الكاتب:
نادين روز علي
على مدار أسبوعين تحاول أجهزة أمن السلطة الفلسطينية أن تنهي ظاهرة السلاح المنفلت في مخيم جنين، وسط انتقادات لها من بعض التنظيمات الفلسطينية التي اتهمت السلطة الفلسطينية بأنها باتت تعمل كوكيل أمني لإسرائيل، التي فشلت على مدار سنين أن تنهي ظاهرة كتيبة جنين.
بالواقع أن قرار السلطة الفلسطينية جريء جدا. خاصة أنه يأتي في ذات الوقت الذي يخوض فيه قطاع غزة حربا ضروسا أدت إلى مقتل عشرات الآلاف الفلسطينيين، بعد قرار اتخذته حركة حماس في السابع من اكتوبر العام الماضي دون دراسة لآثاره وتداعياته.
لقد قررت السلطة الفلسطينية هذه المرة أن تذهب نحو جنين، لانهاء ظاهرة تعتقد أنها ستكرر مشهد قطاع غزة الذي أصبح إثرا بعد عين.
في إسرائيل لم يعد أحد قادر على وضع كوابح لحكومة يمسك مفاتيحها بن جفير واسمترتش. ومع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، فإن هذه الحكومة أصبحت بالفعل تشكل خطرا حقيقيا على الفلسطينيين.
وما قرأته السلطة، أن هذه التوليفة في تل ابيب وواشنطن قادرة على تدمير جنين ومخيمها دون حتى انتقاد من العالم والمبررات حاضرة ولا تقبل الرد أو النقاش أو التفنيد.
هناك جماعات مسلحة في مخيم جنين تشكل صعوبات تواجهها إسرائيل ومن الممكن أن يتحول المخيم الى قاعدة لانطلاق مئات الفلسطينيين، الذين سيكررون مشهد السابع من اكتوبر. هذا الادعاء بحد ذاته يمنح إسرائيل ذريعة لتدمير مخيم جنين والمدينة وتحويلها الى غزة جديدة. من هنا، كان قرار السلطة الفلسطينية بأن تقطع الطريق على إسرائيل التي كانت تستعد لعملية عسكرية واسعة في مخيم جنين، وعلى ما يبدو قررت أن تؤجلها وتعطي السلطة الفلسطينية الفرصة لكي تنهي هذه الظاهرة.
من بين جميع الحلول التي طُرحت امام قيادة السلطة، مثل اتفاق بواسطة وسائل دولية او حوار مع المسلحين او عملية عسكرية، اختارت السلطة الحلول الأمنية رغم خطورتها لترسل رسالة واضحة: بأنها لن تتهاون مع ظاهرة فوضى السلاح.
وقد يكون اختيار مخيم جنين من قبل السلطة قبل طولكرم وطوباس رسالة للاخرين، بأن المنطقة الأكثر صعوبة والأكثر شراسة وهي مخيم جنين، سيتم السيطرة عليها واخضاعها للأمن الفلسطيني فما بالك بباقي المناطق.
لكن البعض يعتقد أن السلطة هذه المرة اختارت مغامرة كبيرة وغير مضمونة.
وبأن نجاحها سيفسر ضدها من قبل الشارع الفلسطيني. وفشلها ستستفيد منه إسرائيل. والمعنى هنا، إذا فشلت السلطة الفلسطينية في السيطرة على المخيم، تكون قد أعطت إسرائيل مبررا كافيا أمام العالم كي تقول أن السلطة أضعف من أن تتحول إلى دولة مستقلة. وفي حال نجحت، ستكون أمام شارعها العام قد قامت مقام إسرائيل في انهاء ظاهرة فلتان المسلحين في المخيمات. لكن في واقع إقليمي متغير وغياب قوى وبروز أخرى يصبح لازاما على السلطة الفلسطينية أن تثبت بأنها قادرة على إدارة الوضع الداخلي وقادرة أيضا على فرض اجندتها الأمنية في الشارع الفلسطيني، مع ضرورة ايضاح أن المرحلة المقبلة لا تقبل اللعب بالنار لأنها الأخطر في تاريخ القضية الفلسطينية.