الكاتب:
أمير مخول
صرح قائد الاركان الاسرائيلي هرتسي هليفي (29/12) بأنه لا يستطيع القول بأن الحرب نحو نهايتها. أضاف، أن اسرائيل قد "انتصرت على حزب الله بما لا شك فيه" و"هزمت الجناح العسكري لحماس" واضاف بأن الطريق نحو انهاء الحرب لا يزال طويلا. وفقا له فإن الاثمان الغالية التي يدفعها الجيش مبررة قياسا بالنتائج او بكلماته "نحارب على كل الحدود وندفع ثمنا غاليا وبتنا نرى النتائج".
- ما يستدعي التوقف عنده هو الإكثار الاسرائيلي من استخدام مفردات الحرب. وهو ليس من باب الصدفة او عدم التنبه، بل جزء من الحرب المستدامة "التي لا تنتهي". حتى الان، كان موقف الجيش هو الابتعاد عن فكرة الحرب المستدامة، وحصريا، احتمالية حرب الاستنزاف. مع تعيين يسرائيل كاتس وزيرا للحرب بدأت ملامح تغير في خطاب الجيش وانصياع للمستوى السياسي ممثلا بنتنياهو وكاتس. وهذا الاخير لا يلعب السند للجيش مقابل المستوى السياسي، بل وكيل المستوى السياسي في تطويع الجيش لصالح سياسة الحكومة ورئيسها، في حين ان مهمته الاكثر أثرا هي التخلص من القيادة الحالية لأركان الجيش بمن فيهم هليفي لصالح تعيينات جديدة لضمان تغيير في هوية الجيش باتجاه اليمين الاقصى.
- تتحدث اسرائيل الرسمية والجيش عن "تعدد جبهات الحرب" وتشمل من بين ما تشمله غزة التي باتت تحت احتلالها وكذلك الضفة الغربية وحتى الداخل الفلسطيني والقدس. كما تتعامل مع حركات مناصرة الشعب الفلسطيني باعتبارها جبهة حرب، وكذا مع المساءلة الدولية القانونية. كما تتعاطى مع انهيار الجيش السوري وانسحابه من المنطقة العازلة مع اسرائيل باعتباره جبهة قتال لتقوم باحتلال جديد في سوريا من خلال التوغل البري السلس دون اية مواجهة.
- استحضر الجنرال هاليفي سيرة "المكابيين" من العام 37 قبل الميلاد، لشحذ معنويات الجنود، مع التنويه ان منسوب الجنود والضباط من تيار الصهيونية الدينية في تصاعد متسارع داخل الجيش، ممن تعني لهم الرواية التاريخية التوراتية، باعتبار ان المكابيين من المحاربين المتمردين اليهود الذين سيطروا على يهودا بعد ان احتلوها من الامبراطورية السلوقية وأسسوا سلالة حكمت مملكة يهودا المستقلة نحو 110 سنوات ووسعوا حدودها بالغزو، وأعادوا تعاليم الدين اليهودي. قام هاليفي في خطابه بالمقاربة بين بطولات المكابيين وبطولات الجيش الاسرائيلي اليوم. وفقا له فإن نهاية الحرب لا تزال بعيدة، مؤكدا بأن "اعداء اسرائيل يتقهقرون" وذلك نتاج بطولات الاسرائيليين و"استماتة المجندين والمجندات" ورغما عن الثمن الكبير فإن الطريق لمنع العودة الى 7 اكتوبر لا يزال طويلا.
- في 30/12/2024 ، نقل موقع "واينت" تحذيرات مصادر رفيعة في الجيش من ان انعدام سياسة واضحة تجاه قطاع غزة وادارة حياة المدنيين فيه، من شأنه ان يتيح لحركة حماس ترميم قدراتها الحاكمة، بل يدعو هؤلاء القادة الى صفقة فورية سواء أكانت شاملة أم جزئية، على ان يسبقها قرار اسرائيلي بشأن مصير غزة من وجهة نظر اسرائيل. فيما تحذر القيادات العسكرية من ان "عدم الخوض في طبيعة اليوم التالي في غزة يعيد اسرائيل الى وضعية السادس من أكتوبر 2023". بينما الخيارات هي اما القبول بحكم السلطة الفلسطينية في القطاع في اطار صيغة عربية ودولية او حكم عسكري اسرائيلي.
- تقوم هذه القيادات العسكرية باطلاع نتنياهو على تقديراتها وتكرر تحذيراتها من انه لا يستطيع القول "لم اعرف"، وذلك في اشارة الى ان نتنياهو يدرك ان حماس تعيد بناء قدرات ادارية في بعض المواقع حيث تجمعات النازحين في وسط القطاع وجنوبه، مما قد يوحي بأن نتنياهو معني بهذه الوضعية اي بقاء حماس ضعيفة للترويج لمسألة الحرب الدائمة. والبقاء الاحتلالي في غزة، ودونما اي بدائل قد يعتقد انها تشكل خطرا على تماسك ائتلافه الحاكم. فيما تحذر القيادات العسكرية من وهم القضاء على الفلسطينيين وتأكيدهم بان اسرائيل لا تستطيع تجاوز هذه الحقيقة.
تحليل:
من المتوقع ان يتم قريبا تغيير قائد الاركان الاسرائيلي هاليفي وكبار قيادة الاركان، وهي عملية يتحكم بها نتنياهو بعد اقالته لغالنت وتعيين كاتس في وزارة الحرب، وكذلك تعيين رئيس جديد لجهاز الشاباك. التعيينات المزمعة ستكون كما يبدو مبنية ليس على القدرات الشخصية، بل على الولاءات السياسية، مما يوحي بتغيير في هوية الجيش والمنظومة الأمنية.
يركز خطاب هاليفي على بطولة الجنود وأسطرة البطولات والاستعداد للتضحية بالحياة باعتبار ذلك هو ما حسم الحرب. وذلك على النقيض من خطاب نتنياهو المكرر الذي يشير الى انه هو من يقود الحرب مُلغياً دور قيادة الاركان.
تأكيد هاليفي على الحرب طويلة الامد غير المحدودة زمنيا وغير واضحة المآلات، هو مؤشر لحالة التيه الاستراتيجي الاسرائيلي، الناتجة عن اخفاق المستوى السياسي في اتخاذ اي قرار سياسي استراتيجي يقود لاي حل، وعن تسليم الجيش بهذه الحقيقة.
تشير التقديرات الصادرة عن الجيش بأولوية الحسم الحكومي بشأن تصور اسرائيل بصدد "اليوم التالي" في قطاع غزة، كمقدمة لإبرام صفقة تبادل، الى ان انعدام التصور للمستقبل أو حسم القرار بشأن ادارة غزة ومصيرها، سيقوضا ما حققه الجيش وهذا ما يعيد الامور الى أشبه بما كانت عليه عشية السابع من اكتوبر 2023.
اعتبارات الجيش الاسرائيلي بأن مشاريع الحسم والتخلص من الوجود الفلسطيني هي وهم، بل أنه لا يمكن تجاوز الوجود الفلسطيني مستقبلا ايضا. ليشكل هذا اساسا للتحرك نحو حل سياسي مع الفلسطينيين بدلا من الانشغال في شخص نتنياهو وليس في سياساته ومشاريع ائتلافه، وهذا يشترط توفر معارضة اسرائيلية قوية.
للخلاصة:
* تصريحات قائد الجيش الاسرائيلي هليفي بشأن الحرب طويلة الامد بلا نهايات واضحة، هي انعكاس للموقف السياسي الحكومي، وهي دليل الى ان الحرب باتت هدفا بحد ذاته واستمراريتها حاليا لا تقود لمخرج، وعليه يلجأ الى استحضار اساطير البطولة والمكابيين، وهي تظاهرة ضعف لا قوة.
* تؤكد تصريحات هاليفي وما رشح عن القيادات العسكرية بأن اسرائيل متجهة نحو التيه الاستراتيجي، ففي حين تملك قدرات عسكرية فتاكة الا انها تفتقر الى استراتيجية سياسية مما يعيد الى الاجواء الاوضاع عشية اخفاق السابع من أكتوبر 2023.
* تشير التصريحات الى تعمق الازمة الاسرائيلية الاستراتيجية والتي باتت غير قابلة للكبح حتى في ظل الحرب. كما تشير الى تراجع في منسوب التفاؤل الذي ظهر مؤخرا بصدد ابرام صفقة تبادل شاملة او جزئية، بل ان الصفقة ليست بديلا عن الحسم الاستراتيجي بشأن وجهة اسرائيل وحصريا تجاه غزة.
* ليس من باب الصدفة ان التقديرات الاسرائيلية بعيدة المدى لا تتعلق بأية جبهة كما تتعلق بقطاع غزة والضفة الغربية اي فلسطين. تسعى حكومة نتنياهو الى اسقاطها من الحساب، الا انها تبقى العامل الحاسم الذي لا يمكن تجاوزه حتى وفقا لتقديرات جيش الاحتلال.