الكاتب:
تُختبر جدارة القيادة.. سواءً لدولة أو لثورة أو لحزب، ليس من خلال استثمار المزايا البديهية المتوفرة، وإنما من خلال معالجة المآزق وكيفية الخروج منها.
في حالتنا الفلسطينية، وذلك في عهد عرفات، كانت أزمة المكان هي التحدي الأكبر الذي واجهته الثورة الفلسطينية، إذ شاءت القوى المتفوقة عسكرياً وجغرافياً أن تُخرج الثورة أي وجودها العلني أولاً من أرضها التي احتلت بعد سنتين من انطلاقها، ثم من وجودها الحر على ساحة الأردن، ثم وجودها على ساحة سوريا بفعل الخلافات مع النظام واحتضانه للانشقاق عنها، ثم وجودها المبالغ فيه على الساحة اللبنانية، لتتبعثر على عدة ساحات خارج الوطن تجعل من فتح جبهة قتالية منها أمراً مستحيلاً.
جاهد عرفات ورفاقه للحيلولة دون أن تتحول أزمة المكان إلى أزمة وجود يفضي إلى نهايات مأساوية، كانت القيادة آنذاك وفي قلبها وعلى رأسها عرفات، تصوغ معادلة جديدة أساسها الحفاظ على القضية من التشتت والاندثار، وعلى منظمة التحرير من الانقراض، وعلى المشروع الوطني من الانتهاء.
خسائر الساحات كانت جسيمة، والمبادرات السياسية بما فيها مدريد وأوسلو، كانت غير مضمونة النتائج بل لم يكن عليها إجماع وطني بحجم الذي نشأ تجاه الثورة ومنظمة التحرير، إلا أن الأمر إذا ما قيس بالنتائج النسبية، فإن الحالة الفلسطينية وإن تردت من مأزق إلى آخر، إلا أن القضية الوطنية ظلت على قيد الحياة، والمشروع الوطني أن تعثر كثيراً إلا أنه لم ينقرض.
حركة حماس.. تواجه الآن أزمة المكان، فإن لم تكن خسرت غزة كقاعدة أساسية علنية قتالية وإدارية وكيانية، وإن لم تكن خسرت قطر كقاعدة اسناد خلفية حيوية، فهي أمام اختبار تتحدد نتائجه على ضوء كيفية الخروج من أزمة المكان، دون أن تؤدي هذه الأزمة إلى معضلة دور ووجود، عليها وحدها أن تجد الحلول وهنا تتبلور جدارة الخروج من المآزق أو الغرق فيها.