولة فلسطينية مستقلة في غضون 10 سنوات مما يعد رفضاً لتوصيات اللجنة الملكية المسماة لجنة بيل - ( التي اوصت بتقسيم فلسطين إلى دولتين، واحدة عربية والأخرى يهودية )- كما حدد الكتاب عدد اليهود المسموح لهم بالهجرة خلال خمس سنوات ب 75000 مهاجرا، كما قضى الكتاب بأن مزيداً منهم تحدده الأغلبية العربية، كما منع الكتاب اليهود من شراء الأراضي العربية في جميع الأراضي باستثناء 5٪ من أراضي الانتداب.
لم يلبي الكتاب الأبيض المطالب السياسية التي اقترحها الممثلون العرب خلال مؤتمر لندن وقد مثل الأحزاب العربية (فؤاد سابا ويعقوب الغصين وموسى العلمي وأمين التميمي وجمال الحسيني وعوني عبد الهادي وجورج أنطونيوس وألفريد روش) ومثل الحكومة البريطانية (نيفيل تشامبرلين. إدوارد وود، مالكوم ماكدونالد) وبناءً عليه تم رفضه رسميا من قِبل ممثلي الأحزاب العربية الفلسطينية الذين ورد ذكرهم سالفا بينما كان حزب الدفاع الوطني مستعدا لقبول المشروع.
اما الجماعات الصهيونية في فلسطين فقد رفضت الكتاب الأبيض وبشكل فوري، إضافة الى قيادة حملة من الهجمات على الممتلكات الحكومية استمرت لعدة أشهر، وفي 18 مايو دعت هذه المجموعات إلى إضراب يهودي عام.
قبل صدور الكتاب الأبيض وبالتحديد في يونيو 1922، وافقت عصبة الأمم على الانتداب على فلسطين، اعتبارًا من سبتمبر 1923، وصدرت وثيقة تحدد مسؤوليات وسلطات الإدارة البريطانية في فلسطين، بما في ذلك تأمين إنشاء الوطن القومي اليهودي» و «حماية المدنيين». والحقوق الدينية لجميع سكان فلسطين.
في سبتمبر 1922، قدمت الحكومة البريطانية مذكرة شرق الأردن إلى عصبة الأمم تنصُّ على استبعاد إمارة شرق الأردن من جميع الأحكام المتعلقة بالاستيطان اليهودي، وفقًا للمادة 25 من الانتداب، وتمت الموافقة في 23 سبتمبر.
إن تجسيد وعد بلفور لا يسعى الى تحويل فلسطين إلى دولة يهودية ضد إرادة السكان العرب، وقد عبرت حكومة الملك بشكل لا لبس فيه أنه ليس جزءًا من سياستها أن تصبح فلسطين دولة يهودية، وان حكومة جلالته ستعتبر تحويل فلسطين الى دولة يهودية مخالفاً لالتزاماتهم تجاه العرب الفلسطينيين.
يشار الى انه في يونيو 1939 وبعد أسبوعين من الاجتماعات مع الممثل البريطاني إس.إف. نيوكومب، وافق جمال الحسيني رئيس المندوبين العرب الفلسطينيين إلى مؤتمر لندن، وزميله المندوب موسى العلمي على بنود الكتاب الأبيض، ووقع كلاهما على نسخة منه بحضور رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد.
في الجانب اليهودي ورداً على الكتاب الأبيض، بدأت جماعة أرجون اليمينية الصهيونية في صياغة خطط لطرد البريطانيين وإقامة دولة يهودية مستقلة، فقد اقترح زئيف جابوتنسكي مؤسس منظمة أرجون خطة للتمرد في أكتوبر 1939، أرسلها إلى القيادة العليا للأرجون في ستة رسائل مشفرة ارتكزت على تهريب اليهود عبر القوارب إضافة الى احتلال مقرات حكومة الانتداب.
بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية أعلن رئيس الوكالة اليهودية في فلسطين، دافيد بن غوريون: سنقاتل الكتاب الأبيض وكأنه لا حرب، ونخوض الحرب وكأنه لا يوجد كتاب أبيض.