الكاتب:
لقد انتصرت سوريا عندما سقطت مرتفعات الجولان السوري عام 67 أعلن وزير الدفاع السوري حينها ونائب القائد العام للقوات المسلحة السورية ان العدوان قد فشل في تحقيق اهدافه حيث كان يريد اسقاط النظام الا انه لم يستطع، بمعنى ان الجولان كانت الثمن الزهيد الذي دُفع مقابل الحفاظ على النظام السوري.
اما نتائج غزوة السابع من اكتوبر (طوفان الاقصى) وما تلاها من عدوان صهيوني همجي وابادة جماعية ومحاولة فرض الهجرة القسرية فقد خضعت لمعايير جديدة، فبما انهم لم يسقطوا النظام فقد انتصرا صحاب الغزوة وهذا ما أعلنه الليلة الفائتة في تغريده على كل وسائل الاعلام المناضل ابو عبيدة قالها بالصوت العالي اننا انتصرنا.
كل المؤشرات تشير الى ان اتفاق الهدنة حاصل لا محالة ربما لان الرئيس ترامب قرر ذلك فهو من اليوم الاول لفوزه أعلن انه سينهي الحروب في العالم، اما تفاصيل الاتفاق فهي لا تتعدى تكهنات لان الخبر اليقين عند (جهينة) الطرفين والوسطاء وبغض النظر عن التفاصيل فقد أعلنها أبو عبيدة نصراً مؤزراً.
حسب علماء الفلسفة واللغة فان تعريف النصر المؤزر يعني بالضرورة هزيمة الخصم في كل ساحات الوغى، اما النصر غير المؤزر فيكفي ان تكون قد افشلت مخططات العدو المعلنة ودفعت ثمنا اقل مما دفع او يوازي ما دفعه كحد اعلى، ومن اجل ان تعلن انتصاراً في المعركة مطلوب مراكمة انتصارات من اجل تحقيق الانتصار النهائي في (الحرب)هي ليست حرب بل عدوان.
لنعد الى نتائج الجولة الاطول من العدوان وبغض النظر عن التفاصيل فللانتصار معايير قد لا تنطبق على التعريف الفلسفي ولا اللغوي وربما لا تنطبق حتى على تفسيرات الاطراف للنصر، فالنصر لا يكتمل بمنع الخصم من تحقيق اهدافه المعلنة بل بالضرورة ان تكون المقاومة قد حققت جزءا من اهدافها ان لم نقل جميعها، فهل حققت المقاومة اهدافها؟
من خلال نظرة شمولية على الاهداف المعلنة من الطرفين نستطيع ان نحدد من المنتصر ان كان هناك منتصر، كما يمكننا ان نحدد ان كانت الجولة ضمن مشروع أكبر مما بدا لنا ام ان ما رأيناه هو حقيقة واقع هذه الجولة؟ لقد صرحت المقاومة من اليوم الاول انها معركة تحرير الاقصى وصولا الى تحرير فلسطين وتبييض السجون، اما اسرائيل فقد اعلنت انها تريد اجتثاث حماس والاحتفاظ ببعض المناطق الاستراتيجية في قطاع غزة والقضاء على اي تهديد لإسرائيل مستقبلاَ اضافة الى تشجيع هجرة سكان القطاع خاصة المخيمات سواء طوعا ام قسراً.
لم تستطع اسرائيل تحقيق كل الاهداف المعلنة فيما يخص قطاع غزة رغم انها في المنظور الشمولي حققت اكثر مما كانت تعتقد ، فقد قضت على العديد من رموز المقاومة في غزة وتقليص قدراتها العسكرية كما قضت على معظم قيادة حزب الله وقلصت امكانيات الحزب العسكرية الى قيّم شبه صفرية، رسخت تواجد ربما دائم في جنوب لبنان اضافة الى تحييد المقاومة العراقية واحتلال مناطق استراتيجية في سوريا خاصة جبل الشيخ ، تدمير معظم مقدرات الجيش السوري، اما المقاومة اليمنية فموضوع آخر، فرغم الضرر الذي الحقه الحوثيون بإسرائيل الا ان نتنياهو سوف يستثمر حصار البحر الاحمر لخنق مصر وتهيئة الاجواء لإنجاز قناة بن غوريون وطريق التوابل وعندما تنتهي الجولة فان نتنياهو سيسعى لشرعنه الكيان بالاتفاق مع الدول الرافضة عبر التطبيع اضافة الى مكاسب اقتصادية جمة ستتبين معالمها مستقبلا.
عودة على قطاع غزة - فبالرغم صمودها الاسطوري وحجم الخسائر البشرية التي تكبدها الكيان و دحض نظرية الجيش الذي لا يقهر عبر كسر شوكة المؤسسة الامنية في اسرائيل وبشكل غير مسبوق اضافة الى عجز اسرائيل عن تطهير اي بقعة من بقاع القطاع بشكل كامل رغم كل الدمار ،اضافة الى ادخال جزء من سكان اسرائيل ضمن مصطلح اللجوء الداخلي وللمرة الاولى منذ نشأة الكيان مضاف اليه شل الاقتصاد الاسرائيلي في الجنوب والوسط ، واعادة القضية الفلسطينية الى الصدارة مما أعاد صياغة الدور الوظيفي للكيان وقلصه ثم تعرية أمريكا التي لم تتوانى عن الادعاء بانها الوسيط وإظهار حقيقة أمريكا والغرب المشاركين فعلا في العدوان – الا ان المقاومة لم تحقق اي من اهدافها المعلنة،(تحرير الاقصى وتبييض السجون على طريق تحرير فلسطين) فلا الاقصى تحرر ولا السجون بُيّضت على الرغم من اهمية اطلاق سراح آلاف الاسرى الذين تتحدث عنهم الصفقة.
يدور الحديث ان مجموع من سيُطلق سراحهم من الاسرى الفلسطينيين قد يصل الى ثلاثة ألاف علما ان اسرائيل اعتقلت في فترة العدوان الذي دخل الشهر الخامس عشر ما يزيد على ضعفي هذا العدد من بين سكان القطاع والضفة الغربية ، وبناء على كل ما سلف وبحسبة بسيطة فان تحرير كل اسير فلسطيني ، دفع الشعب الفلسطيني في مقابله تسعة عشر شهيدا واربعمائة جريح و مئة وسبعة وستون منزلا، إضافة الى دمار كامل للبنى التحتية مما حول القطاع الى مكان غير قابل للحياة ناهيك عن الاثار النفسية ،ففي ظل كل هذه المعطيات هل بالإمكان الحديث عن انتصار؟ !!!!!
ومع ذلك ورغم كل ما سبق فان الهدنة ووقف إطلاق النار حيويتان لكي يتنفس اهلنا في القطاع الصعداء وليلملموا جراحهم لعل وعسى تدور عجلة الحياة مجددا رغم ان من فقد عزيزا او بيتا يحتاج الى معجزة ليعود الى طبيعته، اضافة الى أن عادة الاعمار قد تحتاج الى عقد من الزمن مما سيصعب عودة الحياة حتى الى شكل شبه طبيعي.
ان الانتصار على العدو الصهيوني ليس متاحا عبر الضربة القاضية فمن اجل انجاز انتصار شامل يعيد للشعب الفلسطيني حقوقه المسلوبة، من الضرورة بمكان توفر جملة من العوامل اهمها وحدة الصف والبرنامج، ما يقتضي توفير شروط نجاح هذا البرنامج من خلال الاتفاق على الشكل الاجدى من اشكال النضال، ثم توفير عوامل صمود الشعب الفلسطيني وتشكيل جبهة عالمية تستند في دفاعها عن القضية الفلسطينية الى عدالتها اضافة الى تجسيد الشرعية الدولية من خلال تطبيق قرارات الامم المتحدة ذات الصلة.
وكل انتصار وشعبنا الفلسطيني بخير