الكاتب:
أحمد عبدالوهاب
يُعد الحصار المفروض على قطاع غزة أحد التحديات الإنسانية الأبرز التي تواجه سكان القطاع، حيث تتفاقم الأوضاع المعيشية نتيجة القيود المفروضة على إدخال المساعدات الإنسانية، بما يشمل المواد الغذائية والمستلزمات الطبية.
هذه الظروف تتزامن مع تحديات الشتاء القاسية، حيث تأثرت خيام النازحين سلبًا بالأمطار والتقلبات الجوية، مما زاد من حجم المعاناة اليومية.
وفي هذا السياق، يثير قرار البرلمان الإسرائيلي بحظر عمل منظمة الإغاثة «الأونروا» في قطاع غزة جدلاً واسعًا، بالنظر إلى تداعياته المحتملة على سكان القطاع، وعلى الجهود الدولية الرامية لدعم اللاجئين الفلسطينيين.
تُعد «الأونروا» شريان حياة أساسيًا للسكان، حيث تقدم الخدمات الأساسية لما يقرب من 2.3 مليون نسمة. ومنذ إنشائها عام 1949، عملت المنظمة على توفير الدعم الإنساني في ظل الأزمات المتتالية التي شهدها القطاع.
وفي مايلي يمكن تلخيص تداعيات حظر نشاط وكالة أونروا في النقاط التالية :
1. تفاقم الأزمة الإنسانية:
يعيش معظم اللاجئين الفلسطينيين في ظروف صعبة، حيث يعتمدون على خدمات الأونروا لتلبية احتياجاتهم الأساسية. انهيار الوكالة يعني حرمان أكثر من 5.9 مليون لاجئ من الخدمات الحيوية مثل الرعاية الصحية والتعليم، ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي.
2. تهديد مستقبل التعليم:
تشرف الأونروا على تشغيل أكثر من 700 مدرسة تقدم التعليم لمئات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين. انهيارها سيحرم هؤلاء الأطفال من حقهم في التعليم، مما يهدد بإنتاج جيل يعاني من نقص المهارات والمعرفة، ويزيد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية في المجتمعات التي يعيشون فيها.
3. زعزعة الاستقرار الإقليمي:
تشكل الأونروا عنصرًا أساسيًا في الحفاظ على استقرار المجتمعات المضيفة للاجئين الفلسطينيين. في حال انهيار الوكالة، قد تواجه هذه الدول أعباء إضافية تتمثل في توفير الخدمات التي كانت تقدمها الأونروا، مما يزيد من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية عليها، ويهدد استقرار المنطقة ككل.
4. تراجع الجهود الدبلوماسية لحل القضية الفلسطينية:
تمثل الأونروا رمزًا للالتزام الدولي تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين. انهيارها قد يُفسر كتراجع في هذا الالتزام، ويزيد من تعقيد الجهود الرامية إلى تحقيق حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية.
تؤكد الأمم المتحدة أن القانون الدولي يلزم دولة الاحتلال بتسهيل عمل «الأونروا»، خاصة وأن قطاع غزة يُصنّف كأرض محتلة. وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن قلقه إزاء هذا القرار، مشيرًا إلى أنه قد يتعارض مع الميثاق التأسيسي للأمم المتحدة واتفاقيات دولية أخرى.
تأتي هذه التطورات في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى تكثيف الدعم الإنساني لسكان القطاع، خاصة بعد التصعيد الأخير الذي شهدته المنطقة. وقد شددت الأمم المتحدة على أن حظر عمل «الأونروا» من شأنه أن يُفاقم الأزمة الإنسانية، ويهدد استقرار المنطقة بشكل عام.
أما عن الجهود الدولية، فهناك دعوات متزايدة لحشد موقف عالمي لمنع تنفيذ هذا القرار. إذ تؤكد العديد من الأطراف أن استمرار عمل «الأونروا» ضروري لتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان، بما في ذلك توفير الغذاء والرعاية الطبية والتعليم.
رغم القرارات الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بخصوص الانتهاكات في الأراضي الفلسطينية، إلا أن فعالية هذه القرارات تبقى مرهونة بتطبيقها. ومن هنا، يُعول على المجتمع الدولي الضغط من أجل إيجاد حلول دائمة تُخفف من معاناة سكان غزة، وتضمن استمرار عمل المنظمات الإنسانية، إلى حين التوصل إلى تسوية شاملة للقضية الفلسطينية.
مع اقتراب الموعد المحدد لتنفيذ قرار الحظر، تزداد المخاوف من تفاقم الأوضاع الإنسانية في القطاع، خاصة وأن «الأونروا» تمثل مصدر أمان أساسي للأطفال والنازحين الذين فقدوا عوائلهم ومنازلهم. إن ضمان استمرار خدمات المنظمة ليس مجرد استجابة إنسانية، بل هو خطوة أساسية لتحقيق الاستقرار في المنطقة وحماية حقوق المدنيين.