الكاتب: رمزي عودة
صدر مؤخراً كتاب الرئيس محمود عباس "أبو مازن" تحت عنوان "فلسطين في الساحة الدولية". وتضمن الكتاب رؤية الرئيس للعمل والقيادة نحو تحقيق أهداف المشروع الوطني وعلى رأسها تحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة. جاء الكتاب بلغة بسيطة مفهومة وغير معقدة، وتتضمن أفكاراً عميقة حول الهوية الوطنية النضالية وتحديات العمل الوطني وإنهاء الانقسام الفلسطيني والمقاومة الشعبية السلمية.
اشتمل الكتاب على مصفوفة العمل الوطني التي تستهدف قيام الدولة الفلسطينية، كهدف استراتيجي أساسي، وتضمنت هذه المصفوفة مجموعةً من الأهداف الاستراتيجية الضرورية لتحقيق هدف قيام الدولة، وهي:
أولاً: توسيع دائرة الدول التي تعترف بالدولة الفلسطينية، بحيث يتم تشجيع الدول الغربية على الاعتراف بالدولة الفلسطينية كدولة تحت الاحتلال، وهذا بدروه سوف يفرض واقعاً دولياً جديداً يضغط على إسرائيل للإنسحاب من أراضي هذه الدولة.
ثانياً: تعزيز بنية واستدامة مؤسسات الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية والقطاع، والتي تمكن السلطة الوطنية من توفير الخدمات للشعب الفلسطيني وفرض الأمن والسلم والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.
ثالثاً: التمسك بقطاع غزة كجزء من الدولة الفلسطينية والعمل على إنهاء الانقسام وإعادة الإعمار بعد رحيل الاحتلال.
رابعاً: توسيع دائرة المقاومة الشعبية السلمية بإعتبارها خيار أقل تكلفة وأكثر منفعة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك قدرة هذه الأداة على تجنيب الشعب الفلسطيني استخدام إسرائيل القوة المفرطة والتي استخدمتها في غزة في إطار إستراتيجة إسرائيلية واضحة للإبادة الجماعية والتطهير العرقي.
خامساً: تحقيق البراءات والتحالفات الدولية والعربية، والتي تتضمن توسيع أليات التحالف مع روسيا والصين وجنوب أفريقيا ودول البريكس ودول أمريكا اللاتينية، إضافةً طبعاً الى أهمية تعزيز المحور العربي الفلسطيني في الدفاع عن القضية الفلسطينية خاصةً المحور السعودي المصري الأردني.
سادساً: تفعيل الدبلوماسية الرسمية والشعبية باعتبارها قوة الناعمة قادرة على استصدار قرارات أممية تجرم الاحتلال الاسرائيلي وتعمل على فرض أليات لمحاسبته، وخير دليل على أهمية أدوات الدبلوماسية الرسمية والشعبية هو استصدار قرار محكمة العدل الدولية التي تجرم الاحتلال وتعتبرة فصلاً عنصرياً يهدف الى التطهير العرقي. إضافة طبعاً الى قرار محكمة الجنايات الدولية لاعتقال نتنياهو وغالانت. وفي موضوعة الدبلوماسية الشعبية، فإن التغيرات في الرأي العام في الدول الغربية لصالح القضية الفلسطينية خير دليل على نجاعة وكفاءة استخدام القوة الناعمة في تعزيز ونشر الرواية الفلسطينية.
يتضح مما سبق أن الرئيس أبو مازن يمتلك رؤية واضحة وشجاعة من أجل تحقيق حلم الشعب الفلسطيني في إنجاز دولته المستقلة، وهو يعمل منذ توليه رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية عام 2005 على تحقيق هذه الاستراتيجيات الست، ويعدد الرئيس في كتابه الانجازات الهامة التي حظي الشعب الفلسطيني بتحقيقها نتيجة لتنفيذ هذه الاستراتيجيات. بالمقابل، فهو لا يجد حرجاً من الحديث عن أخطاء تم الوقوع بها، والتي حددت فرص النجاح مثل المراهنة المبالغ فيها على بعض الادارات الامريكية في تحقيق السلام، أو السماح لبعض الأطراف الفلسطينية من الدخول في الانتخابات، وهي في الاساس لم تعترف بمنظمة التحرير ولا ببرامجها السياسية.
وفي النتيجة، فإن استراتيجية الرئيس ابو مازن تتمحور حول تدويل الصراع مع اسرائيل، لاسيما أن حكومة نتنياهو لم تعد شريكاً في السلام، وبالضرورة، فإن تحفيز المجتمع الدولي وتشجيعه على القيام بمسؤولياته الأخلاقية والقانونية والسياسية تجاه القضية الفلسطينية سيؤدي بالمحصلة الأخيرة الى فرض عقوبات على اسرائيل وتخفيض الدعم الأمريكي المطلق لها، وهو تماماً ما حدث سابقاً في تجربة إنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
وأخيراً، أعتقد أن الكتاب يستحق القراءة والتمعن بأفكاره ومناقشتها على كافة الصعد المعرفية، كما أن الأهداف الاستراتيجية التي تضمنها الكتاب تصلح لان تكون برامج سياسية لكافة الأحزاب الوطنية والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني، بحيث يتم العمل من قبل الكل الفلسطيني على تحقيقها بشكل شمولي ومتسق مع بعضه البعض. وفي هذا السياق، أقترح اصدار دعوة وطنية الى مؤتمر فلسطيني شامل، يضم كافة فئات الشعب الفلسطيني وأحزابه ونقاباته من أجل مناقشة مفردات ومفاهيم هذا الكتاب واعتمادها كبرنامج وطني شامل يعبر عن الكل الفلسطيني في سبيل تحقيق الدولة الفلسطينية.