الكاتب: د. عبد الرحيم جاموس
إن الفكر الطوطمي العدمي يمثل أحد أخطر أشكال التفكير الجمعي الذي يقوم على تأليه الأفكار أو الأشخاص وتحويلهم إلى رموز مقدسة لا يمكن مناقشتها أو نقدها. وعندما يتم تسخير هذا الفكر في سياق الجماعات المتطرفة دينيًا، فإنه يؤدي إلى نتائج كارثية على الفرد والمجتمع، سواء من الناحية الفكرية أو الاجتماعية.
ماهية الفكر الطوطمي العدمي ...
الفكر الطوطمي هو ذلك الذي يجعل من رموز معينة، سواء كانت أفكارًا أو أشخاصًا أو طقوسًا، مركزًا للولاء المطلق، فيصبح كل شيء يُقاس بمقدار قربه أو بعده عن هذه الرموز. أما العدمي، فهو الذي يرفض كل القيم والمعايير الإنسانية، ويؤمن بأن العالم بلا معنى أو هدف، مما يدفع إلى تبرير الهدم والدمار كوسيلة لتحقيق "الغاية".
عندما يجتمع هذان النوعان من الفكر، يتحول الإنسان إلى أداة لتنفيذ أجندة متطرفة لا تقبل النقاش ولا المساومة. وهنا يظهر خطر الجماعات المتطرفة التي تستخدم الدين كغطاء لتبرير أفكارها العدوانية.
الجماعات المتطرفة دينياً: نموذج للفكر الطوطمي العدمي ولا تقتصر على دين معين ....
تعتبر الجماعات المتطرفة دينيًا نموذجًا صارخًا لتجسيد الفكر الطوطمي العدمي. فهي تعتقد بامتلاكها الحقيقة المطلقة، وتحول قياداتها أو نصوصها إلى "طواطم" مقدسة، فيما تتبنى نظرة عدائية تجاه كل من يخالفها. ومن هنا تتولد سلسلة من الممارسات الخطيرة:
1. تكريس الطائفية والعنف: تقوم هذه الجماعات بإقصاء الآخر، سواء كان مختلفًا دينيًا أو فكريًا، مما يؤدي إلى تأجيج الصراعات الداخلية في المجتمعات.
2. تحطيم القيم الإنسانية: يبرر الفكر العدمي لهذه الجماعات القيام بأعمال وحشية مثل القتل والتدمير، بزعم أنها أوامر إلهية أو ضرورة لتحقيق الغايات الكبرى.
3. تدمير النسيج الاجتماعي: يؤدي انتشار الفكر المتطرف إلى انهيار قيم التعايش والتسامح، مما يهدد الاستقرار الاجتماعي ويفتح الباب أمام الفوضى.
التكلفة الاجتماعية للفكر الطوطمي العدمي ...
1. تفكك المجتمعات: يؤدي التطرف إلى تقسيم المجتمع إلى جماعات متصارعة، حيث يصبح الحوار مستحيلًا والتعاون معدومًا.
2. فقدان الثقة بالمؤسسات: تقوم الجماعات المتطرفة بتقويض مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، مما يخلق فراغًا تستغله لنشر أفكارها.
3. إضعاف الهوية الوطنية: يركز الفكر الطوطمي العدمي على الولاء للجماعة أو الفكرة بدلًا من الولاء للوطن، مما يضعف الشعور بالانتماء ويهدد الوحدة الوطنية.
كيفية مواجهة الفكر الطوطمي العدمي..
لمواجهة هذا الفكر، يجب اتخاذ خطوات متعددة تشمل:
1. التعليم والتوعية: نشر قيم التفكير النقدي وتعليم الأفراد كيفية التعامل مع النصوص والمفاهيم بطريقة عقلانية.
2. تعزيز القيم الإنسانية: التأكيد على قيم التسامح، التعايش، والمساواة كبديل للأفكار الإقصائية.
3. دعم المؤسسات الدينية المعتدلة: توحيد الجهود لمواجهة الأفكار المتطرفة من خلال دعم المؤسسات التي تعزز الفهم الوسطي للدين.
4. تعزيز دور الإعلام: كشف تناقضات الفكر المتطرف، وتقديم نماذج إيجابية للتعايش والنجاح المشترك.
ختاما إن الفكر الطوطمي العدمي لا يحمل إلا بذور الهلاك والدمار، سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي. لذلك، فإن مواجهته تتطلب استراتيجية شاملة تستند إلى العلم، العقل، والقيم الإنسانية، لتأمين مستقبل أكثر أمنًا وسلامًا للجميع.