الكاتب:
د. سمير بطراوي
في ظل التحديات السياسية والتوترات الإقليمية، نجحت عملية الفارس الشهم 3 في قطاع غزة في تحقيق تحول نوعي غير مسبوق في العلاقة بين الشعب الفلسطيني ودولة الإمارات. لم تكن هذه العملية مجرد حملة إنسانية، بل مثالاً بارزاً على قوة الإعلام في بناء جسور الثقة وتذويب رواسب عقود من الخلافات.
إعلام يُذيب الجليد ويصنع الثقة
على مدار عام، أثبتت الاستراتيجية الإعلامية لعملية الفارس الشهم 3 أنها أكثر من مجرد نقل للحدث؛ كانت أداة لتغيير المفاهيم وتبديل الصور النمطية. اعتمد الإعلام على منهجيات حديثة في نظريات الاتصال، متجاوزاً الشعارات إلى تقديم رواية متكاملة تعكس الواقع الجديد: الإمارات ليست فقط داعماً إنسانياً، بل شريكاً حقيقياً للفلسطينيين.
لطالما كان المجتمع الفلسطيني يتوجس من المواقف السياسية الإماراتية، إلا أن ماكينة الإعلام الإماراتي استطاعت كسر هذه الحواجز النفسية عبر أسلوب ذكي وفعّال، أعاد تعريف العلاقة بين الطرفين.
ثورة إعلامية في عصر التحولات الرقمية
استثمر إعلام الفارس الشهم في أدوات السوشيال ميديا بطريقة أبهرت الجميع. لم تكن مجرد حملات رقمية عابرة، بل عملية احترافية استندت إلى قصص إنسانية مؤثرة، وأفلام وثائقية قصيرة، وصور قريبة من الواقع الفلسطيني. هذه الجهود لم تكتفِ بجذب الانتباه، بل أثارت التعاطف، مما جعل الجمهور الفلسطيني يشعر أن الإمارات “أقرب من أي وقت مضى”.
هذه المنهجية دفعت العديد من المراقبين لاعتبار التجربة الإعلامية للعملية نموذجاً يُدرّس في الجامعات ومراكز الدراسات، حيث تمكن فريق إعلامي صغير في فترة وجيزة من التفوق على جهود منظمات دولية ضخمة.
السياسة الناعمة: الإنسانية بوابة السياسة
لم تكن جهود الإعلام مجرد استجابة لحاجات إنسانية في غزة، بل كانت جزءاً من خطة مدروسة للسياسة الناعمة. استطاع فريق الفارس الشهم تحويل العمل الإنساني إلى رافعة سياسية، حيث قدم الإمارات كفاعل مؤثر في المنطقة وقوة يمكنها تقديم حلول حقيقية لأزمات معقدة.
في كل رسالة إعلامية، كان يُبرز دور الإمارات كمنقذ في اللحظات الحرجة، ليس فقط عبر المساعدات المادية، بل من خلال تقديمها كحليف يمكن الوثوق به في مستقبل غزة.
تفوق على المنظمات الدولية
ما عجزت عنه منظمات كبرى في القطاع، نجح فيه فريق إعلامي صغير بموارد محدودة. لم يكن الهدف فقط إيصال المساعدات، بل بناء رواية مقنعة تعكس تحولاً عميقاً في العلاقة الفلسطينية-الإماراتية.
“الإعلام الذي صنع المعجزة”
إعلام الفارس الشهم لم يكن مجرد وسيلة للتغطية، بل كان قوة مغيرة، استطاع أن ينقل الإمارات من خانة الشك إلى قمة الثقة في عيون الفلسطينيين. إنها قصة إعلام لم يكتفِ بالإنجاز الإنساني، بل صنع تأثيراً سياسياً طويل الأمد، وفتح أبواباً جديدة للتعاون بين شعبين كان بينهما الكثير من الشكوك.
بهذه الطريقة، أصبحت عملية الفارس الشهم 3 ليس فقط نموذجاً للإغاثة الإنسانية، بل تجربةً رائدة في كيف يمكن للإعلام أن يصنع الثقة، ويعيد تشكيل العلاقات بين الدول والشعوب.