الثلاثاء: 07/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

غزة: استمرارية العدوان ودوافعه والمستفيدون منه ...!

نشر بتاريخ: 05/01/2025 ( آخر تحديث: 05/01/2025 الساعة: 12:07 )

الكاتب: د. عبد الرحيم جاموس



مرَّت خمسة عشر شهرًا على بدء الحرب والعدوان على قطاع غزة، وما زالت الأوضاع تتفاقم تزداد سوء دون نهاية في الأفق ، الدمار والقتل والتشريد هي العناوين الأبرز لهذه الحرب ، إذ تحمل الحرب في طياتها مآسي إنسانية واقتصادية واجتماعية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة خاصة وفلسطين عامة ، يصعب حصرها.
السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: من المستفيد من استمرار هذا العدوان؟ ولماذا لا يتم العمل على ردعه بجدية لوقف هذه الكارثة الإنسانية؟
دوافع إسرائيل لاستمرار الحرب والعدوان :
1. أهداف سياسية داخلية:
تُستخدم الحرب كوسيلة لصرف الأنظار عن الأزمات الداخلية التي تواجهها الحكومة الإسرائيلية التي كانت تعاني منها قبل ان يقع العدوان ولازالت مستمرة ، مثل ازمة القضاء وقضايا الفساد و الانقسامات السياسية بين القوى الحزبية .
يضاف الى ذلك توظيف الخطاب الأمني لتعزيز شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة وتحقيق مكاسب انتخابية.
2. إضعاف روح وقوى المقاومة الفلسطينية:
تحاول إسرائيل من خلال استمرار الحرب اضعاف و استنزاف قدرات الشعب الفلسطيني والقضاء على روح المقاومة الفلسطينية عبر ضرب حاضنتها الشعبية والقضاء على بنيتها التحتية العسكرية والاقتصادية وكي الوعي الفلسطيني ، والتمكين من سياسة الردع العسكرية والامنية تجاه أي محاولات مستقبلية فلسطينية لمقاومة الاحتلال .
3. السيطرة على الموارد والمناطق الفلسطينية عامة :
تعمل إسرائيل على ترسيخ سيطرتها على الأراضي الفلسطينية عامة ، في الضفة والقطاع وفرض وقائع جديدة على الأرض، مثل التوسع الاستيطاني ، ونهب الموارد الطبيعية وحرمان الشعب الفلسطيني من استغلال مواره الطبيعية ، الماء، والغاز ، والبترول وغيره ، قطاع غزة يمثل عقبة استراتيجية امام مشروع الهيمنة الإسرائيلية على الموارد الطبيعية ، لذلك تسعى إسرائيل الى تدميره ودفع سكانه الى الهجرة خارجه ، ومحو كافة المخيمات ، فيه واعادة بناء منظومته السكانية بدون مصطلح ( مخيمات ) لما تمثله من رمزية نحو قضية اللاجئين وحق العودة و إبقائه في حالة ضعف وفقر دائم ، كي يتحول بطبيعته الى طارد لسكانه .
4. أبعاد إقليمية ودولية:
تسعى إسرائيل من استمرار الحرب والعدوان لإثبات نفسها كقوة إقليمية عسكرية مسيطرة ورادعه ، تتفوق على كافة القوى في المنطقة ، ودون رادع يردعها ، وتفرض سيطرتها على منطقة الشرق الاوسط برمتها ، وتحقيق فكرة اسرائيل الكبري من خلال القوة العسكرية والهيمنة على الموارد الطبيعية فيه ،
مستفيد من الدعم غير المشروط من الولايات المتحدة الامريكية ، و بعض القوى والدول الاوروبية الكبرى ، التي تغض الطرف عن انتهاكاتها المستمرة لسيادات دول المنطقة ، وارتكابها لجرائم الحرب والإبادة والتطهير العرقي في حق الشعب الفلسطيني .
القوى الدولية المستفيدة من استمرار الحرب والعدوان على غزة :
1. الولايات المتحدة الامريكية :
تقدم واشنطن دعمًا عسكريًا وماليًا لإسرائيل غير محدود ، والى افق غير محدود ، وهي المستفيد الأكبر لإستمرار سيطرتها على المنطقة باعتبارها الحليف الأهم والإستراتيجي الأوحد لها في الشرق الأوسط.
لذا تُبقي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مشتعلًا دون حلٍ جذري له ، كذريعة لتعزيز وجودها العسكري والسياسي. من خلاله في المنطقة، و من خلال قواعدها العسكرية المنتشرة فيها ، و مبيعات الأسلحة لدول المنطقة التي تزدهر بفضل استمرار التوترات فيها ، مما يحقق لها أرباحًا كبيرة لشركات الصناعات العسكرية الأمريكية.
2. الدول الأوروبية:
بعض الدول الأوروبية تدعم إسرائيل دبلوماسيًا وتبرر عدوانها ضمن سياق "حق الدفاع عن النفس"، وهي شريكة في تأسيس الكيان الصهيوني ، ومثل لها حلال تاريخيا لما كان يسمى بالمسألة اليهودية في أوروبا و التي قذفت بها إلى خارج حدودها ، يضاف الى ذلك شركات الأسلحة الأوروبية التي تستفيد من زيادة الطلب على الأسلحة و التكنولوجيا العسكرية في ظل استمرار الصراع و النزاع دون وضع حد لنهايته .
3. روسيا والصين:
لا تدعمان إسرائيل مباشرة، لكن استمرار الصراع في الشرق الأوسط يُبعد الانتباه الدولي عن المناطق التي تسعى فيها كل من روسيا والصين لتوسيع نفوذهما، مثل أوكرانيا وجنوب شرق آسيا ،
و تستفيد الصين وروسيا من تجارة الأسلحة والموارد في المنطقة، وتراقب كل منهما عن كثب تطورات الصراع لاستغلاله لصالحهما سياسيًا أو اقتصاديًا.
القوى الإقليمية المستفيدة من استمرار الحرب :
اولا : إيران:
ترى إيران في استمرار الصراع فرصة لها لتعزيز نفوذها الإقليمي من خلال دعم المقاومة الفلسطينية وحركات مقاومة أخرى في المنطقة ، و تستخدم القضية الفلسطينية كجزء من خطابها السياسي والإعلامي لتحدي إسرائيل والولايات المتحدة وبقية دول المنطقة ، و تبرر بعض الدول العربية سياساتها الأمنية وصفقات الأسلحة التي تعقدها تحت ذريعة التصدي للخطر المزدوج الإسرائيلي أو الإيراني.
ثانيا تركيا:
تحاول تركيا الاستفادة من القضية الفلسطينية لتعزيز دورها في العالم العربي والإسلامي كمدافع عن حقوق المسلمين والفلسطينيين ، مما يعزز مكانتها الإقليمية والدولية، و تستغل الحرب لاستقطاب الرأي العام الإسلامي ودعم نفوذها في العالم العربي .
السؤال الملح الآن هل من نهاية لهذه الحرب العدوانية و الإجرامية ؟

إن إنهاء هذه الحرب يتطلب
اولا : إرادة دولية حقيقية للضغط على إسرائيل لإنهاء العدوان ورفع الحصار.
ثانيا : يتطلب توحيد الجهود الفلسطينية والعربية و العمل الجدي لاستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية في إطار م.ت.ف لمواجهة هذا التحدي المصيري.
لكن للأسف، يبدو أن استمرار الحرب لازال يخدم مصالح قوى عديدة، دولية وإقليمية، وليس فقط إسرائيل.
وفي ظل غياب الحلول الجذرية والضغوط الفعالة، يبقى الشعب الفلسطيني هو الضحية الأكبر والوحيدة لهذه المأساة المستمرة.
ختامًا، لا بد من أن يتحرك الضمير العالمي لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني في غزة وفي كل فلسطين ، ولا سبيل الى ذلك سوى تحقيق الحقوق المشروعة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني في حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وفق قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ، السلام العادل والشامل هو الحل الوحيد لإنهاء هذه المأساة، وما دون ذلك سيبقى الوضع على ما هو عليه في فلسطين خاصة والمنطقة العربية والشرق اوسطية بصفة عامة ، بل ربما يتطور و يتفاقم أكثر في جولات لاحقة من العنف والصراع والتنافس بين القوى الدولية والإقليمية لحساسية ازمات المنطقة واهميتها الإستراتيحية لجميع الدول .