الجمعة: 03/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

"جنين" دروس الماضي وأمل الحوار...

نشر بتاريخ: 31/12/2024 ( آخر تحديث: 31/12/2024 الساعة: 15:55 )

الكاتب:


الكاتب: المحامي محمد هادية/ القدس
تشهد مدينة جنين ومخيمها تصعيدًا خطيرًا في العنف، مما ضاعف معاناة السكان وفاقم أزمات إنسانية وسياسية قائمة. هذه الأحداث المؤلمة تعيد إلى الأذهان الاقتتال الداخلي الدامي في قطاع غزة عام 2007، الذي ترك بصمات كارثية على الشعب الفلسطيني. إن استحضار تلك التجربة الأليمة والبحث عن حلول بديلة مثل الحوار أصبح ضرورة ملحّة لتحقيق مستقبل أفضل لشعب أنهكته عقود من الحرب والحصار والدمار.

تجربة 2007: دروس الماضي الحاضرة
في عام 2007، شهد الفلسطينيون اقتتالًا داخليًا طاحناً انتهى بتعميق الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة. لم يكن ذلك الصراع مجرد مواجهة سياسية، بل أدى إلى تدمير النسيج الاجتماعي الفلسطيني وتدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي، وما زالت آثاره تتفاقم حتى اليوم. لقد دفع الشعب الفلسطيني ثمنًا باهظًا لهذا الاقتتال، حيث تعمقت حالة الاستقطاب وتلاشت فرص الوحدة الوطنية. ومع ذلك، تظل هذه التجربة درسًا حاضرًا يجب أن نتعلم منه لتجنب اللجوء إلى العنف الداخلي الذي لا يجلب سوى المزيد من الخراب.

الحوار كبديل للعنف
يقول الكاتب إيلي فيزل عن الحوار:
"نحن جميعاً شركاء في البحث. الأسئلة الجوهرية ليس لها إجابات. أنت سؤالي، وأنا سؤالك – ثم يحدث الحوار. في اللحظة التي نحصل فيها على إجابات، ينتهي الحوار. الأسئلة توحد الناس، بينما الإجابات تفرقهم. فلماذا نحصل على إجابات عندما يمكننا العيش بدونها؟"
يُخطئ من يأتي إلى الحوار حاملاً إجابات جاهزة أو قرارات مسبقة، ويُخطئ أكثر من يستقبله بمواقف وأحكام مغلقة. الحوار الحقيقي لا يبدأ من الافتراضات بل من الأسئلة المفتوحة التي تكشف وجهات النظر وتُظهر الأسباب والدوافع.
على سبيل المثال، يمكن توجيه أسئلة للسلطة الفلسطينية مثل:
• لماذا تُشن حملة عسكرية في مخيم جنين؟
• هل تعتقدون أن استمرار وجود المجموعات المسلحة يُشكل ذريعة للجيش الإسرائيلي لتدمير جنين؟
• هل ترون أن هذه العمليات تشكل حماية للشعب الفلسطيني؟
وفي المقابل، يمكن طرح أسئلة للفصائل المسلحة:
• ما هي رؤيتكم لاستمرار العمل المسلح؟
• ما الأهداف التي يمكن تحقيقها في هذه المرحلة؟
• ألا تخشون تكرار سيناريو غزة؟
إن الحوار الذي يركز على الأسئلة بدلاً من الإجابات الجاهزة يُتيح فهمًا أعمق للمواقف ويُمهّد الطريق لإيجاد حلول مشتركة.

البحث عن الأرضية المشتركة
في سياق الأزمات المعقدة، يمكن أن يكون البحث عن الأرضية المشتركة بين الأطراف نقطة انطلاق لحوار بنّاء. في الحالة الفلسطينية، يمكن لطرف ثالث مختص بتيسير الحوار، وممارس للوساطة في تسوية النزاعات وعمليات بناء السلام أن يقترح أرضية مشتركة تشمل قضايا مثل وقف العدوان على غزة، تحسين الظروف المعيشية، وحماية مصالح الشعب الفلسطيني.
إن الإستخدام الفعال لأداة مثل التلخيص خلال إدارة الحوار من قبل وسيط ميسر محترف يجنب الأطراف الفهم الخاطيء للمفاهيم والتصريحات المتبادلة. كما أن قيامه بإعادة صياغة الكلمات المتضمنة للإتهامات المتبادلة التي عادة ما يكون صدورها من الأطراف كفيلاً بانهيار الحوار يشكل ضمانة لاستمراره. في كل مره يتجاوز الأطراف العقبات خلال عمليات الحوار والتفاوض، فإنهم يزدادون ثقة بالعملية بما يشجعهم على الإنخراط فيها أكثر فأكثر.
البداية يمكن أن تكون بمبادرات صغيرة تُبني الثقة تدريجيًا بين الأطراف، إذ إن المصالحة ليست حدثًا يحدث بين ليلة وضحاها، بل هي عملية طويلة تعتمد على النوايا الصادقة والرغبة الحقيقية في إنهاء النزاع.

الحوار كضرورة وليس خيارًا
الأحداث الجارية في جنين تذكرنا بأهمية مراجعة دروس الماضي والعمل على تجنب أخطاء الانقسام والتدهور. الحوار ليس مجرد خيار مثالي، بل هو ضرورة لتحقيق الوحدة الوطنية والاستقرار. يمكن استلهام التجارب العالمية الناجحة في حل النزاعات عبر الحوار، مثل تجربة كولومبيا التي أنهت عقودًا من الصراع مع القوات المسلحة الثورية (فارك) من خلال مفاوضات طويلة أثمرت عن اتفاق سلام تاريخي في عام 2016.
إن البحث عن الأرضية المشتركة والانخراط في جهود صادقة للمصالحة يمكن أن يفتح صفحة جديدة للشعب الفلسطيني، قائمة على الأمل والعمل المشترك نحو مستقبل أفضل. في ظل التحديات الراهنة، يبقى الحوار أداة أساسية لإعادة بناء النسيج الوطني وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والكرامة.