الخميس: 09/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

بر الوالدين طريق للصحة النفسية الايجابية

نشر بتاريخ: 09/01/2025 ( آخر تحديث: 09/01/2025 الساعة: 13:17 )

الكاتب: اياد اشتية

يقول علماء الارشاد النفسي أن الصحة النفسية الإيجابية هي حالة من التوازن النفسي والعقلي التي تُمكّن الفرد من العيش بسعادة، ومواجهة تحديات الحياة، وبناء علاقات صحية وإيجابية مع الآخرين. فلا تقتصر الصحة النفسية الإيجابية على غياب الاضطرابات النفسية فقط، بل تشمل الشعور بالأمن النفسي والرفاهية والقدرة على تحقيق الذات.

وتلبي الصحة النفسية الإيجابية للفرد عدد من الاحتياجات أهمها التوازن العاطفي، وهو القدرة على التعامل مع المشاعر السلبية (مثل الحزن والقلق) بشكل صحي، وتنمية مشاعر الفرح، والامتنان، والرضا، وتحقيق المرونة النفسية المتمثلة بالقدرة على التكيف مع الضغوط والتحديات بطريقة إيجابية، والاستفادة من الفشل كفرصة للنمو والتعلم.

وتشمل ايضاً إدارة الضغوط بمعنى التعامل مع التوتر من خلال تقنيات مثل التأمل، والتنفس العميق، أو ممارسة الرياضة، والذهاب بالفرد لوضع خطط واضحة لإدارة المسؤوليات والأولويات التي تنظم حياته بشكل مثالي، وتركز على العناية بالصحة الجسدية من خلال ممارسة الرياضة بانتظام، وتناول غذاء متوازن، والحصول على قسط كافٍ من النوم، من منطلق أن صحة الجسم تؤثر مباشرة على صحة العقل وبالتالي على الصحة النفسية، إضافة إلى الإحساس بالمعنى والهدف من خلال الشعور بأن للحياة غاية تسهم في تعزيز الدافعية والرضا.

وتحقق الصحة النفسية الإيجابية للإنسان مجموعة من الفوائد أهمها تحسين جودة الحياة، وتعزيز الإنتاجية والإبداع، وزيادة القدرة على التعامل مع التحديات والصعوبات، وتقليل احتمالية الإصابة بالاضطرابات النفسية والجسدية المرتبطة بالضغوط.

ولكي نعزز الصحة النفسية الإيجابية لا بد من ممارسة الفعاليات والأنشطة التي تنبع من ذواتنا وتحقق شخصياتنا بشكل يومي، وحيث أن الوالين هم الحلقة الأولى في سلسلة الحياة للإنسان، فان وجودهم ضمن خبرات الانسان لا سيما خبرات الطفولة هو التشكيل الأساس للصحة النفسية للفرد.

ذات يوم اتاني أحدهم يعاني من الضيق ويبحث عن معنى للحياة، ومن خلال الجلسات الارشادية له سألته عن السعادة كيف تشعر بها، أو ما هو الشيء الذي يجعلك سعيد، أذكر كلماته جيداً وأنا أضع له خطة التدخل الارشادي المناسبة حين قال بالحرف ((مساعدة امي المريضة وأنو أهتم فيها.. )) وصمت للحظات وأكلمل.. ((ااه.. بس هاي هي سعادتي.. الحياة كلها بتبتسم بس اسمع كلمة الله يرضى عليك))، هذه الحادثة كانت كفيلة لتسليط الضوء على هذا الموضوع، ما زالت هذه الكلمات اعنى واشمل من كتب ومحاضرات قد تلقى في هذا المجال.

وبما أن العطاء سعادة، فان الاهتمام بالأهل يُعتبر من أسمى السلوكيات الحميدة التي تُبرز القيم الإنسانية والأخلاقية في الفرد، ويتمثل هذا السلوك في تقديم الدعم والرعاية والاحترام للوالدين، ويعد انعكاساً لمبادئ البر والتراحم التي تحث عليها التعاليم الدينية والقيم الاجتماعية والمنظومة الأخلاقية وهي رأس مال السعادة.

ويُعد الإحسان إلى الوالدين واحترامهما وتقديم العناية والاهتمام بهما، من القيم الإنسانية والدينية العميقة التي لها أثر إيجابي ليس فقط على العلاقة الأسرية، ولكن أيضاً على الصحة النفسية للفرد، ويتجلى ذلك من خلال تعزيز الشعور بالرضا والسعادة حيث أن بر الوالدين يخلق شعوراً بالإنجاز والقرب الروحي، مما يعزز الرضا عن الذات، والشعور بالحب والانتماء، ويقلل من التوتر والقلق اذ يعزز العلاقات الإيجابية داخل الأسرة، مما يقلل من النزاعات العائلية التي قد تسبب التوتر، ويخفف من مشاعر الذنب أو التقصير، التي قد تؤثر سلباً على النفس، فواجب البر أساساً يعمل على زيادة الثقة بالنفس، فشعور الفرد بأنه يؤدي واجباً عظيماً تجاه والديه يرفع من تقديره لذاته وثقته بنفسه، فتقديم الرعاية والدعم للأهل يمنح الشخص شعوراً بالإنجاز والرضا عن النفس، ويعكس قيم الإيثار والتفاني، ويشكل انموذجاً إيجابياً للأجيال القادمة.

قد نتساءل أو نعتقد أننا نقوم بواجباتنا على قدر استطاعتنا ووفق ظروفنا، وأننا نؤدي الدور والواجب المناط بنا، هذه حقيقة، وكانت حادثة الصديق الذي يساعد والدته وينظر الى السعادة من خلال كلمة رضا مؤشر يحتذى به لتحقيق الصحة النفسية الإيجابية، فمثلاً، نجد أن مساعدة أحد الوالدين المريض تُعد من أسمى أعمال البر والإحسان التي تترك أثراً إيجابياً عميقًا على المستوى الشخصي والديني والاجتماعي. وقد أكدت التعاليم الدينية والقيم الأخلاقية على أهمية العناية بالوالدين، خاصة في أوقات ضعفهم ومرضهم، وأشارت إلى أن هذا السلوك يرتبط مباشرة بتيسير الأمور والبركة في الحياة، إضافة الى تحقيق السلام الداخلي والرضا النفسي مما يُعزز قدرة الفرد على مواجهة تحديات الحياة.

ولا يقتصر الامر على الوالدين من هم على قيد الحياة، بل أن بر الوالدين بعد وفاتهما أو أحدهما يسهم ايضاً في تحقيق الصحة النفسية الإيجابية، ويكون البر من خلال الدعاء، وذكر المحاسن، والتصدق، وصلة ارحامهم أو التواصل مع اصدقائهم، وإيفاء ديونهما المالية أو المعنوية، وأي عمل يقرن اسمهم بالابتسامة أو السعادة للأخرين.

فبر الوالدين لا ينقطع بوفاتهما، بل يظل مستمراً ويؤثر بشكل إيجابي على الصحة النفسية للفرد بعد فقدانه، من خلال تعزيز الشعور بالراحة، والرضى النفسي، والطمأنينة النفسية، فهو يعمل على تحفيف مشاعر الفقد والحزن، ويشعر الانسان بالارتباط الروحي، ويسهم في خلق إحساس بالاستمرارية والارتياح، يعزز إحساس الفرد بمعنى حياته، ويشجعه على التفاعل الإيجابي مع المجتمع، ويخلصه من القلق والتوتر، المصاحبة للذكريات المؤلمة.

خلاصة القول..

نحن نعيش الحياة مرة واحدة فقط، فلنعيشها بصحة نفسية إيجابية، ونستثمر كنزنا المتاح (الوالدين) أرفل الله عليهم بثوب الصحة.. ورحم من رحل منهم.. ابحث عن سعادتك وأمنك النفسي بخدمتهم، فبر الوالدين طريقك للصحة النفسية الإيجابية.