الأربعاء: 08/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

رسالة مفتوحة إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية المنتخب السيد ترامب

نشر بتاريخ: 07/01/2025 ( آخر تحديث: 07/01/2025 الساعة: 11:06 )

الكاتب:

برهان السعدي

سيادة الرئيس ترامب، ندرك تماما أنها ليست المرة الأولى التي تتسلم فيها قيادة الولايات المتحدة الأمريكية بثقل وزنها على الساحة العالمية. وندرك تماما أن ما يحكم السياسة هي المصالح وليست العدالة، لكننا كفلسطينيين نستذكر تعاليم الرؤساء السابقين، الذين أسسوا لمبادئ الحكم في الولايات المتحدة، لتنتشر وتعم المعمورة، أمثال الرؤساء أبراهام لنكولن وجورج واشنطن وهارولد ويلسون. لقد كرسوا مبادئ العدل والحرية والديمقراطية، وكوننا شعب يتوق للحرية والاستقلال الوطني وحق تقرير المصير في أرض وطننا، فإننا نستلهم تلك المواقف الشجاعة لأولئك القادة الذين خلدوا سيرتهم وسيرة بلادهم كعنوان حضارة وبناء منظومة القيم.

ونحن كشعب فلسطيني بكل مركباته ننظر إليك يا سيادة الرئيس كقائد لبلادكم الكبيرة والقوية، والمتحرر من ضواغط انتخابات رئاسية قادمة، وكونك رجل مؤمن، وشخصية أكدت أنها لن تخضع لغير مصلحة بلادها، رغم الضواغط المدركة لنا على أصحاب القرار. ننتظر منك أن تكرس آثارا خالدة في تاريخ بلادكم وتاريخ البشرية بتحقيق العدالة النسبية التي تمكننا من الخروج من دوائر القتل والإبادة والدمار الذي نشهده يوميا في وطننا فلسطين، بقراها ومدنها وأزقتها، تحت مبررات واهية، هدفها نزع ابتسامة أطفال فلسطين، وغرس الألم في قلوب أمهاتنا ونسائنا في فلسطين.

ربما تستغرب سيادة الرئيس ترامب، من كوني فلسطيني متأثرا ومتألما من أعماق قلبي عندما قرأت عن قتل جندي إسرائيلي، وهو مستوطن يعيش على أرض أبناء قريتي وجيراني، بأنه قتل وكان قد عقد قرانه حديثا على فتاة يهودية بالحلال. بالتأكيد ستستغرب أنت وكل من يقرأ كلماتي هذه، في الوقت الذي يقتل فيه عشرات الآلاف من أبناء شعبنا الفلسطيني، ويصادر حقهم بالحياة. وربما تتساءل: هل حقا هناك من يتعاطف من الفلسطينيين مع مقتل شاب إسرائيلي يهودي، في وقت يقتل فيه عشرات الفلسطينيين وربما مئات الأطفال والنساء وكبار السن ومن الشباب والمثقفين والأطباء وأساتذة المدارس والجامعات ومربي الأطفال في رياض الأطفال وغيرهم، وفي الوقت الذي يحرم فيه الفلسطينيون من انتشال الأحياء من تحت الأنقاض، وفي الوقت الذي يمنع فيه الفلسطينيون ومؤسساتهم الإنسانية من سحب جثث آبائهم وأطفالهم ومرضاهم الملقاة على الشوارع، وتنهشهم الكلاب الجائعة، فتتركهم مجرد هياكل عظمية، وهذا بسبب أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يطلق النار على كل من يقترب من تلك الجثث وانتشالهم من هذا الوضع الكارثي، لتبقى صيدا جديدا للكلاب الضالة.

هذا يدلل سيادة الرئيس ترامب، على أننا شعب يحب الحياة، ويرفض الكراهية والأحقاد، كما يحب أطفالنا اللعب وممارسة طفولتهم حتى تحت القصف الجهنمي من الجو والبحر والبر، وللأسف يتم هذا القصف بأسلحة بلادكم سيادة الرئيس.

ربما تتساءل: هل هناك إسرائيليون يهود لديهم هذه المشاعر والأحاسيس كهؤلاء الفلسطينيين الذين يقبضون على الجمر ويتجرعون المعاناة ويعيشون الجوع والعطش؟! نعم هناك إسرائيليون يهود وأعرفهم جيدا، يرفضون سياسة القتل والإبادة، يرفضون سياسة التمييز العنصري والآبارتهايد، ليس لأنهم من أصول أو توجهات يسارية، إنما لأنهم يشعرون بإنسانيتهم، ويدركون أن السلام للإسرائيليين لن يتحقق بآلة الحرب الجهنمية، وتدمير المنازل والمدارس والجامعات والكنائس، ولن يتحقق بسياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية التي يستشعر الإسرائيليون أنها تقتل منظومتهم القيمية، وإن وضع آلاف الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ومنهم من قضى ثلاثة وأربعة عقود متواصلة في ظل سياسة التجويع والحرمان من وجبات طعام بحدها الأدنى يصاحبها التعذيب الوحشي تنفيذا لسياسة وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير، وان الحروب والقتل والتهجير لا تصنع الأمن أو السلام كما يخطط له وينفذه سموتريتش وزير المالية والمسؤول عن الاستيطان في الضفة الغربية، إنما إعطاء الحقوق لأصحابها، وتمكينهم من العيش في مدنهم وقراهم وأحيائهم في دولتهم المستقلة، وتحقيق العدالة النسبية هو الذي يجلب السلام، ويوطد أسباب الاستقرار والأمن والأمان.

سيادة الرئيس ترامب، ننتظر منك دورا يخلده التاريخ بشجاعتك ومبادئ العدالة والسلام التي أقرتها المواثيق الدولية على نهج رؤساء الولايات المتحدة الذي كان لهم دور المؤسس في هذا السياق. أطفال فلسطين يبتسمون رغم الموت المحدق في كل جنبات حياتهم، دموع الثكالى في فلسطين، في غزة والضفة الغربية والقدس تحمل في ثناياها الأمل بالعيش بسلام.

نحن سيادة الرئيس، نحب لأطفال العالم ما نحبه لأطفالنا، ولن نقول ما يكرره بعض قيادات إسرائيل: لنقتل كل طفل فلسطيني لأنه سيكون قاتلا وخطرا على وجودهم مستقبلا.

هاتان فلسفتان متناقضتان، إحداهما تحمل الحب والسلام لشعبنا ولشعوب العالم، والأخرى تحمل القتل والدمار وتشكل خطرا على البشرية. ونحن نرى ابتسامتك التي ترسم الأمل لأطفال ينتظرون الخلاص والحرية والسلام.

ننتظر منك سياسة الرئيس ترامب، تصويب السياسات السابقة لبلادك في التعامل مع الشعب الفلسطيني. ونحن لا ندعي بأننا سنمارس مع الإسرائيليين ما يمارسونه من قتل وتعذيب وتشريد وهدم بيوت منذ قيام دولتهم على حساب شعبنا في وطننا فلسطين، إنما نقول إن فلسطين اليوم يمكنها أن تتسع لدولتين في وطن واحد، كل مواطن في كلا الدولتين هو مواطن في الوطن الواحد، مع وجود حرية الحركة والتنقل والسكن والعمل في أي جزء من هذا الوطن، بمعنى رفع شعار "بلاد للجميع"، دون أن يكون فيها رموز لترسيخ الاحتلال، أو مصادرة الحريات، وبهذا يمكن حل المشكلتين، مشكلة الاحتلال والتهجير الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، وحل المشكلة اليهودية والتي لم نكن يوما سببا لها أو عاملا فيها، فمن يرغب بالعيش في فسطين الممتدة من نهر الأردن شرقا حتى البحر المتوسط غربا يكون مرحبا به.

دمتم سيادة الرئيس ترامب

خطاب مثقف فلسطيني تشاركه كثير من القطاعات الفلسطينية