الكاتب: عمران الخطيب
الجانب الإسرائيلي في مختلف مراحل المفاوضات بشأن عملية تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار شهد سيناريو التراجع المتكرر من الجانب الإسرائيلي لتحقيق المزيد من التنازلات التي تقدمها حماس في ملف عملية تبادل الأسرى والإفراج عن المحتجزين، والتراجع حول مطلب الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة.
أهداف حكومة نتنياهو وفريقه على المستوى الميداني تركزت على فرض وقائع جديدة داخل قطاع غزة، والتي تتمثل بالدرجة الأولى في الاستمرار بالعدوان والإبادة الجماعية للفلسطينيين، وكذلك عدم توفير الحد الأدنى من إمكانية الحياة الطبيعية للفلسطينيين في قطاع غزة، والأهم أن الاحتلال لا يخطط للانسحاب من قطاع غزة.
وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت أن الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية أنشأت منطقة عازلة، وهو محيط أمني على طول الحدود بين "إسرائيل" وقطاع غزة. وتمتد المنطقة العازلة على مسافة حوالي كيلومتر واحد داخل أراضي غزة وتبلغ مساحتها 58 كيلومترًا مربعًا، أي حوالي 16% من أراضي قطاع غزة، بعد تدمير 4100 مسكن ومبنى بشكل كامل.
وأوضحت الصحيفة أن محور نتساريم تبلغ مساحته 56 كيلومترًا مربعًا ويشكل 15.3% من مساحة القطاع، كما تم تدمير جميع المباني الموجودة فيه. وتبلغ مساحة محور رفح المعروف بمحور فيلادلفيا 12 كيلومترًا مربعًا، أي حوالي 3% من مساحة القطاع حيث تم تدمير 6932 مبنى.
لذلك فإن مختلف جولات المفاوضات بشأن ملف الأسرى يتقدم فيها الجانب الإسرائيلي بشروط جديدة، مما يدفع الوفد المفاوض لحركة حماس لتقديم تنازلات جديدة. العامل المهم لحركة حماس بالدرجة الأولى ليس فقط عملية تبادل الأسرى بل الوصول إلى تفاهم مع "إسرائيل" حول اليوم التالي في قطاع غزة.
لذلك تبدي حماس مرونة في المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي والهدف الأساسي هو إعادة التفاهم حول دور حماس في قطاع غزة. لذلك تتجاوب حماس مع المبادرة التي تتعلق بإنشاء لجنة الإسناد المجتمعي بمشاركة شخصيات من داخل قطاع غزة.
وبعد رفض اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واللجنة المركزية لحركة فتح، تعتقد حركة حماس أن لديها فرصة كبيرة لإعادة دورها. قدمت حماس كشفًا بأسماء أعضاء لجنة الإسناد المجتمعي، وتم التفاهم بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية على تشكيل هذه اللجنة.
وتعتبر حماس أن الضغوطات على الرئيس محمود عباس ستؤدي إلى إصدار المرسوم الرئاسي، مما يعني أن المطلوب فقط هو ختم الرئيس. وفي اعتقادي الشخصي، فإن الرئيس الذي رفض صفقة القرن وقطع الاتصالات مع إدارة ترامب بعد نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، موقفه يأتي ضمن سياق منع الفصل الجغرافي بين قطاع غزة والضفة الغربية. حيث الهدف الأساسي من تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي هو القيام بدورها الوظيفي كبديل عن الحكومة الفلسطينية، مما يدفع إلى فرض وقائع جديدة داخل قطاع غزة، خاصة بعد إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي وفصل شمال قطاع غزة.
في نهاية الأمر، من المحتمل أن تعمل حركة حماس على إنهاء "كتائب القسام" كنوع من حسن النوايا بعد فشل عملية "طوفان الأقصى" والنتائج الكارثية التي خلفتها. لذلك، المطلوب من حماس تقديم أوراق اعتماد جديدة للإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب لتصبح جزءًا من الحل السياسي للقضية الفلسطينية، خاصة وأنها ليست جزءًا من منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها، ولا تستند إلى الثوابت الوطنية التي تتمثل في دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967م وعودة اللاجئين وفقًا للقرارات الشرعية الدولية وإعلان الدولة الفلسطينية في الجزائر خلال انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني.
السيناريو الإسرائيلي يتمثل في عدم الانسحاب الشامل من قطاع غزة قبل عملية السابع من أكتوبر، والأهم من ذلك هو ضم الضفة الغربية على غرار ضم القدس وإسقاط حل الدولتين، وهو ما يتجسد من خلال اعتراف دول العالم والشرعية الدولية. ومن المتوقع أن تقدم حركة حماس تنازلات جديدة من خلال تركيا وقطر، خاصة بعد نجاح هيئة تحرير الشام في تولي النظام في سوريا بدعم وإسناد من تركيا وقطر والإدارة الأمريكية.