الخميس: 02/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ما بعد طوفان الأقصى والإبادة الجماعية

نشر بتاريخ: 30/12/2024 ( آخر تحديث: 30/12/2024 الساعة: 12:27 )

الكاتب: احمد عيسى

حقق الإئتلاف اليميني الحاكم في إسرائيل بزعامة نتنياهو في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني العام 2022، فوزا ساحقا بأغلبية برلمانية مريحة محمولا على مروحة من الأهداف، في القلب منها حسم وجود دولة إسرائيل في المنطقة وتحقيق إنتصار حاسم على الشعب الفلسطيني صاحب البلاد الأصلاني من خلال إصلاح ما أفسده مؤسسي الدولة الأوائل في العامين 1948 و1967، إذ فشلوا في إحداث تحول ديموغرافي كامل في العامين المحددين رغم تنفيذهم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين واجبار نسبة عالية منهم على الهجرة والنزوح خارج فلسطين.

وفيما شرع الإئتلاف فور تشكيله للحكومة الحالية في تهيئة الرأي العام الإسرائيلي اليهودي لإستراتيجية الحسم، وإحكام السيطرة على باقي مؤسسات أو سلطات الدولة التنفيذية والقضائية ممثلة بالجيش والمؤسسة الأمنية والمحكمة العليا كرمز للسلطة القضائية، جاءت عملية طوفان الأقصى من جهة، لتحفر عميقا في الوعي اليهودي ان حسم الصراع لمصلحة الرؤية الصهيونية غاية مستحيلة التحقق، ومن جهة أخرى لتمنح الإئتلاف الحاكم شرعية في خططه لتنفيذ ابادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني.

ولتأكيد هذه الشرعية سارع صناع الرأي من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى خاصة كل من (دينس روس ودافيد ماكوفسكي) الى تركيز السجال الفكري والأكاديمي والإعلامي والسياسي ما بعد اكتوبر الماضي حول سؤال اليوم التالي لحماس كحركة مقاومة وحكم في الساحة الفلسطينية، وتظهر القراءة السريعة للمشهد منذ اكتوير الماضي وحتى تاريخه أنهم نجحوا في ذلك، إذ لا زال سؤال اليوم التالي لنهاية حماس هو محور إهتمام الأوساط السياسية والإعلامية في المنطقة والعالم.

وقد ساعدت هيمنة هذا السؤال المحمول على عبارة (حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها) تلك العبارة التي تعتبر المرادف للإبادة الجماعية، البعض من المتخصصين في دراسات الأمن القومي الإسرائيلي من اليهود الإسرائيليين (أمثال رون بن يشاي وكوبي ميخائيل وفرايم عمبار وغيرهم) الى الذهاب بعيدا واستغلال اللحظة لإعادة ترسيخ وزراعة ثقافة ومدلولات (الجدار الحديدي لجابوتنسكي) ليس في عقل الفلسطينيين فحسب، بل في العقل العربي والإسلامي عموماً، ولتثبيت أن إسرائيل وجدت في المنطقة لتبقى وتستمر وتهيمن على العرب والمسلمين.

في العلن يبدو للمتابع للخطاب الرسمي الإسرائيلي أن إستراتيجية الإبادة الجماعية للفلسطينيين القائمة على توظيف القوة العسكرية غير المتناظرة، تحقق إنجازات ملموسة في حسم صناعة إسرائيل في المنطقة، الأمر الذي يتجلى في خطاب رئيس الوزراء نتنياهو بوضوح أيما وضوح، لا سيما بعد تراجع قوة محور المقاومة خاصة بعد سقوط النظام السوري وقبله قبول حزب الله اللبناني وقف إطلاق النار على الجبهة الشمالية، الأمر الذي أخرج كل من سوريا ولبنان من محور المقاومة او وحدة الساحات.

لكن القراءة العميقة للمشهد لا سيما تلك التي تجري في الغرف المغلقة، خاصة في الغرف المسؤولة عن تطوير التقديرات الإستراتيجية وفقا لما يرشح في تصريحات وكتابات بعضهم أمثال (عاموس جلعاد وعاموس يادلين وكذلك غيورا آيلاند) تكشف أن تقديراتهم لا تسير في ذات الإتجاه المتضمن في خطاب نتنياهو والمقربين منه، إذ يعكس هؤلاء في جدلهم أن أسئلة مثل: هل ستردع الإبادة الجماعية الفلسطينيين وتخضعهم للتسليم بالجدار الحديدي ومدلولاته كما افترض جابوتنسكي وارتكز عليها بن غوريون في تطوير ركائز نظريته للأمن القومي الإسرائيلي، كما اعتمد عليها نتنياهو في محاولته تطوير مفهوم جديد للأمن القومي الإسرائيلي وفقا للمسودة التي كتبها العام 2019 سربتها صحيفة هآرتس قبل اكثر من عام؟.

وما هو شكل المقاومة الجديد الذي يمكن أن ينتجه الفلسطينيون بعد طوفان الأقصى؟ لا سيما وأن منحنى المقاومة الفلسطينية بشقيها السياسية الديبلوماسية والعسكرية أخذ في الصعود لا الهبوط على مدى سنوات الصراع على الرغم من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير التي نفذتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني خلال العقود الماضية من الصراع، خاصة في عصر الذكاء الإصطناعي؟

ثم ما هو البديل عن حل الدولتين؟ لا سيما وأن الإئتلاف الحاكم في إسرائيل قد إستبدل خيار التسوية السياسية للصراع بخيار الإبادة الجماعية.

وحول السؤال الأول فهناك ثلاث اجابات بليغة، الأولى والثانية من المجتمع الغزي نفسه الذي يتعرض لحرب ابادة منذ اكثر من اربعة عشر شهرا، والثالثة من جورج فريدمان الذي يعتبر الخبير الجيوسياسي الأشهر في العالم، إذ اجاب الغزيون عمليا برفضهم الهجرة وترك أرضهم رغم الإبادة غير المسبوقة في التاريخ التي يتعرضون لها حيث لم يغادر منهم غزة إلا 100 الف ممن لديهم القدرة المالية على الهجرة المؤقتة، فيما هاحر ثلاثة أضعاف هذا العدد من اليهود اسرائيل بدون عودة كما أعلنوا، أما الإجابة الثانية فتتجلى بوضوح أيما وضوح نتائج إستطلاع الرأي الذي أجراه مركز العالم العربي للبحوث والتنمية (أوراد) قبل لأسبوع، إذ أظهرت النتائج أن هناك انخفاض في نسبة المتشائمين من المستقبل في قطاع غزة بواقع 24 درجة إذ انخفضت النسبة الى 60% في شهر تشرين تاني فيما كانت 84% في شهر اكتوبر الذي سبقه، أما جورج فريدمان فقد كتب في مقالة له على موقع المستقبل الجيوسياسي بتاريخ 11/12/2024 ان الحرب على حماس في غزة اثبتت فشل المقاربة العسكرية الإسرائيلية.

أما حول السؤال الثاني الذي يتعلق بأنماط المقاومة الفلسطينية الديبلوماسية والعسكرية المتوقعة فتظهر التقارير أن هناك تطور يصعب ايقافه في هذا الشأن ويحرك هذا التطور إصرار الفلسطينيين على مواصلة المقاومة حتى دحر الإحتلال وتحقيق هدفهم في الحرية والإستقلال واقامة دولتهم المستقلة لا سيما وان عددهم على الأرض الممتدة من النهر للبحر يفوق عدد المستوطنين اليهود.

وحول السؤال الثالث جادل الأستاذ جون ميرشايمر استاذ العلوم السياسية، ومنسق برنامج سياسة الأمن الدولي في جامعة شيكاغو في العام 2012 في محاضرة له في ذكرى شرابي في مركز فلسطين بواشنطن، أن ليس بوارد إسرائيل السماح بقيام دولة فلسطينية الى جانب دولة إسرائيل، ولن يكون بمقدور أي إدارة أمريكية فرض ضغوط على إسرائيل للسماح بقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة الى جانب دولة إسرائيل، وأن إسرائيل تسير نحو ضم اراضي الدولة الفلسطينية الموعودة لسيادتها، وهذا سيقود يقينا الى قيام دولة إسرائيل العنصرية (ابارتهيد)، الأمر الذي سيقسم الجالية اليهودية خارج إسرائيل خاصة في أمريكا الى يهود طيبيين ويهود أفريكانيين وبينهما الفئة الأكبر من اليهود الذين لا رأي لهم.

بعد مرور أكثر من عقد على تحليل وإستشراف ميرشايمر لجأت إسرائيل الى الإبادة الجماعية، التوجه الذي استبعده ميرشايمر في محاضرته كونه بمثابة انتحار للمشروع الصهيوني والدولة اليهودية، الأمر الذي ساهم بشكل فعال في دفع كثيرين من الفئة الوسطى من اليهود نحو فئة اليهود الطيبيين، مما يساهم في انهاء والمشروع الصهيوني والإسراع في الإعلان عن فشله

ما تقدم يظهر أن اليهود الأفريكانيين سيتجهون نحو مواصلة الإبادة الجماعية للفلسطينيين لإعتقادهم أن هذا الأسلوب سيحسم الصراع لمصلحتهم في المدى المنظور، وفي المقابل سيزداد اندفاع اليهود الطيبيين نحو رفض الإبادة والفصل العنصري والتموضع خلف الصوت اليهودي للسلام وتطويرمبادرات سياسية تقوم على تفكيك الكولونيالية والإستعمار مثل مبادرة (ِALFA) التي تدعو (لأرض لمن عليها ودولتين لشعبين) وغيرها من المبادرات المتوقع بروزها.

وفيما يتعلق بالفلسطينيين يجعل ما تقدم من المشروع التساؤل: هل النظام السياسي الفلسطيني بحالته الراهنة مهيئ لقيادة دولة ثنائية القومية؟