الأحد: 19/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

مع بدء تنفيذ وقف النار "لقد نجونا من الموت"

نشر بتاريخ: 18/01/2025 ( آخر تحديث: 18/01/2025 الساعة: 22:06 )

الكاتب: وليد العوض

مع انقشاع غيوم الموت التي خيمت فوقنا لمدة خمسة عشر شهراً "بقينا على قيد الحياة "عبارة تتردد على كل لسان كل ما زال بقي حياً في ما تبقى من بيوتِ قطاع غزة بما في ذلك مخيمات النزوح و مراكز الايواء التي انتشرت ليس في جنوبه فحسب بل و في آلاف الخيم التي نُصبت على عجل في مدينة غزة بعد عملية التدمير الشامل التي تعرض لها مخيم جباليا و بيت لاهيا و بيت حانون و الأحياء المتاخمة لها و أدت لتهجير ساكنيها الذين كانوا قد أصرُّوا على البقاء في بيوتهم و عدم النزوح جنوباً منذ بداية العدوان،

عبارة "ما زلنا على قيد الحياة أو كلمة نجونا من المقتلة" تترد قبل ساعات لبدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار صبيحة يوم الأحد التاسع عشر من كانون ثاني ٢٠٢٥، لهذه الكلمات معنى كبير يعرف من كل يرددها معناها الحقيقي أنها تعبير عن حقيقية الأيام و الليالي و اللحظات التي حصدت فيها آلة القتل الفاشية أرواح أكثر من سبعين ألف شهيد و مفقود ما زالوا تحت الأنقاض و ما يزيد عن مئة و خمسون ألف جريح،،

"نجونا من الموت " كلمة لم تتردد اليوم مع بدء تنفيذ اتفاق الهدنة فقط بل كانت تتردد صبيحة كل يومٍ و بعد كل ليلة حالكة تساقطت فيها مئات الصواريخ تحمل أطنان من المتفجرات على رؤوس الآمنين، انها كلمات و عبارات كانت تترد بعد العودة من مغامرة الحصول على غالون ماء يسد الرمق يجري تقسيمه بكميات ضئيلة تساعد على الحياة، تتردد بعد رحلة البحث تحت الحِمم و لهيب الموت عن كيس أو حتى كيلو من الطحين غالباً ما يكون بالدم ممزوجاً إنها لحظات تغتنم فرصة هدوء تلملم فيها الأشلاء المتناثرة على جوانب الطرق وأغصان الشجر تدفنها بكرامة حتى لا تنهشها الكلاب و تكتب بقطعة من الفحم أو قلم من اللباد شهيد مجهول الهوية،،

ما زلنا على قيد الحياة عبارة طالما قلناها بحشرجة وغالباً بأصوات خافتة في وقتٍ تكشر فيها الدبابات عن أنيابها وفرق الهندسة تنتقل من مبنى لآخر تقوم بنسف العمارات التي تتهاوى كعلب من البسكويت على مقربةٍ منك بينما تحوم حولك طائرة الكواد كابتر تنادي بمكبرات الصوت مين في هون لتتكور أنت وأسرتك على سفرة الدرج لأيام عدة ترفض فيها الاستجابة للنداء بانتظار الموت خشيةً من إجبارك على النزوح تحت حراب البنادق،

"نجونا" كلمة طالما رددناها بعد كل نجاحٍ في مغامرة لتشغيل ماتور الكهرباء لرفع المياه أنها مغامرة و جرأة أقول حين تكون الدبابات على بعد أقل من خمسين متراً فتعمل على أن يكون وقت تشغيل الماتور متزامناً مع تشغيل ماتور الدبابة ليختلط صوت الماتور بهدير صوتها و تنجز و من معك مهمتك بنجاح،،

"ما زلنا عايشين طمنونا عنكم"، كلمات طالما أرسلها الغزيين ومنهم نحن بعد أن تفتح جهاز هاتفك المتنقل لترسل رسالة عاجلة في لحظات الحصار الشديد أو لحظة توفر الشبكة لتطمئن أو تطمئن على من تحب، انها لحظات عصيبة قاسية موحشة حين تنظر خلسة من كوة أحدثتها قذيفة في جدارٍ متهالك فتجد عشرات الجنود المدججين بالسلاح برفقة كلابهم التي تشبههم يضعون مئات الكيلوجرامات من المواد المتفجرة تحت عمارة لا تبعد عنك سوى أمتار لنسفها فتتطاير الأبواب و الشبابيك و تحط الرحال فوق جسدك فتبتسم أنك لم تمت يبحث عنك من معك بين ألسنة الدخان والغبار فتكاد أن تختنق و من معك، أنها لحظات تعجز الكلمات عن وصفها حينها يحق لك أن تقول حتى الآن ما زلنا عايشين وننتظر، هذه اللحظات عاشها الناس في قطاع غزة بدرجات متفاوتة انها لحظات الصراع مع الموت هو يشد و أنت تشد فيموت الموت و تعيش أنت وكم وكم كان كانت المهمة و المسؤولية ثقيلة و هامة بل وواجبة لا أن تنجو وحدك من المحرقة بل أن تكون حريصاً على نجاة كل من مقتلةٍ كانت فيها عوامل الموت أكثر من عوامل النجاة التي توقفت في غالب الأحيان على ربطة جأش و خبرة وتمتلك الجرأة في جو من الرعب وكيف و أين و متى يمكن أن تنتقل و من معك ليس من مكان لآخر بل من غرفة لغرفة تحت أزيز الرصاص و تطاير الشظايا،

اليوم مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ فإن الغزيين الذين ينتظرون هذه اللحظات يتمنون أن يستمر الاتفاق ويدوم وأن لا تعود فصول حرب الابادة مجدداً تعود معها ربما بما هو أكثر وحشية تلك اللحظات المرعبة التي تشيب لها الولدان.

شمال غزة.: 19/1/2025