الكاتب:
السفير حكمت عجوري
في سنة 2000 اعدت لجنة اعداد الدستور المسودة الاولى لمشروع دستور دولة فلسطين وتم نشرها في الشهر الثاني من سنة 2001 وذلك بعد مئات الاجتماعات وورشات العمل مع المجتمع المدني وشخصيات سياسية واكاديمية وهذا ما جعل منه مرجعية ذات مصداقية من اجل حياة كريمة ضمن الممكن للمواطن ولكنها مرجعية وطنية اكثر منها قانونية في ظل بقاء الاحتلال الصهيوني العسكري وممارساته العنصرية وغير الانسانية وغير الاخلاقية.
الدستور او النظام الاساسي كما يفضل البعض تسميته يعني القانون الاعلى الذي يحدد القواعد الاساسية لشكل الدولة ونظام الحكم وشكل الحكومة وينظم السلطات العامة من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الاساسية للافراد والجماعات ويضع الضمانات له تجاه السلطة .
هذا التعريف يسهل علينا فهم كيفية فهم الدستور وتطبيقه في الحالة الفلسطينية الراهنة بهدف المساواة في الحقوق والواجبات لجميع لمواطنين بغض النظر عن معتقداتهم الدينية كاساس للمواطنة بالفهم الوطني الفلسطيني الذي يتناقض تماما مع وجود الاحتلال جاثما على الارض الفسطينية وفوق صدور المواطنين وهو الامر الذي جعل من الدستور الفلسطيني يفتقر لعموده الفقري الا وهو السيادة كما هو الحال مع دساتير كل الدول التي تنعم بالاستقلال والسيادة داخل حدود متعارف عليها دوليا والتي يكفلها ويصونها الاستقلال الوطني والسيادة على الارض وتحت رعاية وحماية القانون الدولي وهذا و كما اسلفت يجعل من الدستور الفلسطيني مرجعية وطنية واخلاقية اكثر منها قانونية او سياسية الى ان يزول الاحتلال الصهيوني عن أرض الدولة الفلسطينية وذلك بناء على قرارات الشرعية الدولية والى حين انجاز ذلك وتجسيده واقعا ملموسا كان لا بد من توفر ازدواجية في المرجعيات ما بين السلطة الوطنية المسؤولة عن حياة الفلسطينيين تحت كلبشات الاحتلال وبين منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده ومن اجل الخروج من هذه الازدواجية ومنعا للوصول الى حالة من الشيزوفرينيا في النظام السياسي الفلسطيني كان الحل الممكن يكمن في النظام الرئاسي في الحكم حيث يتولى فيه الرئيس المنتخب المناصب الثلاث وهي السلطة ومنظمة التحرير والدولة.
النظام الرئاسي في فلسطين بكل ما له وما عليه يعتبر النفق الوحيد وربما الاجباري للخروج من زنزانة الاحتلال وظلمه وجبروته من اجل الابقاء على الراية الفلسطينية مرفوعة على مباني الشرعية الدولية والصوت الفلسطيني مسموع والرواية الفلسطينية محفوظة ومحمية من التزوير او الشطب وبفضل هذا النظام الرئاسي تم الاعتراف بفلسطين سنة 2012 دولة غير عضو في المنظمة الاممية على الرغم من انها ما زالت محتلة وبفضل هذا النظام تمكنت محكمة الجنايات الدولية من اصدار مذكرة اعتقال بحق رأس الهرم في الكيان الصهيوني الذي يحتل فلسطين وشعبها بالحديد والنار وهذا بحد ذاته يعني ان الحالة الفلسطينية اخلاقيا وسياسيا وانسانيا على المستوى الدولي افضل بكثير من المحتل الصهيوني العنصري والمنبوذ.
ما سبق يشجعني على القول بان الاعلان الدستوري الذي اصدره الرئيس الفلسطيني بتاريخ ،27/11/2024 ، بتولي رئيس المجلس الوطني مهام رئيس السلطة حال شغور المركز بالتاكيد لا يعني سد فراغ غياب المجلس التشريعي ولكنه يبقى اعلان مسؤول جدا ووطني جدا حتى وان اتهمه البعض بانه استجابة لضغط خارجي ونسوا هؤلاء انه استحقاق وطني ودستوري طال انتظاره وذلك منذ الغاء المجلس التشريعي والذي كان قرار الغاءه في حينه هو ايضا قرار وطني كونه اي المجلس فقد مبررات وجوده بسبب خطف حماس للمجلس مع اختطافها لغزة بانقلابها على الشرعية سنة 2007 الذي شق الوطن الى قسمين وادى الى انفصال غزة عن الجسد الفلسطيني وبسبب كل ذلك وحفاظا على الكيانية الفلسطينية وحتى انجاز المشروع الوطني الفلسطيني كان لا بد ان يكون هناك مصدر بديل لسن القوانين والتشريعات تحت الاحتلال وفي الفترة الانتقالية ما بين الغاء المجلس وعودته لاحقا انتخابيا وكان لا بد ان يكون هذا المصدر هو الشخص المؤتمن الذي تم انتخابه من قبل كل الشعب الفلسطيني وهو الرئيس الفلسطيني الذي من غير الممكن انتهاء صلاحياته قبل انتخاب رئيس اخر ولكن ليس قبل ان تتوفر الظروف لانتخابات رئاسية وبرلمانية تكفل على الاقل عدم اعتقال المشرعين المنتخبين من قبل الاحتلال كما حصل بعد انتخابات 2006 والذين ما زالوا بعضهم يقبع خلف القضبان في سجون الاحتلال الصهيوني في سابقة لم يعرفها التاريخ البشري .
الاعلان الدستوري قرار صائب سياسيا ووطنيا واخلاقيا ودستوريا مع انه جاء متاخرا وذلك للاسباب التالية :
اولا - اعادة الهيبة لمنظمة التحرير ومؤسساتها وعلى راسها المجلس الوطني كونها صاحبة الولاية على السلطة الوطنية الفلسطينية كونها اي المنظمة تعتبر الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفسطيني اينما وجد وليس المقيمين فط على ارض الوطن.
ثانيا – اعضاء المجلس التشريعي هم اعضاء في المجلس الوطني الذي هو صاحب الحق في التشريع وتقرير المصير لكافة ابناء الشعب الفلسطيني في داخل الوطن وفي الشتات
ثالثا - المجلس التشريعي ابن بيولوجي لاتفاق اوسلو الذي تم اغتياله صهيونيا لحظة اغتيال رابين وهو الامر الذي يفرغه اي المجلس التشريعي من صلاحياته التفاوضية التي ما زالت من صلاحيات منظمة التحرير الفسطينية حتى انجاز قيام الدولة كونها اي المنظمة هي المعترف بها دوليا وحتى اسرائيليا كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني.
رابعا : الاعلان الدستوري انقذ الشعب الفلسطيني من حرب اهلية كانت ستقع لا محالة في حال شغور المنصب دون تحديد هوية الخليفة المرحلي وهي حرب ستقع بين الذين يعدون العدة للاستيلاء على المنصب في لحظة شغوره والتي كان سيشعل فتيلها كل اعداء فلسطين واعداء المشروع الوطني الفلسطيني وهم كثر.
خامسا : الشعب هو صاحب الحق وصاحب القرار في اختيار من يحكمه والاعلان الدستوري يمنح الشعب فترة ثلاث شهور واخرى مثلها في حالة الضرورة وذلك من اجل ان يعيد الشعب فيها كل حساباته من اجل فرز الغث من السمين لاختيار القبطان الافضل الذي يستطيع ان يقود سفينة المشروع الوطني الفلسطيني الى بر الدولة المستقلة صاحبة السيادة وعاصمتها القدس وذلك بعد كل ما تعرضت له هذه السفينة من امواج كادت ان تغرقها وقد تغرقها اذا ابتعدت كثيرا عن موانيء الشرعية الدولية خصوصا وان العالم كله سوف يكون شاهد على هذه الانتخابات ويراقبها عن كثب.