الكاتب:
د. سهيل الأحمد
إذا نظرت في واقع الناس بمقتضى العقل وسلامة الفكر تجد تهافتهم على مصالح متوهمة ومطالب نتائجها لحظية مع إن البركة فيها منزوعة وماء الوجه فيه فان هالك وبلا بقاء.. فتراهم في هذا يوقعون أنفسهم في الخلل البين والشبهة الموقعة في الهلاك مع أن قواعد العلم وتطبيق فقه الموازنات والمسؤولية تذكر بكثير من الضوابط المنجية من مهالك الحياة التي لا يقبل للمنصف تجاوزها حيث تأتي قواعد الموازنات المذكرات فتقول: الشبهة تعمل عمل الحقيقة فيما هو مبني على الاحتياط.. درء المفاسد مقدم على جلب المصالح... كل طاعة مازجتها معصية فهي كلها معصية... العقدة إذا جمعت حلالا وحراما غلب جانب الحرمة وبطلت كلها... إذ ا تعارض المقتضي والمانع يقدم المانع... إذا اجتمع المبيح والمحرم يغلب المحرم... الحظر والأحوط إذا ورد خبران أحدهما حاظر والآخر مبيح فالحظر أولى.. إذا اجتمع الحلال والحرام رجح الحرام... يغلب الحرام على الحلال... تغلب جهة الحرمة على جهة الحل احتياطا... المحرم مقدم... المشتبه فيه يؤخذ فيه الأحوط، وهو التحريم... إذا اختلط الحرام بالحلال -والتمييز غير ممكن- يحرم الكل... إذا استوى الحلال والحرام يغلب الحرام الحلال... فأين العاقل من هذا كله وكيف له أن يوقع نفسه في المهالك مع أنه يمكنه النجاة واتباع طريق السلامة في منشطه ومكرهه ويسره وعسره وعن شماله ويمينه، فإن وقع في هذا فمصيره قلة التوفيق، وفساد الرأي، وخفاء الحق، وفساد القلب، وخمول الذكر، وإضاعة الوقت، ونفرة الخلق، والوحشة بين العبد وبين ربه، ومنع إجابة الدعاء، وقسوة القلب، ومحق البركة في الرزق والعمر، وحرمان العلم، ولباس الذل، وإهانة العدو، وضيق الصدر، والابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت، وطول الهم والغم، وضنك المعيشة، وكسف البال، تتولد من المعصية، والغفلة عن ذكر الله، كما يتولد الزرع عن الماء، والإحراق عن النار.. وهنا تأتيك مظاهر التذكير بالخيرات، لأن مراد النفس الرضا والقبول ممن عنده بذل الخير لا يزول.. وهي تقبل لأجل ذلك بطاعة لا يضيع فيها مقصدها ساعة.. وتعلم في هذا أن سعادتها حاصلة مع صدق البذل والإخلاص.. وباتباع محاسن الشعور وبراءة الإحساس.. ، وتخاطب من بدنياه اشتغل وغره طول الأمل.. أن كن مدركاً متيقظا لا تنس صندوق العمل... فالأجل يأتي بغتة .. لا ينتظر منك الكسل... وعندها يدرك العاقل في لحظات صفائه أن سعادته تكمن في قناعته أن يقدم على نوال علمه ومطالب عمله باقتدار ودون مقابل ينتظره من الناس، بل وأن يعمل لأجل ذلك بإخلاص وتفان وقدر استطاعته فلا يرهق نفسه ولا يذهبها حسرات فيعجزه ذلك أو يحبطه، فيوجب على نفسه وبخطى واثقة بمقاصدها مع تحقيق التمكن وثقته المرجوة من الله أنه إنما يبذل جهده وأقصاه في ذلك لتحقيق مراتب يرجوها ومصالح مشروعة ...ثم يدرك أيضاً في هذا المقام أنه يوكل أمره في كل حال إلى الذي خلقه ويعلم أثر عمله ويتكفل بنتائج ذلك.. فيطمئن قلبه ولا يقنط ويتقدم لأجل الصالح ولا يحبط ...فمن يرزقه ويتكفل بمستقبله يعلم حاله ويستجيب لمقاصد قلبه ونواياه الصادقة.. فيخبره أني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان.. فيكفيه ذلك ويرضيه ويتحقق استقراره ويحلق قلبه حيث أراد الله تعالى له ذلك.. فرب الكون ما أبكاك إلا.. لتعلم أن بعد العسر يسرًا، وإن جار الزمان عليك فاصبر.. وسل مولاك توفيقا وأجرًا، لعل الله أن يجزيك خيرًا.. ويملأ قلبك المكسور صبرا، وإن صفت الحياة عليك فاحذر.. فَرُبَّ بليةٍ تأتيك غدرا، فكم من مترفٍ بالمال فيها .. فأصبح يرتدي ذلا وفقرًا، هي الدنيا فلا تركن إليها .. ولا تجعل لها في القلب قدرًا، ومد يديك للرحمن دوماً... فربك لن يرد يديك صفرًا.