السبت: 11/01/2025 بتوقيت القدس الشريف
خبر عاجل
مستوطنون يهاجمون قرية يتما جنوب نابلس والأهالي يتصدون لهم​​​​​​​

نحو مقاربة للنضال الفلسطيني

نشر بتاريخ: 11/01/2025 ( آخر تحديث: 11/01/2025 الساعة: 09:20 )

الكاتب: د. رمزي عودة



تتسع رقعة المقارنة بين جدوى المقاومة السلمية والمقاومة المسلحة بعد كل عدوان إسرائيلي على الشعب الفلسطيني. وفي العادة، يدفع الشعب الفلسطيني ثمناً باهظاً بعد كل حرب مع الاحتلال الاسرائيلي بسبب الفجوة في القوة لصالح المحتل وحلفائه، وتتكرر بعد كل عدوان في ظل النتائج المدمرة للقضية الفلسطينية، تبريرات مؤيدي استخدام المقاومة المسلحة المتعلقة بنظرية المؤامرة تارة، أو المتعلقة بانتصار المقاومة المسلحة نظراً فقط لبقائها في الحكم وعودة مكانة القضية الفلسطينية تارة أخرى. وبين كل هذا وذاك، تتراجع القضية الفلسطينية ويدفع الفلسطينيون ثمناً باهظاً للعديد من المغامرات العسكرية غير المحسوبة. ليس هذا فحسب، بل إن تبريرات الإنتصار يتم وضعها في مصفوفة من الأهداف الاستراتيجية، ويتم الدفاع عنها والترويج لها تماماً كما فعل خالد مشعل في وصفه للإنتصارات العظيمة التي حققتها المقاومة في السابع من أكتوبر!.
في الواقع، علينا كشعب فلسطيني أن نقف بمسؤولية تاريخية ونضالية لحسم هذا الجدل – والذي يبدو أحياناً غير منطقي- حول جدوى استخدام المقاومة المسلحة والمقاومة السلمية. أخذين بعين الاعتبار أن ظروف النضال وارهاصاته قد تغيرت عن السبعينات والثمانيات من القرن الماضي. فاليوم تسعى إسرائيل الى حسم الصراع وتصفية القضية الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين، وهي تبحث دائماً عن مبررات تتعلق باستخدام الفلسطينيين المقاومة المسلحة - أو ما يسمونه الارهاب على حد قولهم- من أجل استخدام القوة المفرطة لتحقيق هذه الاهداف، كما أن فارق القوة لصالح إسرائيل تضاعف مئات المرات في الوقت الحالي مع وجود قوة داعمة من قبل الدول الغربية لها على الصعيد السياسي والعسكري، وهو ما شهدناه في عدوان السابع من أكتوبر. وفي سياق التغيرات في البيئة الإقليمية، فهذه البيئة أصبحت أقل حماساً لاستخدام المقاومة المسلحة ضد اسرائيل، وهي لا تريد أي مغامرات عسكرية تتيح لإسرائيل تهديد أمنها القومي.
وفي النتيجة، فإن جميع هذه المتغيرات تجعلنا كفلسطينيين أقل ميلاً لاستخدام المقاومة المسلحة، وأكثر اندفاعاً لاستخدام المقاومة السلمية بشتى أنواعها، وهذا بالفعل ما تضمنه كتاب الرئيس محمود عباس الأخير حول "فلسطين في الساحة الدولية" والذي تحدث فيه عن أنواع استراتيجيات المقاومة التي تتبعها السلطة الوطنية مثل المقاومة الشعبية السلمية، والاستراتيجيات القانونية والدبلوماسية، والتي تصب جميعها في الوصول الى الدولة الفلسطينية المستقلة. وليس غائباً عن أحد بأن إنجازات الدبلوماسية الفلسطينية نجحت في نيل الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، واستصدار قرار من الجنائية الدولية لجلب نتنياهو وغالانت، وكذلك قرار محكمة العدل الدولية الشهير حول ماهية الاحتلال، اضافة الى قرارات مهمة من الجميعة العامة للأمم المتحدة لطلب انسحاب اسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وغيرها من التغيرات في النظام الدولي المفضية لصالح حقوق الشعب الفلسطيني.
في الحقيقة، قد يسأل سائل حول جدوى هذه الدبلوماسية الناعمة في الوقت الذي تستمر فيه إسرائيل بقتل الفلسطينيين وتدمير ممتلكاتهم وتهويد القدس وضم المناطق، وهذا يدفع البعض للجدل حول قدرة المقاومة المسلحة على تعطيل المشروع الصهيوني، ويظهر ذلك جلياً في تصريحات بعض الكتاب والسياسيين الاعلامية والتي تتباهى بانجارات المقاومة في غزة والضفة الغربية! ولست اليوم بصدد تفنيد روايات هؤلاء، ولكنني أجادل حول بعض المقاربات التي يمكن أن تساعد القارئ على استنباط مقاربة للمقاومة السلمية، وأهمها:
1- ان عدم قدرة القوة الناعمة على إيقاف المشروع الصهيوني لا يعني بالضرورة أن المقاومة المسلحة تستطيع ذلك، بل على العكس من ذلك، فإن تجربتنا التاريخية لاسيما خلال الانتفاضة الثانية وعدوان السابع من أكتوبر تثبت عكس هذه المقولة. وبالضرورة، فإن المفارقة لا يمكن أن تبنى على تجريب المجرب، وإنما يجب أن تنحصر في تطوير أدوات القوة الناعمة وتعزيزها، مثل العصيان المدني وتفعيل المقاطعة وتعزيز التجارب الدولية في ملاحقة مجرمي الحرب الاسرائيليين وغيرها.
2- إن استخدام القوة الناعمة يقيّد قدرة الاحتلال على استخدام القوة المفرطة ضد الشعب الفلسطيني، ويحافظ قدر الامكان على حماية أرواح المدنيين الفلسطينين وممتلكاتهم.
3- إن استخدام القوة الناعمة يشجع المنظمات الدولية ودول العالم على الانصهار مع أهداف المشروع الوطني الفلسطيني، والعمل على تحقيقه، وهو ما نراه اليوم في حملة مقاطعة اسرائيل والاعتراف بالدولة الفلسطينية وملاحقة جرائم الاحتلال.
4- إن استخدام القوة الناعمة هو أقل تكلفة على الشعب الفلسطيني من استخدام القوة الصلبة او المقاومة المسلحة. فعلي سبيل المثال، إن حركة حماس صرفت مليارات الدولارات في بناء الأنفاق وشراء الأسلحة، وحرمت بالمقابل الغزاويين من الرفاه، وماذا كانت النتيجة؟ مزيد من الفقر والدمار ليس لحركة حماس وحدها وإنما للشعب الفلسطيني برمته.
5- إن استخدام القوة الناعمة حقّق ويحقق أهداف المشروع الوطني الفلسطيني مثل الاعتراف بالدولة وتقديم الخدمات للشعب الفلسطيني وتوظيف المدنيين وبناء الدولة تحت الاحتلال وغيرها، بينما ساهم استخدام القوة الصلبة في تراجع القضية الفلسطينية في المحافل الدولية ولم يحقق سوى النزوح والقتل والدمار.
وفي النهاية، علىّ أن أعترف أن مقاربة النضال الفلسطيني في هذه الفترة يجب أن تنحصر في استخدام القوة الناعمة مع ضرورة تطوير أدوات النضال السلمي ضد المحتل وتكثيف العمل بها وتعزيز الدبلوماسية الفلسطينية الرسمية والشعبية، وليس تضليل الشعب الفلسطيني وخلق أوهام حول الانتصارات في الوقت الذي يعاني منه الفلسطيني من الجوع والنزوح والقتل والاعتقال.