الأحد: 29/12/2024 بتوقيت القدس الشريف

المفتي جلال الدين يُثبت لبنانية مزارع شبعا قبل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين!

نشر بتاريخ: 28/12/2024 ( آخر تحديث: 28/12/2024 الساعة: 09:16 )

الكاتب: هيثم زعيتر


ما زالت قضية مزارع شبعا، المُحتلة من قبل العدو الإسرائيلي، تستأثر بالاهتمام على مُستويات عدة، وسط جدل حول ملكيتها: أهي لبنانية أم سورية؟!
أياً كان واقع تلك المنطقة، التي تبلغ مساحتها حوالى 200 كلم2، فالثابت الوحيد، أنها أرضٌ مُحتلة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، بعد عدوان 5 حزيران/يونيو 1965، وتحديداً اعتباراً من 15 منه، وعلى 8 مراحل، كانت آخرها في نيسان/إبريل 1989، لينعم بثرواتها المائية، وخيراتها، وإقامة مُنتجعات سياحية، بينها مركز تزلج و"تلفريك"، فضلاً عن موقعها الاستراتيجي، حيث تُعتبر نقطة ارتكاز بين لبنان وسوريا وفلسطين.
وقد أثارت تصريحات الرئيس السابق لـ"الحزب التقدمي الاشتراكي" الوزير والنائب السابق وليد جنبلاط، خلال زيارته التاريخية إلى سوريا، ولقاء قائد "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع، في "قصر الشعب" بدمشق، يوم الأحد في 22 تشرين الأول/ديسمبر 2024، جدلاً سياسياً بين من يُؤيد أن ملكية هذه الأراضي سورية، ومن يُؤكد لبنانيتها!
*
تتبع هذه المزارع، بلدتي شبعا وكفرشوبا، في قضاء حاصبيا في مُحافظة النبطية حالياً (مُحافظة الجنوب سابقاً)، وتعود ملكية هذه الأراضي إلى عائلات من شبعا وكفرشوبا، والأوقاف الإسلامية السنية والروم الأرثوذوكس.
منعاً للاستغلال السياسي، أو التأثير العاطفي، فإن "اللـواء" تنشر وثائق، تُؤكد لبنانية مزارع شبعا، ومصدرها مُفتي صيدا والجنوب الراحل الشيخ محمد سليم جلال الدين، المعروف، بمصداقيته ونزاهته، وزهده وحكمته، وبُعد بصيرته، ومواقفه الوطنية، خاصة بمُواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وإصداره الأحكام استناداً إلى الأدلة المُوثقة.
وفي هذا الإطار، فإن ما ننقله عن المُفتي جلال الدين - رحمه لله - لا يدخل في إطار "البازار السياسي"، لأن هذه الوثائق تعود إلى ما قبل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين في أيار/مايو 1948.
حدّثني المُفتي جلال الدين، في جلسات سابقة، عن ذلك بالقول: "عُيّنتُ قاضياً شرعياً في المحكمة الشرعية السنية لحاصبيا، بتاريخ 6 كانون الثاني/يناير 1943، وحينها بادرتُ إلى تنظيم أوراق لإثبات أن قطعة الأرض المعروفة باسم "مشهد الطير الإبراهيمي" في مزارع شبعا هي لـ"الأوقاف الإسلامية السنية"، وكان ذلك بتاريخ 30 تشرين الثاني/نوفمبر 1944، حيث جرى اتخاذ قرار نهائي من المحكمة الشرعية العليا، حمل الرقم 12/9، وصدر بتاريخ 2 شباط/فبراير 1949، أكد أحقية الأوقاف السنية بذلك.
كما أن مجلس الوزراء اللبناني، اتخذ قراراً في جلسته المُنعقدة بتاريخ 16 كانون الثاني/يناير 1948، أكد فيه "أن "مشهد الطير الإبراهيمي" تعود مُلكيته للوقف الإسلامي السنّي في شبعا".
هذه الوقائع تُثبت أن المُنازعات كانت تجري مع الدولة اللبنانية، وليس الحكومة السورية، أو أي جهة أخرى.
كذلك، فإن عائلة مُفتي حاصبيا ومرجعيون الشيخ حسن دلي، قد دفعت، خلال السنوات الماضية، رسوم انتقال ملكية أراضٍ في "مزرعة قفوى" في مزارع شبعا، كانت مُسجلة باسم الوالد المرحوم إسماعيل دلي، إلى أفراد عائلته لخزينة الدولة اللبنانية.
وأضاف المُفتي جلال الدين: "إن وقف "مشهد الطير الإبراهيمي"، هو عبارة عن قطعة أرض، تكثر فيها أشجار السنديان، وعليها مقام مسجد، يفدُ إلى زيارته بعض الناس، ويُعتبر من الآثار التاريخية التي تحكي جزءاً من تاريخهم في هذه البقعة الطيبة من أرض الجنوب، وهو وقف فُقدت سجلاته مع تقادم الزمان، ولم يبقَ له قيد في سجل رسمي بشأن أمثاله من الأوقاف القديمة.
وقد خاف المُسلمون في شبعا ومزارعها من بقائه من دون قيد رسمي، فلجأ القائمون على إدارة الأوقاف الإسلامية، إلى إثبات وقفية المشهد المذكور، وفقاً للأحكام الشرعية.
وبالفعل حضر جمهور كبير من أهالي شبعا، المُسلمين الموثوقين والمعروفين بأمانتهم وصدقهم، وشهد كل واحد منهم حسبة للّه تعالى، بأن "مشهد الطير الإبراهيمي"، وقف مشهور ومعروف لمسجد شبعا و"مشهد الطير"، وأن ريعه يُصرف على مسجدي شبعا و"مشهد الطير"، قياماً بالواجب الديني، ولما في هذه الشهادة من إثبات حق من حقوق لله تعالى، ورغبوا إلى المحكمة تسجيل شهادتهم، وما يبني عليها من المُقتضى الشرعي".
وأوضح أنه "صدر حكم عن المحكمة الشرعية السنية في حاصبيا، بثبوت قطعة الأرض المعروفة باسم "مشهد الطير الإبراهيمي"، في مجلس الشرع الشريف المُنعقد في المحكمة الشرعية بحاصبيا، برئاسة القاضي الشيخ محمد سليم جلال الدين".
وقال المُفتي جلال الدين: "كما جاء في قرار المحكمة الشرعية العليا في الجمهورية اللبنانية، الذي حمل صيغة "قرار نهائي"، والرقم 9/12، بتاريخ 2 شباط/فبراير 1949: الهيئة الحاكمة: الرئيس سماحة الشيخ محمد علي الأنسي، وعضوية المُستشاران: الشيخ محمد علايا والشيخ محمد منيب الناطور.
بعد اعتراض الغير: الحكومة اللبنانية.
والمُعترض عليه: مُديرية الأوقاف الإسلامية في بيروت.
وصفوة اللائحة الجوابية:
إن اعتراض الحكومة اللبنانية، بغير محله الشرعي والقانوني، لأنها لم تُدلِ ببرهان أو دليل أو مُستند قانوني، يُؤيد صحة زعمها ملكية العقار المحكوم به.
وإن الاعتراض على الصلاحية هو بغير محله، لصراحة الفقرة /14/ من المادة /14/ من الأصول الشرعية، فيُطلب رد دعوى الحكومة، وتضمنها الرسوم والمصاريف".
وأشار إلى أنه "تبيّن من قرار مجلس الوزراء، المُتخذ في جلسته المُنعقدة بتاريخ 16 كانون الثاني/يناير 1948، أنه في أثناء رؤية دعوى اعتراض الغير، ألّفت الحكومة بمُوجب المرسوم رقم /2730/ المُؤرخ بتاريخ 12 آب/أغسطس 1946، لجنة خاصة، مُهمتها تقديم الاقتراحات التي تؤول إلى حسم الخلاف الواقع على الحرج المذكور، وإن لها عند الاقتضاء أن تستعين بأحد مُهندسي المنطقة، حيث قامت اللجنة بالمُهمة الموكولة إليها، وبعد أن أجرت بحضور المُهندس العقارى كشفاً حسّياً على العقار المُتنازع عليه، طلبت إلى الشهود وإلى رئيس لجنة أوقاف شبعا، أن يُشيروا إلى القطعة التي يدعونها وقفاً، فأشاروا إليها، ووضع المُهندس العقاري تقريراً عنها، وخريطة بيّن فيها مساحتها وحدودها ومُحتوياتها وعدد أشجارها، فإذا بهذه الحدود الواردة في الحكم الشرعي، والتي تضم مساحات واسعة من الحرج، وأن الحدود الحقيقية التي نوّه بها المُجاورون خلال الكشف، لا تشمل سوى حرج المشهد المُبيّن بتقرير وخريطة المُهندس الخبير".
وقال المُفتي جلال الدين: "شكّل مجلس الوزراء تأليف لجنة، بمُوجب المرسوم 6720 المُؤرخ في 12 آب/أغسطس 1946، لجنة خاصة قوامها: أمير خالد شهاب: رئيساً، زهدي يكن: المُستشار المُمتاز لدى محكمة الاستئناف وإبراهيم عازار: مُحامي الحكومة في مُحافظة الجنوب.
مُهمتها تقديم الاقتراحات، التي تؤول إلى حسم الخلاف الواقع على الحرج المذكور، ولها عند الاقتضاء أن تستعين بأحد مُهندسي المنطقة، فقامت اللجنة بالمُهمة الموكولة لها، وبعد أن أجرت بحضور المُهندس العقاري كشفاً حسياً على العقار المُتنازع عليه، طلبت إلى الشهود وإلى رئيس لجنة أوقاف شبعا، أن يُشيروا إلى القطعة التي يدعونها وقفاً عائداً إليها، ووضع المُهندس العقاري تقريراً عنها، وخريطة يُبين فيها مساحتها وحدودها ومُحتوياتها وعدد أشجارها، فإذا بهذه الحدود لا تأتلف والحدود الواردة في الحكم الشرعي، والتي تضم مساحات واسعة من الحرج.
واقترحت اللجنة أن لوقف "مشهد الطير"، حق الانتفاع بالقطعة الحرجية المُسماة "مشهد الطير"، ومساحة هذه القطعة، على الوجه التقريبي مئتا دونم، وتحتوي على ثلاثة آلاف شجرة حرجية مُتكاتفة.
واطّلع المجلس على مُطالعة وزارة العدلية المُؤرخة في 8 كانون الثاني/يناير الجاري، المُتضمنة طلب المُوافقة على اقتراح اللجنة المُدون أعلاه، لا سيما وأن سماحة مُفتي الجمهورية قد وافق على هذا الاقتراح، بكتابه المُؤرخ بتاريخ 30 كانون الأول/ديسمبر 1947.
وبعد المُداولة: وافق المجلس على اقتراح اللجنة، كما هو وارد أعلاه عدد 31 د. صورة طبق الأصل لجانب وزارة العدلية بيروت في 21 كانون الثاني/يناير 1948 مُدير عام رئاسة مجلس الوزراء".
في ضوء ذلك، وبعد حصول مُنازعة بين الأوقاف الإسلامية السنية والحكومة اللبنانية على قطعة أرض، تُعرف باسم "مشهد الطير الإبراهيمي"، الواقعة في خراج بلدة شبعا لجهة وادي العسل على الحدود مع سوريا، والتي تُعتبر أبعد نقطة في المزارع للجهة السورية، حيث ثبت لبنانيتها، فكيف بالمزارع الأخرى التي تُعتبر أقرب منها إلى شبعا وتلال كفرشوبا؟!