الكاتب: هيثم زعيتر
لا تزال الاستنسابية تحكم العديد من الملفات والقضايا في لبنان، حيث يتم تدوير الزوايا، باسم القانون، فيُشدّد العقاب، أو توصد الأبواب، أو تُفتح، وتُخفض فيها الأحكام، وبعضها تُختم ملفاته بعدم فتحها!
مُجدّداً، عاد الحديث عن ضرورة إصدار "قانون العفو العام"، الذي يُقرّ في مجلس النواب، لكن بحاجة إلى تصديق رئيس الجمهورية، وهو مركز شاغر مُنذ 30 تشرين الأول/أكتوبر 2022، حين انتهاء ولاية الرئيس العماد ميشال عون، ومُغادرته القصر الرئاسي في بعبدا.
ولأن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، هي في مرحلة تصريف الأعمال، فإنها بحاجة إلى توقيع جميع الوزراء الـ24، وهو أمر ليس بالسهل، لحكومة تجتمع بالحد الأدنى المطلوب لتسيير الأمور!
*
يُواجه إقرار "قانون العفو العام"، بجملة من المشاكل، نظراً إلى تداخل قضايا، يُؤثر فيها "البازار السياسي"، وتوزعها المذهبي، وفي طليعة الملفات، المُتعلقة بذلك:
- "الموقوفين الإسلاميين".
- عملاء العدو الإسرائيلي، خاصة الذين فرّوا معه، إثر اندحاره عن الجنوب، بتاريخ 25 أيار/مايو 2000.
- تجارة وترويج وتعاطي المُخدرات وزراعة الحشيش.
- جرائم مُتنوعة ارتكبت خلال الفترة الماضية.
تلتقي مصالح غالبية القوى السياسية على ضرورة إصدار "قانون العفو العام"، لكن تختلف على التصنيف، وبينها من يعترض على بعض القضايا، منها:
- بشأن ملف العملاء الفارين إلى الأراضي الفلسطينية المُحتلة، ومن بقي منهم، الذين يبلغ عددهم حوالى 2000 شخصاً، من أصل 7500، بعدما غادر قسم كبير منهم إلى الولايات المُتحدة الأميركية، ودول أجنبية.
وقد حاول الرئيس عون، مُنذ كان نائباً، يرأس تكتل "التغيير والإصلاح"، إنهاء ملفهم، برفع شعار "اللاجئين اللبنانيين إلى إسرائيل" - أي أنهم اضطروا الدخول إلى الأراضي الفلسطينية المُحتلة، مُلتحقين بالعدو، وهو ما يُناقض فكرة "اللاجئ"، الذي يتم اقتلاعه من أرضه بشكل قسري، وليس الذهاب طوعياً للالتحاق بالعدو!
هذا الملف، يدخل في إطار التجاذب، لأن هناك من يعتبر التعامل "وجهة نظر"، فيما آخرون يرون في ذلك، خيانة للوطن، تستوجب مُحاكمة من باعه وخانه لصالح العدو.
- من تنطبق عليهم تهم زراعة وتجارة وترويج المُخدرات، والذين يفوق عددهم 55 ألف شخص، بين موقوف ومُتوارٍ عن الأنظار، صادرة بحقهم أحكام قضائية، أو مُذكرات توقيف، وبلاغات بحثٍ وتحرٍ، فهؤلاء يُمكن أن يستفيد الكثر منهم من قانون تشريع زراعة القنب لأغراض طبية "الحشيشة"، بمُوجب القانون، الصادر عن مجلس النواب، بتاريخ 4 حزيران/يونيو 2020.
- ما يتعلق بجرائم القتل والسرقة وغيرها من الملفات.
مُحاولات استثناء "الموقوفين الإسلاميين"!
{ "الموقوفين الإسلاميين": هناك مُحاولات مُتعمّدة من قبل البعض، لأن يكونوا الاستثناء الوحيد للمُستفيدين من "قانون العفو العام"، لأنه يتم تصنيفهم تحت مُصطلح "الإرهاب"، وغالبيتهم الكبرى من أبناء الطائفة السنية، وهم من جنسيات: لبنانية، فلسطينية، سورية وفلسطينية من سوريا.
بين هؤلاء، من:
- أُوقف لاعتراضه على سياسة النظام في سوريا، أو "حزب الله" وإيران.
- صدرت بحقه أحكام، أو ما زالت لديه قضايا يُحاكم بها.
- أُوقف أو مطلوب بجرائم مُصنفة تحت مُسمّى "الإرهاب".
وعُلم أن طُلب من مرجعيات في الطائفة السنية، أن يتم تحديد تفسير مصطلح "الموقوفين الإسلاميين" وأي من القضايا المعنيين بها.
وأن يتم استثناء من قاموا بالاعتداء على الجيش والأجهزة الأمنية اللبنانية، أو تفجيرات وقعت في بيروت، والضاحية الجنوبية لبيروت وبعض المناطق، استهدفت أمن لبنان.
هذا علماً، بأن هناك من يعتبر أن عدداً كبيراً من هؤلاء، زُجّ بأسمائهم في هذه الملفات، أو اعترفوا القيام بأعمال تحت تأثير التعذيب في التحقيقات.
هذا علماً بأن ذريعة وضع "فيتو" على من شارك بأعمال أمنية، سقط سابقاً، عندما كانت هناك مصلحة سياسية، بحيث استفاد قائد "القوات اللبنانية" سمير جعجع، من مُقايضة مع موقوفي "مجدل عنجر" و"الضنية"، الذين اعتدوا على الجيش اللبناني في الضنية، بين 30 كانون الأول/ديسمبر 1999 و6 كانون الثاني/يناير 2000، من خلال القانونين 677 و678، اللذين أصدرهما مجلس النواب في جلسته التي عقدها بتاريخ 18 تموز/يوليو 2005.
كذلك، عندما جرت تسوية سياسية، بإصدار عفو، وهو ما استفاد منه العماد ميشال عون، بتاريخ 28 آب/أغسطس 1991، بمُوجب المرسوم رقم 1637/91، الذي نصت مادته الأولى على "منح كل من الضباط السابقين: ميشال عون، إدغار معلوف وعصام أبو جمرا، عفواً خاصاً له مفاعيل العفو العام عن الجرائم المُحال بها على المجلس العدلي، بمُوجب المرسوم رقم 656 الصادر بتاريخ 19 تشرين الأول/أكتوبر 1990، شرط مُغادرته البلاد خلال 48 ساعة من تاريخ صدور هذا المرسوم، وبقائه في الخارج لمُـدة 5 سنوات اعتباراً من تاريخ المُغادرة"، وهو ما تمَّ، حيث غادر إلى فرنسا.
كما استفاد عون بعودته إلى لبنان بتاريخ 7 أيار/مايو 2005، من إسقاط "محكمة جنايات بيروت"، برئاسة القاضي ميشال أبو عراج عنه، قبل يومين، في دعوى الحق العام.
كذلك، أصدر مجلس النواب "قانون عفو عام"، بتاريخ 26 آب/أغسطس 1991 وحمل الرقم 84/91 ومنح العفو عن الجرائم المُرتكبة مُنذ بداية الحرب الأهلية بتاريخ 13 نيسان/إبريل 1975، حتى تاريخ 28 آذار/مارس 1991.
وترك الباب مفتوحاً أمام المزيد من إمكانيات العفو، لمصلحة أفراد مُحدّدين عن جرائم ارتُكبت خلال الحرب، فأعطت الحكومة سلطة استثنائية لمُدة سنة، ابتداءً من تاريخ العمل به، لإصدار عفواً خاص له مفاعيل العفو العام.
وقد صدرت مراسيم كثيرة بين العامين 1991-2005، استفاد منها أشخاص مُلاحقون بجرائم، استناداً إلى هذا العفو.
كما أن المصلحة كانت كفيلة بإصدار قوانين، ومنها قانون تخفيض السنة الجرمية من 12 شهراً إلى 9 أشهر، الذي أقره المجلس النيابي، وحمل الرقم 216، بتاريخ 23 آذار/مارس 2012، وأُقرّ ليستفيد منه عدد مُحدد، في طليعتهم العميد المُتقاعد فايز كرم (صديق العماد ميشال عون)، بعدما كان قد تم إصدار حكم عن المحكمة العسكرية الدائمة في بيروت، برئاسة العميد الركن نزار خليل، بتاريخ 3 أيلول/سبتمبر 2011، بإدانته بالتعامل مع العدو الإسرائيلي، قضت بالأشغال الشاقة لمُدة 3 سنوات، لجهة المادة 278 عقوبات، وإنزالها تخفيفاً إلى الأشغال الشاقة لمُدة سنتين، مع تجريده من حقوقه المدنية.
وكان أوّل قانون عفو عام، قد صدر بتاريخ 24 كانون الأول/ديسمبر 1958، قضى بمنح "العفو العام" عن الجرائم المُرتكبة حتى 15 تشرين الأول/أكتوبر 1958.
وإذا استفاد المحكوم أو المُتهم من مفاعيل قانون العفو، فإنّ ذلك لا يعني تبرئته من الجرم أو الجناية، ويحق للمُتضرر المُطالبة بالتعويضات التي حكمت له بها المحكمة.
تقسيم الملفات
يجري الحديث عن تقسيم الملفات القضائية، للمُستفيدين من مشروع القانون إلى فئات عدة:
- الجرائم الصادرة فيها أحكام قضائية، وبعضها بالإعدام.
- الجرائم الواقعة قبل تاريخ إصدار هذا القانون، وما زالت في طور المُحاكمة.
- الجرائم الصادرة فيها أحكام غيابية.
- الجُنح الصادرة فيها أحكام الموقوفين، أو ما زالوا يُحاكمون أو غيابياً.
وجراء الخلافات السياسية، من المُتوقع، أن يتم في هذه المرحلة، التخفيف من الاكتظاظ في السجون، حيث يبلغ عدد الموقوفين 6120 سجيناً، وهو ثلاثة أضعاف القدرة الاستيعابية، ويتوزع هؤلاء، وفق الآتي:
- 1850 سجيناً سورياً، بينهم 350 صدر بحقهم أحكام مُبرمة، والآخرون لا يزالون قيد التوقيف والمُحاكمة.
وهناك جهود مبذولة، من أجل تسليم هؤلاء إلى السلطات السورية، تنفيذاً للاتفاقية المُبرمة بين البلدين في العام 1951، التي تُتيح تسليم السجناء واستكمال مُدة تنفيذ الحكم في بلده.
لكن، يحتاج ذلك إلى مُوافقة السجين، حتى لا يُشكل خطراً على حياته، وأيضاً مُوافقة الدولة السورية.
- تطبيق المادة 108 من قانون أصول المُحاكمات الجزائية، التي تنص على أنّ "فترة التوقيف الاحتياطي في الجنح لا يجب أن تتخطى 4 أشهر، وفي الجنايات السنة".
- إمكانية تكثيف عقد الجلسات في المحاكم وأمام قضاة التحقيق، في قصوري العدل، أو من خلال الاستجواب الإلكتروني، وحتى انتقال القضاة إلى السجون، لإجراء التحقيقات والمُحاكمات.
- رأي لجنة تخفيض العقوبات، التي تضم قضاة منحهم القانون الصلاحية بتخفيض مُـدة عقوبة المحكومين، الذين يُصنّفون من أصحاب السيرة الحسنة، كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، أو مُصابين بأمراض مُستعصية، مثل: السرطان، السل والسيدا.
هذه الخطوات تُساهم بإطلاق سراح عدد كبير من السجناء، ما يُؤدي إلى:
- تقليص الاكتظاظ في السجون.
- تخفيض الأعباء المالية التي تتكبّدها الدولة اللبنانية، كبدل طعام ومصاريف عن السجناء.
- تقليص عديد قوى الأمن الداخلي المُولجة بتأمين الحماية والخدمات اللوجستية للسجون.
كما أن العمل على إلغاء وثائق الاتصال ولوائح الإخضاع الصادرة عن الأجهزة العسكرية والأمنية، تُساهم بتخفيف آلاف الملفات، التي تندرج ضمن هذه القضايا.
خاصة، أن مجلس الوزراء قد أصدر قراراً حمل الرقم 10، بتاريخ 24 تموز/يوليو 2014، تضمن مُوافقة المجلس على تكليف وزراء: الدفاع الوطني، الداخلية والبلديات والعدل، اقتراح مشروع تنظيم يتعلّق بالإجراءات المتعلّقة بهذا الموضوع ورفعه إلى مجلس الوزراء.
وأصدر النائب العام لدى محكمة التمييز تعميماً برقم 62/ص/2014، بتاريخ 6 آب/أغسطس 2014، يتعلّق بتنظيم بلاغات البحث والتحري، لا سيما تلك الصادرة بناء على وثائق الاتصال ولوائح الإخضاع.
فهل يتم الأخذ بعين الاعتبار بواقع السجون المأزوم، والأحكام الغيابية وبلاغات البحث والتحرّي، التي يشتمل عشرات الآلاف، قبل الانفجار الكبير؟!