الكاتب: رامي مهداوي
في خطوة فاجأت المراقبين وأثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية، أصدر الرئيس الأميركي جو بايدن عفواً شاملاً عن نجله هانتر بايدن، ما يضع حداً لمحاكمات معقدة استمرت لسنوات. هذا القرار أثار تساؤلات حول التزام بايدن بسيادة القانون ومبادئ الشفافية، خاصة أنه سبق وتعهد علناً بعدم التدخل في القضايا القانونية لابنه.
يشمل العفو، الصادر مساء الأحد الماضي، الجرائم الفيدرالية التي تورط فيها هانتر بايدن خلال العقد الماضي، بما في ذلك قضايا حيازة أسلحة بشكل غير قانوني والتهرب الضريبي. يأتي هذا القرار في ظل تهديدات سياسية من إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي تعهد بمحاسبة خصومه، ما دفع بايدن لإعادة تقييم موقفه تجاه محنة ابنه القانونية.
يُعد العفو الرئاسي أحد أهم السلطات التي يمنحها الدستور الأميركي للرئيس، وهو مستمد من التقاليد القانونية الإنجليزية التي خوّلت الملوك سلطة العفو. يُستخدم هذا الامتياز لمعالجة الجرائم الفيدرالية، لكنه لا يشمل الجرائم المرتبطة بولايات أميركية أو القضايا المتعلقة بإجراءات العزل.
استُخدمت هذه السلطة عبر التاريخ بشكل واسع، حيث منح دونالد ترامب 237 عفواً خلال ولايته، فيما أصدر باراك أوباما 1,927 عفواً خلال رئاسته. ومع ذلك، أثار عفو بايدن عن هانتر ضجة استثنائية، نظراً لتعهده المسبق بعدم استغلال هذه الصلاحية لأسباب شخصية.
منذ بداية التحقيقات الفيدرالية مع هانتر بايدن في عام 2020، تعرض الابن الوحيد للرئيس لضغوط سياسية وإعلامية غير مسبوقة. اعترف هانتر بتهم التهرب الضريبي وحيازة أسلحة، قائلاً إنه ارتكب هذه الجرائم في أوقات عصيبة من إدمانه على المخدرات.
رغم ذلك، كان بايدن مصراً على احترام الإجراءات القضائية حتى وقت قريب. لكن تطورات سياسية مفصلية، منها خسارته المحتملة للانتخابات المقبلة لصالح ترامب، ومخاوفه من أن تؤدي العقوبات المقررة إلى انتكاس هانتر، دفعته لتغيير موقفه.
في بيانه الرسمي، أكد بايدن أن هانتر كان هدفاً لملاحقات قضائية "انتقائية وغير عادلة"، مشيراً إلى أن الضغط السياسي كان واضحاً في انهيار صفقة الإقرار بالذنب التي كان يمكن أن تجنب هانتر المحاكمة.
قوبل القرار بموجة من الانتقادات الحادة، ليس فقط من الجمهوريين بل أيضاً من بعض الديمقراطيين الذين رأوا في الخطوة تخلياً عن مبادئ الشفافية واحترام القضاء. وصف معارضو بايدن العفو بأنه "خضوع للمشاعر الأبوية"، بينما اعتبره داعموه تعبيراً عن مسؤولية أخلاقية تجاه عائلته.
في المقابل، استخدم ترامب هذه الخطوة لتوجيه انتقادات لاذعة، واصفاً إياها بأنها "إجهاض للعدالة". كما تساءل عن مصير سجناء اقتحام مبنى الكونغرس في 6 يناير 2021، في إشارة إلى معايير مزدوجة محتملة.
يأتي العفو عن هانتر في وقت حساس سياسياً، حيث يسعى بايدن لإنهاء فترة رئاسته دون أن يترك إرثاً مثقلاً بالخلافات. لكن القرار أثار تساؤلات عن مدى تأثير العلاقات الأسرية على القرارات السياسية، خاصة في ظل الانقسامات الحادة داخل المجتمع الأميركي.
على الرغم من الانتقادات، دافع بايدن عن قراره بقوة، مؤكداً أن الهدف كان وضع حد لمعاناة هانتر. في الوقت ذاته، تعهد هانتر بايدن بمواصلة تعافيه والعمل على مساعدة الآخرين الذين يعانون من الإدمان.
قرار بايدن بالعفو عن ابنه يعكس صراعاً بين المبادئ السياسية والمشاعر الإنسانية. في حين أن الخطوة قد تكون مفهومة من زاوية الأبوة، إلا أنها تطرح تساؤلات عن الحدود بين المسؤوليات الشخصية والمصلحة العامة. ومع احتدام المعارك السياسية في واشنطن، يبقى العفو عن هانتر بايدن حدثاً غير مسبوق سيظل موضوعاً للنقاش لفترة طويلة.