الكاتب: د.فوزي علي السمهوري
يحتفل الشعب الفلسطيني بالذكرى الستون لإنطلاقة حركة فتح بالأول من كانون الثاني ١٩٦٥ تلك الانطلاقة العملاقة لثورة الشعب الفلسطيني من أجل تحرير فلسطين المحتلة وتمكين اللاجئين الفلسطينيين العودة لوطنهم التاريخي تنفيذا لقرار الجمعية العامة رقم ١٩٤ .
بعد تكالب القوى الإستعمارية بقيادة بريطانية بتمكين العصابات اليهودية الصهيونية من السيطرة على مساحة ٧٨ % من أرض فلسطين التاريخية وتهجير قسري لمئات الآلاف من ابناء الشعب العربي الفلسطيني خارج وطنه التاريخي بإعلان انشاء كيانه الإستعماري الإحلالي وتمكينه بعد ذلك من شن حربه العدوانية في الخامس من حزيران ١٩٦٧ وما اسفر عن إحتلال باقي فلسطين وتهجير قسري لمئات الآلاف وإطلاق عليهم مصطلح نازحين ليعيشوا مع من سبقهم من ملايين اللاجئين الفلسطينيين حياة اللجوء في المنفى مجردين ومحرومين من حقهم الأساس بالعودة إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة نتيجة للسياسة الأمريكية ومحورها المنحازة للكيان الإستعماري الإسرائيلي بحكم وظيفته العدوانية بالعمل على حماية المصالح والنفوذ الأمريكي في الوطن العربي مما يؤكد ويفسر أسباب وعوامل إنقلابها على تعهداتها وإلتزاماتها كدولة عضو دائم بمجلس الأمن بالعمل على ترسيخ الأمن والسلم الدوليين وبكفالة تنفيذ القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الامن والجمعية العامة وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه بتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة أسوة بباقي شعوب العالم إعمالا لمبادئ وأهداف الأمم المتحدة وميثاقها .
إستهداف فتح :
شكل إنطلاقة فتح بتوقيتها واهدافها وإستراتيجيتها المقاومة وإلتفاف الشعب الفلسطيني طليعة الشعب العربي حولها زلزالا لدى الكيان الإستعماري الإسرائيلي وسادته وصانعيه الذين خالهم النجاح بتدجين وتركيع وإخضاع الشعب الفلسطيني للإستسلام للمخططات الصهيوامريكية .
فتح قائدة الثورة الفلسطينية دجنت وشكلت بإنطلاقتها في تحد للظروف الإقليمية وبرفضها نتائج عدوان حزيران ١٩٦٧ عبر تصعيد مقاومتها بحرب إستنزاف شعبية طويلة المدى بالعمق ضد قوات الإحتلال الإسرائيلي ملحقة به خسائر عسكرية بصفوفه البشرية ومعداته ومنشآته وإقتصاده وتحقيق الإنتصار الكبير بدعم ومشاركة من ابطال الجيش العربي الأردني في معركة الكرامة بالحادي والعشرين من آذار ١٩٦٨ ذلك الإنتصار الذي بدد مقولة الكيان الإستعماري الإسرائيلي انه الجيش الذي لا يقهر وبالتالي تهديد النفوذ ومصالح الدول الصانعة والمنشئة لهذا الكيان العدواني العنصري وما يعنيه من تراجع الهيمنة الإمرواوربية ليس في الشرق الأوسط وإنما في دول العالم الثالث .
هذا الإنتصار ونتائجه وتداعياته دفع أمريكا ومحورها للعمل عبر وكيلها الإسرائيلي الإرهابي الذي زودته ومكنته بمزيد من عناصر القوة العسكرية والسياسية والإقتصادية لإنجاز هدف محدد متمثل بالقضاء على الثورة الفلسطينية وعمودها الفقري حركة فتح التي تولت قيادة م ت ف منذ عام ١٩٦٩ .
المحطات النضالية :
مرت حركة فتح بمحطات نضالية سجلها تاريخ النضال الفلسطيني الحديث على طريق الحرية والإستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف :
أولا : مرحلة البناء والتاسيس دشنتها بالإنطلاقة بعملياتها الأولى في ١/١/١٩٦٥ داخل الأرض الفلسطينية المحتلة وما رافقها من محاولات تشويه وتشكيك لعوامل مختلفة إمتدت هذه المرحلة حتى عدوان حزيران ١٩٦٧ وما أسفر عن إحتلال باقي فلسطين " الضفة الغربيةوقطاع غزة " والجولان وسيناء .
ثانيا : أعلنت حركة فتح بقيادة الشهيد ابو عمار رفضها الإستسلام أمام غطرسة العدو الإسرائيلي المنتظر لإعلان الإستسلام من قادة الدول المعنية وفقا لتصريح وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك موشيه دايان انه بإنتظار رنين هاتف مكتبه .
شهدت هذه المرحلة حرب تحرير شعبية متصاعدة على عدة جبهات مترافقة بمد ودعم جماهيري فلسطيني وعربي وعالمي للثورة الفلسطينية ولم يكن هذا الدعم شعبيا وإنما رافقه دعم رسمي من الدول المحيطة بفلسطين المحتلة وفي مقدمتها الأردن ومصر .
هذا المد والدعم والإلتفاف الشعبي والرسمي على الساحة العالمية إنعكس أيضا على حركات التحرر العالمية مما أدى لمزيد من تراجع نفوذ المعسكر الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط التي تعدها الإستراتيجية الامريكية بانها تشكل امن قومي في ظل الحرب الباردة بين المحورين الأمريكي والسوفياتي لما تحتلها من مكانة هامة جيوسياسية وإقتصادية وإستراتيجية مما حدا بأمريكا ان تنتقل للمرحلة التنفيذية للقضاء عسكريا على الخطر الجاثم على نفوذها ومصالحها التي تمثل عنوانها منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وعمودها الفقري حركة فتح فجاء عدوان الكيان الإستعماري الإسرائيلي الواسع والشامل على لبنان عام ١٩٨٢ مستهدفا الوجود العسكري الثائر والمقاوم فكان خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان لتبدأ المرحلة الثالثة من نضال حركة فتح .
ثالثا : بعد الخروج العسكري من لبنان واجهت حركة فتح مؤامرة الانشقاق بعد دفاعها عن القرار المستقل ورفض الإرتهان لأي نظام عربي رسمي وأن يكون ورقة بيد ذلك النظام او غيره فكانت بداية المرحلة الثالثة الإعداد لإنتفاضة شعبية عارمة داخل الأرض المحتلة التي إنطلقت بقيادة فتح في كانون اول عام ١٩٨٧ قدم خلالها الشعب الفلسطيني مئات الشهداء والآف الأسرى والمصابين عجز خلالها العدو الإسرائيلي وعلى مدار سنوات من إجهاض ثورة الشعب الفلسطيني الشعبية بمكوناته بالرغم من إستخدامه كافة اشكال البطش والإضطهاد والقتل والتنكيل والإعتقالات التعسفية وفرض العقوبات الجماعية وغيرها من الإنتهاكات والجرائم التي تصنف جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والتي بإرتكابه هذه الجرائم كشف عن زيف ووقاحة هذا الكيان التوسعي على الرغم من رفضه تنفيذ القرارات الدولية الداعية لإنهاء الاحتلال للاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة بزعمه انه واحة الديمقراطية الوحيدة بالشرق الأوسط وبحبه للسلام وإحترامه للشرعة الدولية وبالتالي هذا الزيف والإدعاء رفع مستوى الدعم عالميا لحق الشعب الفلسطيني بالحرية والإستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وبقيت شعلة الانتفاضة الأولى متقدة إلى حين حدوث تغيرات إقليمية ودولية اهمها إنهيار الإتحاد السوفياتي التي ادت بتغيرات موازين القوى لصالح المحور الأمريكي فكان إتفاق المرحلة الإنتقالية " اوسلو " في أيلول ١٩٩٣ والذي كان إيذانا ببدا مرحلة النضال من داخل الوطن لبناء مؤسسات الدولة على طريق إنهاء الإحتلال وإقامة الدولة العربية الفلسطينية وعاصمتها القدس وحل قضية اللاجئين تنفيذا لقرار الجمعية العامة رقم ١٩٤.
رابعا : أسفر توقيع إتفاق اوسلو عن الإنتقال إلى الوطن وما الإستقبال الجماهيري للرئيس الشهيد ابو عمار في غزة واريحا عند عودته للوطن ولجنين ونابلس إلا تعبير وإستفتاء على تجديد البيعة والتأكيد على قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وعلى برنامجها لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران خلال مدة زمنية لا تتجاوز خمس سنوات وفق الجدول الزمني المنصوص عليه في إتفاقية اوسلو الذي إنقلبت عليه قوى الإرهاب والتطرف الإسرائيلي بدءا من قتل رابين عقابا على إبرامه الإتفاق والمصادقة عليه من الكنيست في مسار أفضى إلى تربع غلاة التطرف والإرهاب الإسرائيلي على سدة الحكم مسلحين بإستراتيجية توسعية عدوانية هادفة لتابيد إحتلالها الإستعماري الإحلالي والتنصل الكامل من تنفيذ إلتزاماتها بإنهاء إحتلالها للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عدوان حزيران ٦٧ وصولا لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس مع نهاية المرحلة الإنتقالية التي من المفترض أن تنتهي في أيار ١٩٩٩.
هذا الإنقلاب الإسرائيلي على إتفاق اوسلو كما هو كذلك الإحتلال بحد ذاته إنقلاب وتحد لمبادئ وميثاق الأمم المتحدة مثل أكبر تحد أمام القيادة الفلسطينية التي قادت المرحلة مسلحة بالقانون الدولي وبقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة وبدعم واسع من المجتمع الدولي وما بإعتراف ١٤٩ دولة بالدولة الفلسطينية وقبولها عضوا مراقبا بالأمم المتحدة والذي حال ويحول دون قبولها عضوا بكامل الحقوق والواجبات الفيتو الأمريكي والسياسة الأمريكية المنحازة للكيان الإستعماري الإسرائيلي الذي يتجلى ابشع صوره بدعمها اللامحدود لجرائم الإبادة والتطهير العرقي التي يمعن العدو الإسرائيلي بإرتكابها على مدار أربعة عشر شهرا في قطاع غزة ولسنوات وإن وبوتيرة اقل في الضفة الغربية والقدس عاصمة الدولة الفلسطينية دون خوف من المساءلة والعقاب بتمكين أمريكي وما تحدي قرارات محكمة العدل الدولية برفض تنفيذها إلا نموذج من مئات النماذج السياسة الإسروامريكية التي تحول دون تحقيق الأمن والسلم الإقليمي والدولي على المدى المتوسط والبعيد .
فتح والمشروع الوطني الفلسطيني :
مع مرور ستون عاما على إنطلاقة فتح العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية يبقى تساؤل يدور في الأذهان هل نجحت فتح من خلال قيادتها للمرحلة بتحقيق اهدافها ؟ وهل لا زالت مؤهلة لقيادة المرحلة القادمة بتحدياتها ؟
الجواب بالمقال القادم إن شاء الله.... ؟