الكاتب: اللواء المتقاعد: أحمد عيسى
كثيرة كانت الوعود التي قدمها الرئيس ترامب خلال حملته الإنتخابية الأخيرة، إلا أن الوعد الذي اعقب اغلاق صناديق الإقتراع كان الأكثر صعوبة حيث قال: "إذا لم يتم تحرير الرهائن قبل 20 كانون الثاني/يناير الجاري (التاريخ الذي سيدخل فيه للبيت الأبيض) فستكون هناك عواقب جهنمية على الشرق الأوسط.
ومقابل تهديد ووعيد الرئيس ترامب، يصر نتنياهو وإئتلافه اليميني المتطرف الحاكم على تحقيق نصر مطلق على الفلسطينيين، الأمر الذي يجعل من المشروع التساؤل، هل ستختلف جهنم ترامب المتوقعة عن جهنم التي عرفها الفلسطينيون على مدى الأشهر الخمسة عشر الماضية؟ وهل هناك ثمة علاقة بين جهنم ترامب الموعودة وغاية نتنياهو في تحقيق نصر مطلق وحاسم على الفلسطينيين؟
وحول جهنم ترامب المتوقعة فقد تناولها المراقبون بكثير من السخرية، لا سيما وأن الفلسطينيين خاصة في قطاع غزة يعيشون بحق حياة توصف بأنها جهنم بعينها، إذ تلقت غزة على مدى الخمسة عشر شهرا الماضية ولا زالت أكثر من مئة الف طن من المتفجرات أمريكية الصنع، أي بواقع 43 كيلو جرام تقريباً لكل شخص، وبواقع 278 طن لكل كيلو متر مربع من مساحة غزة، مما أدى الى اكثر من مائة وخمسين الف ضحية من الفلسطينيين بين شهيد وجريح، هذا إذا اقتصرنا احتساب الخسائر على البشر فقط، وفي هذا الشأن ذكرت مجلة لانست الطبية البريطانية المشهورة في تقرير لها نشر في شهر يونيو/حزيران الماضي أنه من المتوقع ان يكون عدد الشهداء نتيجة عدوان الإبادة الإسرائيلي على غزة حتى تاريخ نشر التقرير قد بلغ 186 الف شهيد.
وفي هذا الشأن تسائل عاميت سيجال في مقال له نشر على موقع القناة العبرية N12 بتاريخ 9/1/2025، كيف يمكن لترامب صنع جحيم فوق هذا الجحيم؟ وفي معرض إجابته نصح سيجال ترامب بعدم ارغام إسرائيل على ادخال المساعدات الإنسانية لغزة كما فعلت وتفعل إدارة ترامب الحالية، ثم السماح لإسرائيل بالسيطرة على جزء من مساحة غزة الجغرافية الصغيرة.
وهنا أضيف على ما قاله سيجال أن ولاية ترامب الثانية والتي ستبدأ بعد أسبوع لا تبشر بعصر جديد يكون اقل سوء من عهد الرئيس بايدن الذي حفر اسم الولايات المتحدة الأمريكية عميقا في التاريخ ليس كشريك في الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني فحسب، بل كفاعل رئيسي في ابادة المبادئ التي يقوم عليها النظام الدولي، وكمدمر للقانون والقيم الناظمة لحقوق البشر في العيش الكريم.
أما فيما يخص الفلسطينيين فمن المؤكد أن الرئيس ترامب سيذهب في عدائه وتنكره للحقوق الفلسطينية ابعد مما نصحه سيجال، الأمر الذي يمكن الإستدلال عليه من خلال فريقه للعمل المعروفين بمعاداتهم للإسلام والمسلمين والفلسطينيين ولإيران، والأهم لرؤيتهم لفلسطين من خلال الزاوية الإيرانية، الأمر الذي يحمل ينطوي على تهديدات جدية للمسجد الأقصى وللضفة الغربية وكذلك لإيران كدولة شرق أوسطية.
أما حول النصر المطلق الذي تسعى اليه إسرائيل منذ بدء حربها الإبادية على غزة، فمن جهة لم يحدد نتنياهو معايير هذا النصر المطلق، ومن جهة أخرى يرى كثير من الخبراء في الأمن القومي الإسرائيلي ان النصر المطلق هدف غير قابل للتحقق في الصراع مع الفلسطينيين، وقد ذهب بعضهم الى القول علنا أن الحرب على غزة قرينة على فشل مقاربة إسرائيل العسكرية.
ما تقدم يظهر ان الفلسطينييين في العام الجاري 2025 أي في السنة الأولى من ولاية ترامب سيكونون بين جحيم ترامب الذي بات واضحا أنه لن يكسر الفلسطينيين رغم ما ينطوي عليه من أثمان باهظة، ونصر نتنياهو المطلق غير القابل للتحقق، الأمر الذي يعمق من فشل المقاربات العسكرية لكل من إسرائيل ومعها شريكها وحاميها الأساسي الولايات المتحدة الأمريكية، ويجبرهم على البحث عن مقاربات أخرى تنتج حلول سياسية يقبل بها الشعب الفلسطيني.
* باحث متخصص في أبحاث الأمن القومي الفلسطيني والإسرائيلي