الإثنين: 23/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

قمة الرياض ، الإرادة السياسية وأستقلالية آليات التنفيذ هي الأهم .

نشر بتاريخ: 13/11/2024 ( آخر تحديث: 13/11/2024 الساعة: 10:30 )

الكاتب: مروان اميل طوباسي

مع انعقاد القمة العربية الإسلامية الطارئة في الرياض، شهدنا إصدار بيان ختامي يشتمل على قرارات عدة لمواجهة عدوان الإبادة والاقتلاع والتهجير الإسرائيلي على غزة كما والعدوان على لبنان ، وتأكيدا على دعم حقوق الشعب الفلسطيني في وجه جرائم الاحتلال واستمراره . ومع أن هذه القرارات قد تبدو قوية ومؤثرة وتشكل رسالة الى المجتمع الدولي وبشكل خاص للرئيس الجديد ترامب ، إلا أن التحدي الأكبر يكمن في الإرادة السياسية وأستقلالية القرار لتنفيذها فعليا على الأرض ، خاصة في ظل تعقيدات النظام الدولي الحالي والتوازنات الإقليمية التي تعيق إمكانية تحقيق خطوات ملموسة الى حدود كبيرة ، ليكون التخوف بان تبقى حبرا على ورق كالعديد غيرها من قرارات القمم السابقة في غياب الإرادة والقدرة على المواجهة .

بالمقابل فان التصريحات التي أدلى بها نتنياهو ووزير المالية سموتريتش حول ضم الضفة الغربية واستحالة إقامة دولة فلسطينية تمثل رؤية حكومة الأحتلال وتحديها لمخرجات القمة ومن جهة اخرى رسالة بمقابل قرارات القمة الى ترامب ايضا . وهي تأتي بمثابة تحدي سافر ورفض صريح للقرارات التي طالبت بوقف عدوان الإبادة الجاري وبدعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة ومتواصلة على ما قبل حدود ٤ حزيران عام ١٩٦٧ ، وهي القرارات التي تعكس التوافق العربي والإسلامي المُعلن بشأن حقوق شعبنا الفلسطيني منذ عقود ، لكن دون التمكن من فرض تنفيذها .

هذه الرسائل الصادرة أمس تشير مجددا إلى تمسك الحكومة الإسرائيلية ببرنامجها في تنفيذ الرؤية الصهيونية ، مما يضع المنطقة أمام تحديات جديدة ، خاصة أن الموقف الرسمي الإسرائيلي الحالي لا يترك مجالاً للمفاوضات أو فتح افق سياسي . هذه التصريحات قد تزيد من تعقيد المشهد وتؤدي إلى ردود فعل من دول المنطقة التي تسعى للحفاظ على استقرارها وأمنها وسط تصاعد التوترات وغضب شعوبها ، وهي تصعيد سياسي يترافق مع ما يجري على الارض في كل فلسطين وتحديدا اليوم في شمال غزة من تنفيذ ما يسمى بخطة الجنرالات ، الامر الذي يستدعي من طرفنا نحن الفلسطينين تنفيذ أتفاق بكين الموقع بين كل فصائل العمل الوطني بالسرعة الممكنة لنساهم بجدية بعيدا عن أية تدخلات في شأن قرارنا المستقل في مواجهة هذه التحديات ، وتقديم الدعم العربي والإسلامي لهذا الإتفاق في اطار التمسك بوحدانية وشرعية وتطوير دور منظمة التحرير الفلسطينية .

من بين القرارات الرئيسية التي تبنتها القمة كانت حشد الجهود من اجل تجميد عضوية إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو قرار لا يتطلب موافقة مجلس الأمن بل يحتاج فقط إلى تأييد ثلثي الأعضاء في الجمعية العامة . تسعى القمة بذلك إلى تسليط الضوء على جرائم اسرائيل وعزلها دوليا، وهو توجه مهم إذا ما تمكنت الدول العربية والإسلامية من حشد الدعم الكافي لهذه الخطوة ، بما تمثله من استثمار سليم لنهوض التضامن الدولي مع كفاح شعبنا الفلسطيني ومسار عزل دولة الأحتلال باعتبارها دولة مارقة . بالإضافة إلى ذلك، طالبت القمة بفرض حظر على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، ودعم جهود مصر لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة بشكل فوري ومستدام ، مما يضع الجهود المصرية امام المسوؤلية في ممارسة الضغوطات المتاحة أمامها في حال توفر الإرادة .

ورغم أن هذه القرارات تعبر عن مواقف موحدة وتضامن واضح مع شعبنا ، فإننا ندرك أن هذه ليست المرة الأولى التي تصدر فيها مثل هذه القرارات في قمم مماثلة . فالقمم العربية والإسلامية السابقة تضمنت أيضا دعوات مشابهة لمقاطعة إسرائيل وحشد الدعم الدولي للفلسطينيين . لكن تبقى المشكلة هي عدم تنفيذها على أرض الواقع بسبب نقص الإرادة السياسية لدى بعض الدول والتحديات التي تفرضها التحالفات الإقليمية والدولية وخضوع البعض لإملاءات سياسية من جانب الإدارات الامريكية تعيق تنفيذ الحقوق الوطنية الفلسطينية غير القابلة للتصرف .

حيث يشكل الموقف الأمريكي تحديا رئيسيا في هذه المعادلة ، فالولايات المتحدة كانت ولا تزال الداعم الأكبر لإسرائيل بل والشريك الإستراتيجي لها ، مما يقلل من فرص تطبيق القرارات العربية والإسلامية بفعالية . فالولايات المتحدة، سواء بقيادة إدارة بايدن الحالية والراحلة أو حتى مع عودة ترامب للبيت الأبيض ، جميعها تسعى ضمن محددات العلاقة إلى دعم إسرائيل بشكل شبه مطلق ، وتتجنب الضغط عليها لوقف العدوان أو تغيير سياساتها ، الا فيما يشكل ضررا على المصالح الأمريكية .

إن استمرار التحدي الأمريكي وعدم التجاوب مع القرارات العربية يستدعي من الدول العربية والإسلامية تبني سياسات بديلة، تتمثل في بناء تحالفات جديدة مع القوى الصاعدة، مثل الصين وروسيا ودول مجموعة البريكس ومجموعة شنغهاي بما يتيح لها تعزيز نفوذها والاستقلال في قراراتها . هذه الاستراتيجية قد تسهم في محاولة إيجاد نوع من التوازن الذي يُمكنها من مواجهة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية.

إلى جانب ذلك ، تمتلك الدول العربية والإسلامية أدوات أخرى يمكن استخدامها للضغط ، مثل أشكال المقاطعة الدبلوماسية كما فعلت دول لاتينية ، والتحكم في صادرات النفط أو خفض التعاملات الاقتصادية مع الدول التي تدعم إسرائيل كما حدث في عام ١٩٧٣ . ولكن تبني مثل هذه السياسات يحتاج ايضا إلى تحدي سياسي حازم وجريئ ، وتنسيق متكامل بين الدول العربية والإسلامية لتحقيق الأهداف المنشودة .

وفي ضوء حضور إيران للقمة ، فإن إعادة النظر في العلاقات العربية-الإيرانية قد تكون خطوة استراتيجية لتجاوز خطاب "العدو الإيراني" الذي استخدمته إسرائيل والولايات المتحدة لسنوات في محاولة اقناع العرب والمسلمين به ليكون بديلا لمكانة العدو الإسرائيلي . يمكن لنتائج هذه القمة أن تكون منصة لبناء تعاون فعلي بين الدول العربية وإيران، بدلاً من الانخراط في صراع دائم يستنزف الجميع ويخدم مصالح أطراف أخرى ، ومن اجل استيعاب الدور الايراني بشكل ايجابي يُحد من محاولات تصدير إيديولوجية الثورة الإسلامية الى الدول المجاورة في غياب مشروع قومي عربي ، ليكون دورها منسجما مع رؤية سياسية لمنع تفرد دولة الأحتلال الإسرائيلي في قيادة مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي تسعى له الولايات المتحدة من خلال اعادة الرسم الجيوسياسي للأقليم في خدمة مصالحها من جهة ، وتأييد ومساندة الوحدة الوطنية الفلسطينية الواسعة لكافة فئات شعبنا في اطار منظمة التحرير وبرنامجها السياسي والكفاحي المتوافق عليه ، وفي دورها كممثل شرعي وحيد يتسع للكل الفلسطيني .

فالتعاون العربي-الإيراني-الاسلامي ، خاصة مع دول الخليج المجاورة ، قد يسهم في تحقيق استقرار إقليمي أكبر ووقف تدحرج توسع اتفاقيات أبراهام مع دولة الأحتلال . وهنا يمكن تكرار نموذج الاتفاق الإيراني-السعودي الذي جرى برعاية صينية، وتوسيع أطر التعاون الاقتصادي والأمني بما يخدم مصلحة الجميع . هذه الاستراتيجية ليست مجرد بديل للعداء ، بل ضرورة لضمان مصالح الدول العربية والإسلامية بعيدا عن هيمنة التحالفات الغربية ومصالحها الإستعمارية بالمنطقة اقتصاديا وعسكريا وسياسيا .

ففي ظل المتغيرات الإقليمية والتحولات الجارية في النظام الدولي التي يتوجب البناء عليها ، قد يكون هناك أمل في تحقيق بعض التأثير ، خاصة إذا توافقت الدول العربية والإسلامية على مواقف موحدة ومبادرات جدية للضغط على الساحة الدولية . لكن يبقى السؤال الأهم هو ، هل هناك إرادة سياسية حقيقية تدفع باتجاه تنفيذ هذه القرارات؟

إن أي قرار لا يرافقه دعم سياسي وإرادة لتنفيذه قد يصبح مجرد بيان آخر يُضاف إلى قائمة القرارات التي لم تُطبّق . ولهذا ، يتطلب الوضع الحالي إدراكا جديا بضرورة اتخاذ مواقف عملية ومستمرة امام المحرقة المستمرة لشعبنا ، وليس فقط الاكتفاء بإصدار بيانات أو قرارات دون متابعة وآليات تنفيذ واضحة بسقف زمني لإنهاء الأحتلال الذي يشكل جذر مشاكل وأزمات منطقة مشرقنا العربي .

وهو ما يحتاج إلى رؤية استراتيجية شاملة وتحالفات جديدة تعزز استقلالية القرار العربي والإسلامي وتجعله أكثر تأثيرا في النظام الدولي من خلال الاستخدام الأفضل للمصادر ومكامن القوة .