الكاتب:
د. سهيل الأحمد
إن مثل الذي يطلب العلم بلا حجة كمثل حاطب ليل، يحمل حزمة حطب وفيه أفعى تلدغه وهو لا يدري، وقيل في شأن ذلك: لا تقلد دينك أحدًا، وإذا علم ذلك فاتباع من لا يعلم المرء أنه أهل لأن يؤخذ بقوله، واتباع فعله أيضًا على الرغم من ذلك مشكلة، واتباعه كذلك بعد قيام الحجة وظهور الدليل على خلاف قوله وسوء فعله وتصرفه مصيبة، وهو كبيرة ومصيبة أعظم وخاصة في حال حصل تأييده، واتباعه بعد أن ظهر من حاله القسوة والظلم وعصيان الله تعالى في السر والعلن، أو في السراء والضراء، وقد أعلن إصراره على ذلك بمنهج واعتقاد ودليل وتأويل لا وجه له فيه بل هو حال باطل أيضًا في كل ذلك، حتى أنه على الرغم من كل ذلك ــــ ومع معرفته وقدرته ـــــ لم يقدم عفوًا أو صفحًا أو رحمةً وتعاطفًا مع من ارتكب في حقه خطأ أو ظلمًا كان بالإمكان رفعه وإزالته!!، ثم يطلب النظر العادل في المواقف فتذكر المنصف أن يرى وجه الصواب في ذلك، فتجد المرء قد شرّع له، ووضع له مسوغات أو مبررات قد أظهر فيها تبجيلًا وتفان منقطع النظير، وفي هذا يعلم أنه لا يغيب عن بال عاقل منصف في هذا المقام كيف يكون سوء المقال وتقلب الحال، فتأتي لتخاطب من تلبس في تصرفات كهذه وعدها من قبيل مقامات معتمدة يرجع إليها في الاعتبار والتأثير والقرار الذي يخرجه دون دراسة أو نظر في مآلاته، فتقول له: اعلم أنك قد وقعت في إثم كبير وظلم واسع وخلاف مع الحق في الواقع، في ظاهر المواقف وباطنها، وتخبره أن في هذا وجه ظاهر في الضلال والإضلال البين الذي لم يجبرك على الوقوع فيه وتلبسه إلا من أجل إرضاء من ثبت عنده مبدأ اتباع الهوى الذي أضل صاحبه على علم، الذي جعله لا يقع في الشبهة الموصلة إلى الخطأ بل إنه أوقعه في الخطأ ذاته وواكبه بثقة واطمئنان، وتضييع خيرات قد فاتته بسبب ذلك، وهذا حال قد لا يمكن معه الرجوع إلى الصفاء والنقاء طالما استمر فيه أو أنه استغنى بذلك عن الحق والصواب، وشابه في حاله هنا حال من ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون، حتى جعل في تأويله وظنه في هذا المقام حصول منافع أو مكاسب ومغانم ظاهرة ومبتغاه مع أنها في حقيقة أمرها خسارة ومغارم، وموت قلب وذهاب عقل، وهلاك قد أوقع صاحبه في الدرك الأسفل الذي لا تحمد عقباه، وقد قيل في هذا: من قلة فقه الرجل أن يقلد دينه الرجال، وقال غيره: لا يحل لأحد أن يقول مقالتنا حتى يعلم من أين قلنا، وكل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قبوله بدليل يوجب ذلك فأنت مقلده، ومن كان هذا حاله لم يقبل مثل هذه التوجهات، وصعب عنده مراجعة القناعات، فإن قال: "قصري وقلة علمي يحملني على الاتباع"، قيل له: من قلد فيما ينزل به من الأحكام عالمًا يتفق له على علمه فيصدر في ذلك عما يخبره فمعذور؛ لأنه قد أدى ما عليه، وأدى ما لزمه فيما نزل به لجهله، ولا بد له من تقليد عالم فيما جهله، وذلك مقبول لا يمنع اعتباره والقول به والسير به إلى أبواب التأثير والبناء العقلي والمنهجي.