نشر بتاريخ: 17/12/2024 ( آخر تحديث: 17/12/2024 الساعة: 09:51 )
الكاتب: أمير مخول
تقديم: تصدرت المواجهات الفلسطينية في جنين ومخيمها عناوين المواقع الاخبارية اليمينية، وحصريا موقع الصهيونية الدينية "سروجيم" وصحيفة "يسرائيل هيوم" المقربة من نتنياهو، وباعتبار احداث جنين فرصة كبرى للحكومة الاسرائيلية. اذ ترى التقديرات المذكورة بأن احداث جنين وتمددها تستوجب فعلا اسرائيليا استباقيا.
اعتبر الموقعان بأن إيران هي المزود للسلاح في الضفة الغربية، وبان عناصر الجهاد الاسلامي وحماس لديهم اسلحة أفضل مما بحوزة قوات الامن التابعة للسلطة الفلسطينية. وفقا للمصدر فإن المشروع الايراني هو زرع الفلتان في هذه المنطقة ما من شأنه ان يمتد الى كل مناطق الضفة الغربية في حال لم تقم اسرائيل بالتدخل العسكري وبتقويض كل قوة فلسطينية.
طالب مجلس المستوطنات في شمال ووسط الضفة الغربية ومن خلال رئيسه يوسي دغان من الحكومة بتعريف الضفة الغربية باعتبارها "جبهة الصراع الاولى وبضرورة التعاطي الفوري مع هذا الامر"، واضاف دغان بأن كميات السلاح والمعدات القتالية "المتوفرة في ايدي مخربي &
39; وحماس لا يستوعبها الخيال وتتعاظم باستمرار".
اشار موقع "سروجيم" الى ضرورة استغلال المواجهات بين قوات السلطة الفلسطينية وكتائب حماس والجهاد، تتطلب تدخلا عسكريا اسرائيليا حاسما، بما فيه السيطرة على كل المنطقة من جديد والتخلص من اي سلاح في ايدي الفلسطينيين سواء اكان قوات أمن السلطة الفلسطينية ام عناصر حماس، واعتبر ان إلحاحية الامر ناتجة عن التقدير بأن هذه الاسلحة تشكل خطرا على المستوطنين، مستغلين القاء عبوة باتجاه مصفّحة اسرائيلية.
فيما اعتبرت "يسرائيل هيوم" ان موقف المنظومة الامنية الاسرائيلية والضغط الامريكي على حكومة اليمين نحو اتاحة المجال لقوات الامن الفلسطيني بالحصول على ذخيره واسلحة، بمثابة اعتراض مباشر على سياسة الحكومة الحالية المتّبعة في الضفة الغربية وعلى المشروع القائم على "الحسم" وتقويض السلطة.
قراءة:
- من وجهة نظر اقصى اليمين الاستيطاني فإن مواجهات جنين فلسطينيا هي الفرصة المؤاتية والافضل لتقويض السلطة الفلسطينية واعتماد "النموذج السوري"، حيث تتعامل اسرائيل مع سقوط النظام السوري بوصفها فرصة لم يكن من الممكن توقعها، للقضاء من دون حرب على كل مقدرات الجيش والدولة في سوريا، وتحت مسمى القضاء على النفوذ الايراني ومنع نقل اية اسلحة لحزب الله في لبنان.
- الرأي العام الاسرائيلي والمزاج العام تغيرا بشكل جليّ بعد اسقاط النظام السوري وقيام اسرائيل بتدمير مقومات الجيش وترسانته وبتوسيع حدودها باتجاه جبل العرب وحتى مشارف دمشق، واحتلال قمم جبل الشيخ، حتى وان كانت تدعي بأن الامر مؤقتا، الا ان "المؤقت" اسرائيليا هو الاكثر ثباتا؛ هكذا حدث في نكبة العام 1948 ومع احتلال 1967 ومع احتلال غزة حاليا والنزوح القسري والتطهير العرقي.
- تتبنى اوساط واسعة في الراي العام الاسرائيلي وحصريا القاعدة الانتخابية لحكومة نتنياهو خطاب رئيس الوزراء بأن الحدث السوري الكبير والتغيير الجيوسياسي الذي يحمله، هما من نتاج ادارته للحرب على لبنان وغزة ونحو تفكيك "وحدة الساحات" استعدادا للوصول الى "رأس الاخطبوط" كما يصفون النظام الايراني. بناء على اعتباراتهم فإن المطلوب حاليا هو القيام باعتماد هذا النموذج في الضفة ومقابل السلطة الفلسطينية، وبما في ذلك انشاء "منطقة عازلة" للفلسطينيين في منطقة طولكرم.
- الجزم اليميني الاسرائيلي بأن ايران هي من يقف وراء التصعيد في الضفة الغربية سواء فلسطينيا داخليا ام تجاه الاحتلال، انما ينبغي معالجته وفقا لمعايير المعادلات الاقليمية واستنساخ ما تقوم به اسرائيل من عدوان وحرب دمار شامل على سوريا ومن طرف واحد، وما قامت وتقوم به في غزة ولبنان وعنوانه "تقويض العدو"، ووفقا لأقصى اليمين الذي يمتد من الليكود الى الصهيونية الدينية فإن قوات الامن الفلسطينية وكذلك حماس والجهاد هي قوى ارهابية ينبغي القضاء عليها، او كما اعلن نتنياهو قبل عام ونيّف حين تحدث عن غزة برؤية استشرافية بأنه لا مكان "لا حماستان ولا فتحستان".
- بخلاف موقف المؤسسة الامنية الاسرائيلية وموقف الادارة الامريكية المعنيتين بتقوية السلطة، فإن أقصى اليمين الحاكم معني بالضم وبتقويضها ويعمل بشكل منهجي ومكثف في هذا الاتجاه سواء في نقل صلاحيات الادارة المدنية للاحتلال الى مكتب سموتريتش بدلا من الجيش، وبالتشريعات العقابية ضد السلطة وتجفيف مواردها المالية بتاتا، وتوسيع الاستيطان وتكثيف القائم منه وحاليا الانتقال الى استراتيجية المزارع الاستيطانية التي تضمن السيطرة على اكثر مساحة من الاراضي مقابل اقل حاجة لأعداد كبيرة من المستوطنين، يضاف الى ذلك قوات الاحتلال واقتحاماتها وكذلك ميليشيات المستوطنين الارهابية، كما يجري حاليا استخدام منظومات الذكاء الاصطناعي الحربي الفتاكة التي تطلق النار عن بعد كما حدث ويحدث في غزة.
- يعني استنساخ "النموذج السوري" في الضفة الغربية ان تقوم اسرائيل بالسيطرة المطبقة على الضفة الغربية بما فيها المناطق المصنف (أ) ليضاف الى ضم المناطق المصنفة (ج)، كما تعني تدمير قدرات السلطة الفلسطينية وقدرات قوات الامن الفلسطينية وحلّها باعتبارها "عناصر ارهابية" وفقا لليمين الاسرائيلي المهيمن. كل ذلك لدرء "خطر الفلتان الذي تدفع له إيران" وفقا لتعبيراتهم.
- يستغل اقصى اليمين واعلامه وضع المعارضة الاسرائيلية غير المؤهلة للاعتراض على اية ممارسات اسرائيلية في الضفة الغربية، بل ان قطاعات واسعة من المعارضة تتبنى ذات الافكار، فيما تفتقر المعارضة الرسمية الى اي مشروع سياسي بديل. كما يراهن اليمين الحاكم على قرب دخول ترامب الى البيت الابيض للدفع من اجل وضعه امام الامر الواقع القائم على التشريع في عملية التقويض المذكورة وعملية الضم.
للخلاصة:
** من الجدير التعامل بأقصى الجدية مع ما يرشح عن اليمين الاسرائيلي من نوايا وممارسات، ومن الجدير في المقابل التأكيد بأن قدرة اسرائيل على تقويض السلطة الفلسطينية ليست بالأمر المفروغ منه. كما ان التقويض ليس هو الغاية وانما تمهيدا لبلوغ الغاية وهي تفكيك كيانية الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية، سواء باستنساخ النموذج الابادي في قطاع غزة، ام النموذج السوري بالسعي الاسرائيلي لتقويض كيانية البلد بأكمله، أم بالدمج بين النموذجين.
**هناك مؤشرات لانتقال جدول الاعمال الاسرائيلي الرسمي وحصريا اليمين الى حسم مصير الضفة الغربية. بغياب اكتراث حقيقي شعبي او من المعارضة البرلمانية لمصير الضفة الغربية، وللدفع نحو اجتياح شامل، يجعل مشروع اقصى اليمين نافذاً على الاقل اسرائيليا. كما أنه وفي حال قرر نتنياهو ابرام صفقة التبادل مع حماس فمن المحتمل كي يضمن بقاء ائتلافه تعويض اقصى اليمين الصهيوني-ديني الاستيطاني بتعميق وتوسيع السيطرة في الضفة الغربية.
**التهويل للتدخل الايراني في الضفة الغربية هو وسيلة تبريرية لعدوان اسرائيلي على المدن الفلسطينية والمناطق المصنفة أ والتي تخضع للمسؤولية الفلسطينية أمنيا ومدنيا.