الكاتب: نبيل عمرو
يُقال هذا المصطلح في وصف مَن يلعب على نقيضين في وقت واحد، فلا يسقط الحجر ولا تنكسر البيضة.
وبالتالي يمكن وصف الشطارة السياسية بهذا الوصف، وروسيا هي أوضح وأكبر مَن طبَّقَه.
دخلت روسيا إلى حلبة الربيع العربي من أهم البوابات التي هي البوابة السورية، وتغلغلت بفعل الفراغات المهمة التي أحدثها الانكفاء الأميركي، والملل من الاستثمارات الخاسرة في منطقة سُجلت، ولعقود طويلة، منطقةً خالصةَ النفوذ والولاء لأميركا.
كان الدخول الروسي سهلاً وشرعياً، حين استُدعِي من قبل الدولة السورية، وكان فعالاً بحكم قدرة الدولة العظمى على الإخلال بموازين القوى على الأرض، وهذا ما حدث. مناطق مهمة جرى تنظيفها وإعادتها إلى حظيرة النظام، ومناطق أخرى تأسست فيها قواعد روسية واسعة ودائمة، وصارت روسيا لاعباً معتَرَفاً به في الشرق الأوسط، الذي حُرّم عليها، واستثمر فيها، ومني بخسارات كارثية.
في التراث الروسي، والجزء الأهم منه كان في الحقبة السوفياتية، تكرَّسَت معادلة وصَفت باختصار وبلاغة واقع التدخلات الروسية في العالم، «بدايات سهلة ونهايات كارثية»، غير أن روسيا اليوم تجد نفسها داخل شبكة من التداخلات والتقاطعات، هي أكبر بكثير من إمكاناتها، هي القوة العسكرية المركزية على ساحة الجغرافيا السورية، هذا صحيح. غير أن المستجدات التي حدثت ستفرض عليها فواتير من النوع الذي يستحيل تسديده؛ أولها فاتورة النظام وعلى رأسه بشار الأسد، فما دام بقاء النظام هدفاً مركزياً للروس، فمن أين لهم الرصيد المادي والسياسي الذي يغطي معركة بقائه بعد كل ما حدث؟! وفاتورة الحفاظ على النظام تجرّ معها فاتورة حزب الله وإيران، وهي فاتورة باهظة على المديين القريب والبعيد، فما شأن روسيا، وأين هي إمكاناتها لتأمين بعث جديد لإمبراطورية فارسية ألزمت نفسها بإسقاط عواصم الشرق الأوسط، تارةً تحت شعار حماية مراقد الأوَّلين، ودائماً لاجتراح نفوذ كوني قاعدته الشرق الأوسط، وفاتورة إيران وحزب الله التي أدخلت إلى الصراع مصطلح الشيعة والسنّة، استدرجت منطقياً وتلقائياً دولة تنافس إيران على زعامة العالم الإسلامي، ولكن بغلاف سنِّي؟!
ثم ماذا ستفعل روسيا مع السياسة الخليجية غير المذعِنة والمتصدية للظاهرة الإيرانية، ثم ماذا تفعل روسيا حين تقرر إدارة ترمب الدخول في سباق نفوذ في حروب الربيع العربي وبوابتها الأهم سوريا، وفواتير ترمب لا بد أن تندمج حكماً بفواتير إسرائيل، التي ما إن أنجزت تفاهماً هشاً مع موسكو في أمر حركة الطيران في الأجواء السورية، وبعد أيام من لقاء نتنياهو ببوتين في موسكو، وأثناء زيارته للصين، جرى تصعيد عسكري إسرائيلي غير مسبوق المستوى، سواء على صعيد ملاحقة قوافل حزب الله، أو على صعيد ضرب قواعد عسكرية سورية تحاذي القصر الجمهوري قرب قاسيون؟!
حين تكون روسيا سعيدة بوصفها سيدة اللعبة في سوريا، فلا بد أن تقلق على إدارة علاقاتها وتحالفاتها مع قوى متناقضة الأجندات والأهداف، بل ومتصارعة في السرِّ والعلن، فهل بمقدور العباءة الروسية أن تحتوي كل هؤلاء اللاعبين الذين يتطلع كل واحد منهم إلى أن يأخذ من روسيا أكثر بكثير مما يعطيها؟!
لا أحد يعرف بالضبط مآلات هذا الوضع المركب لروسيا، ليس في سوريا فقط، وإنما في الشرق الأوسط الذي يوصَف في علم السياسة بمنطقة الأزمات واللاحلول، في وضع كهذا قد يسقط الحجر وتنكسر البيضة، ليس بفعل قلة البراعة وإمكانية اللاعب، بل بفعل تعب اليد التي تلعب بالبيضة والحجر.